الحلقة السابعة.. «دراو».. الميناء المهجور لتجارة الجمال.. أحلام التنقيب عن الذهب بـ"وادى العلاقى" تتبخر فى السجون.. الإهمال يحاصر مستقبل جنوب سيناء وأهالى شاطئ الورد يعيشون على مياه الصرف

الأربعاء، 22 فبراير 2012 10:05 م
الحلقة السابعة.. «دراو».. الميناء المهجور لتجارة الجمال.. أحلام التنقيب عن الذهب بـ"وادى العلاقى" تتبخر فى السجون.. الإهمال يحاصر مستقبل جنوب سيناء وأهالى شاطئ الورد يعيشون على مياه الصرف دراو.. الميناء المهجور لتجارة الجمال فى مصر
تحقيق محمد فتحى - تصوير محمد نبيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الملايين من رؤوس الجمال تأتى إلينا كل عام، كانت (دراو) ثرية يعيش أبناؤها فى سعة من العيش حتى جاء هذا القرار فقضى على كل شىء، والآن لا تفد إلينا إلا 100 ألف رأس فى العام». الكلمات السابقة قالها الحاج صابر عوض من أهالى دراو بأسوان حيثُ أبرز سوق جمال فى مصر والتى «تعرضت للتدمير بسبب مخالفة قانونية»، على حد قول الحاج صابر.

ويعانى مركز «دراو»، الذى تجاوز عدد سكانه حاجز الـ150 ألف نسمة، من بطالة انتشرت بين أبنائه الذين اشتهروا بتجارة الجمال طوال تاريخهم، يتحدث عنها الحاج صابر ساردًا أسباب حالة الركود الاقتصادى التى ضربتهم فأدت إلى إفقار بعض الأهالى وتحول كثير منهم إلى العمل بالزراعة أو امتهان أى مهنة أخرى قائلا: «كانت (دراو) السوق الرئيسية والوحيدة لتجارة الجمال فى مصر، كان التجار السودانيون يفدون إلينا ويتعاملون مع الوكلاء المصريين الذين كانوا يتلقون الجمال ثم يبيعونها للتجار الذين يأتون «دراو» من مختلف المحافظات». وتابع: «بمرور الوقت، منعت السلطات المصرية التجار السودانيين من الدخول إلى دراو وأبلغت الوكلاء أن عليهم الذهاب إلى الحدود وتلقى الجمال بأنفسهم وإدخالها إلى مصر، وكان السبب فى هذا القرار هو اكتشاف أن عصابات سودانية تستخدم الجمال فى تهريب الأسلحة». واصل المصدر ذاته حديثه: «لم تكن لدينا أزمة فى الذهاب للحدود كوكلاء والتعامل مع التجار السودانيين وإحضار الجمال إلى السوق فى دراو، قبل أن يصدر قرار حكومى فى السبعينيات يحصر وكالة الجمال من السودان لإحدى شركات الاستيراد والتصدير والتى ما زالت حتى يومنا هذا هى الوكيل الرسمى والمستورد الوحيد». مضيفًا: «هذا القرار مخالف للقوانين المنظمة للاستيراد والتصدير، كما أن أصل الوكالة يكون بالتراضى وليس بالأمر أو بالقرارات الحكومية، هذا نوع من العبث».



واصل صابر حديثه مشيرًا إلى الأضرار الاقتصادية التى ترتبت على هذا القرار: «بعد هذا القرار أصبح عمل الوكلاء المتواجدين فى دراو لا قيمة لهم فهم أمام الدولة غير مسؤولين عن الاستيراد أو الوكالة، وترتب على ذلك تشريد بعض العاملين فى تجارة الجمال بما أثر سلبيًا على دخول العائلات هنا». وعاد الرجل بالذاكرة إلى الوراء، مشيرًا إلى أن «التعامل سابقًا كان يتم عن طريق السجل الضريبى، فحين يُظهر الوكيل سجله الضريبى يقوم المسؤولون بالموافقة على عمله مع التجار السودانيين».

ويؤكد صابر أن كل الوكلاء الحاليين يعملون لحساب الشركة المسؤولة عن الاستيراد بالمخالفة للقانون فهم لا يتبعونها ولكن يعملون لصالحها نظير مبلغ مادى يحصلون عليه، «لذلك لن تجد وكيلاً من الحاليين يشكو من سوء أوضاع تجارة الجمال رغم الأزمات التى يعانيها الجميع».

وكانت «دراو»، التى تنتشر الجمال فى شوارعها جميعًا، هى المركز الوحيد للاتجار فى هذا الحيوان فى مصر وكانت الجمال الواردة من السودان تُحجز فى الحجر الطبى المتواجد بدراو، قبل أن يتم تحويل الجمال الواردة من شرق السودان إلى منطقة شلاتين ويتم تحويل الواردة من الغرب إلى «أبوسمبل». وطالب صابر، الذى أكد أنه حاول مرارًا محاربة احتكار هذه الشركة الاستيراد- وزير التجارة الحالى بالنظر فى هذا الملف وإلغاء القرار الباطل بحصر وكالة الجمال القادمة من السودان على شركة وحيدة.

السوق تكتظ بالجمال، يقف كل تاجر واضعًا أمامه الجمال الخاصة به ويُعلم كل منها برقمٍ بلون مميز حتى لا تختلط بجمال أخرى، ويتناثر فى أرجاء المكان مجموعة من السائحين الأجانب جاءوا إلى دراو لرؤية الجمال وتصويرها ورسمها.

يقول عامر حسين، أحد أبرز وكلاء تجارة الجمال، إن هناك آثاراً سلبية لنقل الحجر الطبى إلى أبوسمبل، لكنه فى الوقت نفسه يرفض المبالغات التى تصدر فى الشأن، ويتابع: «أول الآثار السلبية تمثلت فى تحميل الوكلاء أعباءً مالية إضافية، فحين كان المنفذ فى دراو كانت الجمال تأتى إلينا مباشرة ولكن الآن حين تأتى إلى أبوسمبل نضطر إلى شحنها فى سيارات إلى هنا وهذا يحملنا أعباءً مالية إضافية». وأضاف: «الوكيل هو من يتحمل تلك الأعباء وحين يرفع سعر الجمل يرفض التاجر شراءه ويتمسك بالسعر القديم، لذلك فنحن أبرز المتضررين من هذا الأمر»، متابعًا: «كما أن هناك ضررًا ثانيًا، فالمياه فى الحجر الطبى بأبوسمبل مالحة تؤثر سلبيًا على صحة الجمال فتأتينا هزيلة وضعيفة للغاية بعكس المياه التى كانت فى الحجر الخاص بدراو والتى لم يكن لها أى تأثير سلبى».



صالح قراش، أحد التجار الذين يقدمون إلى دراو لشراء الجمال وبيعها بعد علفها فى القاهرة يقول إن الأزمة الرئيسية التى تواجه كثيرا من التجار حاليًا هى ارتفاع أسعار الجمال بصورة كبيرة، ويواصل: «الوكلاء قاموا برفع الأسعار على الباعة خلال الفترة الأخيرة ويقولون إن السبب وراء ذلك هو نقل الحجر الطبى إلى أبوسمبل، هذا بالإضافة إلى أن قيمة الجنية المصرى تراجعت للغاية».

وتابع قراش حديثه: «الآن الجنيه السودانى يفوق المصرى بأكثر من ضعفين، وهذا تسبب فى ارتفاع الأسعار بصورة واضحة، إضافة إلى أننا كتجار تحملنا أعباءً إضافية فى كل شىء لأن نقل الجمال الآن أصبح أغلى من السنوات السابقة، والعمال الذين يقومون بشحن الجمال داخل السيارات بعد أن كانوا يوافقون على الحصول على جنيه أو اثنين مقابل الشحن يطلبون الآن 10 جنيهات وعشرين وأكثر من ذلك»، والشحان، «هو شخص يقوم باقتياد الجمال من موضعها الذى تبرك فيه إلى السيارة التى ستنقلها خارج السوق، وهى عمليه تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا».

يختتم قراش، الذى يفد على دراو منذ أكثر من عشرين عامًا حديثه مؤكدًا أن السوق تأثرت سلبيًا خلال السنوات الأخيرة، وأن تجارة الجمال عمومًا تراجعت فى مصر لكن الحلول المطروحة لإعادة تنميتها كثيرة وقابلة للتحقيق إذا ما أراد المسؤولون ذلك.

شيخ قبائل الوادى: شبابنا عاطل والتنقيب البديل الوحيد للعمل بالتهريب

فى أقصى جنوب البلاد، يعيش بدو فى وادى العلاقى تفصلهم عن مصر مركزية يصفونها بـ«البغيضة»، يقولون: «نحن كالأطراف المقطوعة من جسد الدولة.. قلبها النابض فى القاهرة تنفد دماؤه قبل الوصول إلينا لنصبح بين خيارين لا ثالث لهما، إمّا البتر فنعيش فى نعيم الجيرة وننفصل عن موطننا وإما محاولة الإنقاذ بجرعات مكثفة من العلاج، والخيار الأول لا نريده أما الثانى فلم يكن النظام السابق يفكر فيه».

قبل أسابيع، قام أفراد من بدو قبائل العبابدة والبشارية بقطع طريق الكورنيش بأسوان لمدة ثلاث ساعات، مطالبين بالسماح لهم بالتنقيب عن الذهب فى وادى العلاقى على الحدود المصرية السودانية، وناشدوا الحكومة تقنين عمليات التنقيب لأنها السبيل الوحيد لهم للعيش بعدما تقطعت بهم السبل منذ عام 1995 حين تم إغلاق منفذ العلاقى الحدودى بين مصر والسودان واتجاه طريق التجارة شرقًا نحو رأس حديربة.



يروى الشيخ عبد المجيد عتمان، زعيم قبائل وادى العلاقى وشيخ مشايخ قبائل العبابدة فى مصر والسودان، لـ«اليوم السابع»، تفاصيل أزمة التنقيب عن الذهب فى المنطقة الحدودية قائلاً: «تبلغ مساحة الوادى 500 كيلو متر، 350 كيلو مترا فى مصر و150 فى السودان ويضم 250 محجرا ومنجما تضم كميات كبيرة من خامات التلك ومعادن بكميات كبيرة» وأضاف: «هناك ثلاثة مناجم مغلقة فى تلك المنطقة فى وادى أحيمر ووادى إيجات وانقاه، وهذه المناجم كانت تحت سيطرة المحتل الإنجليزى قبل ثورة 1952 وهى الآن مغلقة تمامًا ولم يتم تشغيلها رغم مطالبنا المتكررة بذلك لاحتواء البطالة المنتشرة بين أبنائنا». بدأت أزمة التنقيب عن الذهب فى تلك المنطقة العام الماضى، حيثُ تسلل، وفقًا لرواية الشيخ عتمان، مجموعة من السودانيين إلى الحدود المصرية بحثًا عن الذهب، واختلط بهم شباب من القبائل المصرية وتعرفوا على كيفية التنقيب، كما حصلوا من السودانيين على أجهزة حديثة تستخدم فى ذلك الغرض، وبدأت محاولات التنقيب التى وجد فيها الشباب سبيلاً للعيش الكريم».

لم ينعم شباب وادى العلاقى وسكان المنطقة الحدودية كثيرًا، إذ بدأت قوات حرس الحدود فى التصدى لهم ومنعهم من التنقيب عن الذهب أو المعادن فى الجبال، يقول الشيخ عتمان: «قوات حرس الحدود تعتبر كل من ينقب عن الذهب خائنًا وحين يتم إلقاء القبض عليه يُحاكم عسكريًا ويسجن ستة أشهر وبعض الشباب تُطلق عليه النيران فور رؤيته بجوار الجبال دون التأكد من هويته أو العمل الذى يمارسه» ويضيف: «فى السودان تسمح الحكومة لأهالى المنطقة الحدودية فى الشمال أن ينقبوا عن الذهب كيفما شاءوا مقابل مبلغ مالى يقومون بدفعه نظير الحصول على الأجهزة التى يستخدمونها فى التنقيب».

وأكد الشيخ عتمان أنه طالب قوات حرس الحدود بالسماح للشباب بالعمل فى التنقيب بدلاً من أن يضطروا للتهريب، لأن الوظيفة الأساسية لبدو الحدود هى الرعى وصناعة الفحم وبيع الإبل، والثلاثة لا يمكن الاعتماد عليها بصفة منتظمة.

الاتهامات الموجهة لبدو وادى العلاقى بعملهم فى تهريب المخدرات والأسلحة، وكذلك تهريب الأفارقة الحالمين بالتسلل إلى إسرائيل كانت موضع سؤال مرتبط بالتنقيب عن الذهب هو.. هل تتعنت الأجهزة الأمنية مع أبناء الشريط الحدودى فى التنقيب بسبب عملهم بالتهريب وما يترتيب على ذلك من تهديد مباشر للأمن القومى؟ وجاءت إجابة الشيخ عتمان كالتالى: «لكى أكون منصفًا، هناك بالفعل من البدو من يعملون بالتهريب، ولن أقول إنهم قلة مندسة أو مجبرون على ذلك، لأن التهريب مرفوض وخطأ مهما كان حجم وقيمة الشىء المهرب، ومهما كانت الحالة المادية للمهرب، فلو كان معدما لا يجد قوت يومه لا يجوز أن يعمل بالتهريب، لكن على الجانب الآخر يجب أن ننظر للمكان الذى نعيش فيه.. هل وفرت الدولة لنا الخدمات الأساسية التى نحتاجها، وهل قامت بإنشاء مصانع أو شركات لأبناء الوادى ليعملوا بها، وهل استجابت لمطالبنا المتكررة بضرورة الاهتمام بأبناء هذه المنطقة باعتبارهم جزءا من النسيج الوطنى وحماة البوابتين الجنوبية والشرقية لمصر؟.. الإجابة عن كل هذه التساؤلات واحدة، هى أن سكان الحدود الجنوبية سقطوا من أجندة النظام السابق، فلم يهتموا بها على الرغم من أننى تقدمت بالعديد من الاقتراحات لإنماء وتطوير هذا المكان حين كنت نائبًا بالبرلمان «من 2000 إلى 2005» لكن أحدًا لم يستجب لها، والآن يلوموننا على أننا ننقب عن الذهب أو نحاول البحث عن موارد كريمة للكسب بدلاً من اللجوء للتهريب». وواصل شيخ مشايخ قبائل العبابدة: «كل من نتأكد من عمله بالتهريب نقوم بالإبلاغ عنه ونتصدى له بصورة مباشرة، ونتعاون كثيرًا مع الأجهزة الأمنية فى هذا الشأن، لأننا لا نريد أن نكون ثغرة ينفذ منها المخربون إلى مصر».

ويختتم شيخ العبابدة حديثه مؤكدًا: «بعد الثورة يجب أن تتغير النظرة إلينا وإلى كل سكان المناطق الحدودية، ويجب ألا تكون العقلية الأمنية هى المتحكمة فقط فى إدارة ملف وادى العلاقى.



أمام منزل الشيخ عتمان تجمع شباب من أبناء العلاقى فى العقدين الثانى والثالث من العمر، هذا أحمد سراج، شاب فى منتصف عقده الثالث، حاصل على دبلوم فنى صناعى، مهنته فى البطاقة الشخصية «راعى»، وذاك عبد العزيز خليفة شاب شديد سواد الوجه أنهى دراسته فى كلية الحقوق قبل عامين، وجلس يبحث عن عمل فلم يجد فامتهن الرعى أيضًا، وبجوارهما شباب آخرون امتهنوا الرعى بعدما «أغلقت فى وجوههم كل السبل» على حد قولهم.

«لماذا ننُقب عن الذهب؟ لأننا لا نجد وظيفة نمتهنها غير الرعى على الرغم من أن جميع أبناء العلاقى متعلمون وكثير منهم حصل على مؤهلات عليا». بتلك الكلمات بدأ محمد أحمد حسين من شباب العلاقى حديثه. وتابع حسين: «قبل 17 عامًا، كان لإقليمنا شأن آخر، وقتها كان منفذ العلاقى الحدودى مفتوحًا وكانت التجارة رائجة، لكن بعد إغلاق المنفذ لأسباب أمنية واهية تأثرنا بصورة كبيرة، كما أن قوات حرس الحدود كانت تقبل أبناء العلاقى كمتطوعين لدرايتهم بمخارج ومداخل الحدود، ثم أغلقت الباب فى وجوهنا فجأة، وهذا الأمر أدى أيضًا لانتشار البطالة».

يشرح حسين كيف يقوم بعض الشباب بالتنقيب عن الذهب قائلاً: «الأمر ليس معقدًا كما يتصور البعض، سكان العلاقى يعرفون تفاصيل كل شبر فى الوادى، ونعلم جيدًا الأماكن التى يتوافر بها الذهب وكثير من الشباب يقوم بالتنقيب عن الذهب بيديه، يذهب إلى الأماكن التى يغلب على ظنه وجود المعدن بها ويقوم بالتنقيب والبعض يستخدم أدوات بدائية، وهناك من يستخدم الأجهزة التى حصلنا عليها من السودانيين» . ودافع الشاب، كما دافع الشيخ عبد المجيد، عن الاتهامات الموجهة للبدو عمومًا ولأبناء العلاقى خصوصا بعملهم فى التهريب، قائلاً: «هذه تهم معلبة، ببساطة شديدة نحن أكثر من نقاوم التهريب.

أنهى حسين حديثه قائلاً: «يحاول سودانيون من قبائل الرشايدة الدخول للحدود المصرية، ونحن من نتصدى لهم فى المقام الأول قبل قوات حرس الحدود، لأن عهدنا أن نكون الدرع الواقية لأى محاولة لسلب مصر.

نقلاً عن العدد اليومى






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة