استمرت انتخابات مجلس الشورى وسط صيحات الغالبية العظمى بوقف هذه المهزلة توفيرا للوقت وتقصيرا للفترة الانتقالية ولعدم الجدوى السياسية، وتوفيرا للنفاقات الانتخابية «1.5» مليار جنيه، بالإضافة إلى نصف مليار جنيه لتشغيل المجلس خلال عام واحد، إلا أن المجلس العسكرى - سامحه الله - أصر ولايزال يصر على استهلاك الثورة فيما لا يفيد لإطالة أمد الاستمرار فى إطار مخطط إجهاض الثورة بطبيعة الحال، وذلك بإجراء انتخابات هذا المجلس عديم الاختصاصات لأكثر من شهر ونصف رغم ضم المراحل الثلاث فى مرحلتين فقط!! ومن ثم فإن الاستمرار فى انتخابات هذا الكيان الهزيل سياسيا كان لافتا للنظر للجميع، رغم أننا من أوائل الذين طالبوا بإلغائه منذ أكثر من «12» عاما حيث خضت أول انتخابات لمجلس الشعب فى نوفمبر 2000م، وتضمن برنامجى الانتخابى آنذاك إلغاء مجلس الشورى، وتكرر ذلك ضمن برنامجى الانتخابى عام 2005 الذى نجحت ودخلت مجلس الشعب على أساسه، وطرحت رؤيتى للتعديلات الدستورية عام 2007، رداً على التعديلات الدستورية التى سميتها آنذاك بـ«المشبوهة»، استنادًا إلى أنها كانت ترمى إلى دعم التوريث ونقل السلطة من مبارك الأب العجوز، إلى مبارك الابن «الشاب المزعوم»!!، وتضمنت رؤيتى آنذاك إلغاء مجلس الشورى والاكتفاء بمجلس الشعب فقط.
بعد ثورة 25 يناير كان المتوقع حسب المسار الطبيعى للثورات «الهدم ثم البناء» وأن يتم البدء بالدستور الجديد ثم بعد الاستقرار على شكل الحكم، يتم البدء فى تكوين المؤسسات والسلطات بالانتخابات، ولو كان الشعب قد ارتضى فكرة المجلسين، فأهلا وسهلا، وإذا ارتضى فكرة المجلس الواحد وذلك اكتفاء بمجلس الشعب فقط، فأهلا وسهلا.
ولكن الواقع الفعلى بكل أسف، سار فى مسار «اللادستور» وتكوين المؤسسات بالانتخابات فى ظل انعدام الدستور، مع وجود «إعلان دستورى» غير مبين لاختصاصات واضحة لهذه المؤسسات، ومن ثم فإن تكوين هذه المؤسسات وخاصة مجلسى الشعب والشورى، فى ظل انعدام الاختصاصات، كلف الشعب المصرى المليارات من الجنيهات دون جدوى، كما أن ذلك أيضًا من شأنه استهلاك الوقت الأمر الذى يعنى تبريد الثورة والالتفاف حولها بإجراءات شكلية، إلى أن يتم إجهاضها تماما، ومن ثم فإن المسؤولين عن إدارة الفترة الانتقالية، سيتم توجية اتهام لهم من الآن فصاعدا يتلخص فى:
1 - إهدار المال العام الذى سيصل إلى نحو «5» مليارات جنيه تقريبا وهى قيمة إجراء استفتاء مصطنع على تعديلات دستورية ألغى أثرها بالإعلان الدستورى فى 30/3/2011، وانتخابات مجلس الشعب، ثم انتخابات مجلس الشورى، وتشغيلهما بدون اختصاصات واضحة.
2 - السير فى إجراءات كان من شأنها إجمالا الالتفاف حول الثورة حتى يتم إجهاضها تماما، بعيدا عن الزعم بحمايتها وحماية الثوار، وهو الأمر الذى كذبه الواقع والوقائع.
وفى تقديرى، أنه ستظل النقطة المفصلية فى الثورة المصرية هى العنصر الحاسم فى تفسير ما حدث، وهى إدراك المجلس العسكرى لما حدث فى 25 يناير 2011م.. حيث ثبت فى إدراكه أن ما حدث كان «فورة» وليس «ثورة»، أى مجرد انتفاضة شعبية وجملة مظاهرات عبرت عن نفسها باعتصمات وإضرابات جزئية، ومن ثم فإن تنفيذ ما يراه العسكر فى إلغاء التوريث، مع بعض الإصلاحات الجزئية التى كانت مطلب القوى السياسية، من شأنه احتواء ما حدث ولم يكن يدرك قادة المجلس العسكرى، أن ذلك ربما جائز حتى فجر 25 يناير 2011م، إلا أنه بعدما أعلن الشعب عن إرادته من خلال ما قام به من ثورة شعبية حقيقية، ومن ثم أصبح هناك «فجوة فى الإدراك» بين طرفين أصيلين، الأول هو الشعب صاحب الإرادة والكلمة العليا الذى قام بالثورة التى تستهدف إسقاط نظام مبارك تماما، والثانى هو المجلس العسكرى الذى استولى على السلطة بتفويض من حسنى مبارك المخلوع الذى أجبره الشعب على التنحى، والذى رأى أن ما حدث ليس ثورة.
ونتيجة سوء الإدراك من المجلس العسكرى لما حدث، ارتبك المشهد وتحالف معه البعض من القوى السياسية لتمرير إدراكه وتحقيق المكاسب الوقتية للاستقواء على الآخرين، وإعطاء الظهر للتغيير السياسى الشامل «والرضا بالتغيير الجزئى أو الإصلاح المحدود»، فى صفقة لها حديث قادم إن شاء الله.
فى هذا السياق نرى قراءة المشهد السياسى لانتخابات مجلس الشورى بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب وبدء عمله، وذلك فيما يلى:
1 - أجمعت وسائل الإعلام ومنظمات الرقابة على انتخابات مجلس الشورى على محدودية الإقبال الشعبى على هذه الانتخابات، وصلت إلى مرحلة «انعدام الإقبال الجماهيرى»، حيث إن النسب الحقيقية لم تتجاوز بأى حال ٪5 بل أقل، ومن ثم فإن إعلان المرحلة الأولى «الجولة الأولى» أنها ٪15 دون أن يتم إعلان الجولة الثانية، وأن إعلان المرحلة الثانية التى تضمنت أن نسبة المشاركة الجماهيرية قد وصلت إلى ٪12.5، هو قول غير دقيق فى ظل مشاهد اللجان الخالية.
2 - أكد رئيس اللجنة العليا للانتخابات فى تصريحات رسمية فى نهاية المرحلة الأولى لمجلس الشورى، أن الإقبال الجماهيرى محدود للغاية، وأن ذلك يعكس عدم اهتمام الشعب بهذه الانتخابات وكذلك عدم اهتمامه بمجلس الشورى وهو تصريح مهم، يحمل رسالة للمجلس العسكرى بضرورة وقف هذه الانتخابات المهزلة بدلا من السير فى عملية غير مقبولة شعبيا.
3 - صرح المستشار رئيس اللجنة العليا للانتخابات أيضًا «عبدالمعز إبراهيم» بأن تكاليف إجراء انتخابات مجلى الشورى تتجاوز المليار جنيه!! على حين توافرت المعلومات عندى أنها تصل إلى «1.5» مليار جنيه، وأن المستشار أراد تخفيف وقع كلامه على الشعب الذى رفض المشاركة فى انتخابات عبثية، وأراد المستشار أن يشرك الشعب فى ممارسة ضغطه لإلغاء هذه الانتخابات، وكأنه يقول لنا جميعا: لقد قلت ما عندى، ولا مسؤولية علىّ، بل المسؤولية على الآخرين الذين يصرون على الاستمرار فى المهزلة.
4 - أظهرت نسب المشاركة المحدودة سواء الواقعية أو المضخمة لاعتبارات سياسية، والتى لم تتجاوز الـ٪5، تواضع الإقبال الجماهيرى على دعم تيارات «الإسلام السياسى» فلو كان لدى هؤلاء جماهير تحت سيطرتهم لكانوا قد خرجوا للتصويت لإظهار قوتهم الحقيقية، إلا أن ما حدث يؤكد تواضع الإقبال الجماهيرى المؤيد لهذه التيارات، وعلى ذلك فإن على هؤلاء أن يتواضعوا دون غرور، وألا يستكبروا أو يتجبروا على الآخرين إلى مرحلة التسلط دون حقيقة، وقد فسر البعض بأن أغلب الذين حضروا فى انتخابات الشورى من الجماهير، هم القوى المؤيدة لتيارات الإسلام السياسى «إخوان/سلفيون/آخرون» فحسب، وماعدا ذلك كان بمثابة تعاطف جماهيرى ظهر فى انتخابات مجلس الشعب، ثم تراجع ذلك بعد أن بدأ مجلس الشعب فى العمل بأسلوب النظام السابق وعلى قواعده وطريقته «الدليل مناقشة العيش والبوتاجاز!!»، وتحول المجلس على مدار الشهر إلى «مكلمة جديدة»!!
5 - أن اختصاصات مجلس الشورى معدومة، ومن ثم فإن دوره ينحصر فى اختيار لجنة إعداد الدستور فقط!! فهل تتكلف الدولة ملياراً ونصف المليار من الجنيهات إلى جانب إهدار وقت يتجاوز الشهر والنصف، لكى تأتى بعدد من الأشخاص لأداء اختصاص محدود وهزيل، كان يمكن أن يقوم به مجلس الشعب فحسب كما قلنا مراراً وتكراراً، ولكن للأسف دون جدوى؟!!
6 - أن السر الحقيقى وراء إصرار المجلس العسكرى على استمرار مجلس الشورى، مثل أشياء كثيرة وأشخاص كثيرين، هو استمرار نظام مبارك بأجهزته ومؤسساته ورموزه وسياساته وقواعد عمله، وقد قلنا ذلك منذ بداية الثورة، إلا أن العسكر لا يريدون أن يسمعوا لأحد، وينفذون ما يريدون، وطبيعة العناد المتسلطة لدى مبارك، هى نفسها سمة المجلس العسكرى بكل أسف، فماذا لو تم تأجيل مجلس الشورى لما بعد الدستور؟! إلا أن الإجابة بالنفى تؤكد أن صفقة استمرار نظام مبارك ستهتز، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فلم يحدث عقب ثورة- من خلال قراءة تراث الثورات- أن أجريت انتخابات فى أى جزء فى العالم، استمرت خسمة أشهر «1 أكتوبر 2011 - فبراير 2012»، ولا حتى فى الظروف العادية، إلا أن ما حدث كان «جريمة سياسية» بكل المعايير، لن يفلت منها من تسببوا فيها، القصد منها استهلاك الوقت وإجهاض الثورة بلا جدال.
7 - أن تكوين مؤسسة «يقال عنها إنها دستورية» هى مجلس الشورى بنسبة حضور ومشاركة جماهيرية منعدمة إلى هذا الحد «لم تتجاوز ٪5» يجعلها مؤسسة غير دستورية لرفض الغالبية العظمى للشعب فى المشاركة فى تكوينها، ومن ثم أصبح إلغاء هذه المؤسسة أمرا حتميا بل تعد المقاطعة الشعبية لهذه الانتخابات، استفتاء شعبيا على رفض تكوين هذا المجلس الديكورى عديم الاختصاصات.
8 - أن فرض غرامة تصل إلى «500» جنيه تقارب الحد الأدنى للأجور، على من يتخلف عن التصويت فى الانتخابات العامة، ورغم عدم دستوريتها، ورغم تخوف المواطنين من تطبيقها عليهم فى انتخابات مجلس الشعب فى حالة عدم المشاركة، لم تفلح فى إجبار الشعب مرة أخرى على الذهاب إلى صناديق الانتخابات لمجلس الشورى، الأمر الذى يقطع بإجبار المشرع على إلغاء هذا النص من قانون الحقوق السياسية فوراً، حتى تستبين لنا جميعا إرادة الشعب الحقيقية، فلا غرامة أو عقوبة على امتناع صاحب الحق عن ممارسة حقه، لأن الامتناع موقف سياسى، عبرت عنه جماهير شعبنا الواعية فى انتخابات مجلس الشورى الوهمية.
ولا شك أن هذا التجبر على الشعب المصرى، وعلى ثورته العظيمة فى 25 يناير 2011م، وأن هذا الإصرار على استمرار نظام مبارك بالقوى القهرية من خلال استمرار قوالب النظام، وسياسات رموزه، وقواعد عمله دون تطهير حقيقى، ودون تغيير جذرى، ودون فاعلية حقيقية، ودون دستور جديد يحقق آمال الأمة فى واقع جديد، من شأنه استمرار مشهد الارتباك، والاضطراب وعدم الاستقرار، والذين أوهموا الشعب المصرى أن الاستقرار سيتحقق بعد أول خطوة «تعديلات دستورية واستفتاء عليها»، كانوا كاذبين وكذلك الذين أوهموا الشعب المصرى أن الاستقرار سيتحقق بعد انتخابات مجلس الشعب، كانوا أيضًا كاذبين والواقع يؤكد ذلك، فما بال هؤلاء إزاء المقاطعة الشعبية لانتخابات مجلس الشورى، ألا يؤكد ذلك عدم صدق الأوهام التى يشيعونها على مدار عام كامل؟! وأن الشعب أصبح لا يصدق هؤلاء.
وأزيد تأكيدا أن الدمج القهرى فى عملية سياسية أراها «وهما» حتى الآن، وأرى أن ما تكون من مؤسسات هو للديكور وإضفاء الشرعية على استمرار نظام مبارك فى صورة معدلة قد تؤدى إلى براءة النظام السابق ورموزه- هو أمر مخطط سابق التجهيز وعقدت فى إطاره الصفقات التى تحتاج إلى توضيح وتفصيل فى مقال سابق، وهى فى المعنى الأخير عملية سياسية ديكورية يقف خلفها المجلس العسكرى ليؤكد قوته وتجبره وتسلطه لمن يريد أن يفهم، ولايزال الحوار متصلا ومستمراً..
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ممدوح عبد الرحمن
الثورة لن تهدأ حتي يسقط النظام الذي لم يعد يقبله أحد
عدد الردود 0
بواسطة:
القاضى
يا محتار خليك محتار ......هو ايه يعنى المليار..........
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر مرشد
يا زهران أنا هتجنن كلما علمت إنك دكتور جامعى !!!!
إرحم مصر يرحمك الله
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
اول مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة
عدد الردود 0
بواسطة:
انشر
من غير مأقرأ المقال فمعك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
الشعب لم يرفض
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى كمال
ياعم انت كاره نفسك ليه
عدد الردود 0
بواسطة:
الفرعون العاشق
ناااااااااااااااااااااااااااااااااائب الشعب