د. محمد محسوب

العليمى والدرس الذى لم نتعلمه

الثلاثاء، 21 فبراير 2012 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تقع حادثة إحالة النائب زياد العليمى إلى لجنة القيم موقعًا حسنًا فى قلب أى مواطن غير ذلك الذى لا يعرف زياد العليمى باعتباره شابًا مصريًا من أولئك الثوار الذين خرجوا فى 25 يناير 2011 يوم تقاعس كثير من الخلق ممن ترى وجوههم المنتفخة تطل عليك من تلفاز أو من صحيفة أو من أحلام وردية تغير لونها فصارت بدون لون.

وبغض النظر عن وجهة نظرك الخاصة فى اتجاهات وأفكار واحد من الثوار فإنك لا تملك إلا أن تقف له تحية على شجاعته يوم جبن كثيرون جدًا، ممتنًا له على مشاركته فى الثورة التى أعطتنا فرصة لنعيد بناء أنفسنا ومنحتنا مجلسا للشعب يصرخ ليل نهار فى وجوه الوزراء والكبراء فلا تطارد أعضاءه أجهزة الأمن ولا يعتقل ألسنتهم إعلام الاستبداد ولا يُحالون بقرار جائر لمحاكمات استثنائية أو عسكرية أو صورية.

واتركنى أتأمل معك حكاية حاطب بن أبى بلتعة، ذلك الصحابى الذى شهد بدرًا مع ثلاثمائة ونيف من الصحابة فى جيش قليل العدد والعدة فنصره الله؛ وبعد أقل من ثمانية أعوام ذهب سرًا لأهل مكة يحذرهم من قدوم جيش المسلمين ويطلعهم على الخطة العسكرية التى اعتمدها المسلمون لفتح مكة، والتى تقوم فى أهم عناصرها على المباغتة؛ متذرعًا بحجة ساقها مؤداها أنه إنما يحمى عشيرته الضعيفة من بأس قريش بأن يكون له على المكيين يد وفضل.

ذلك الصحابى، والذى لانزال، أنا وأنت وجموع المسلمين يذكرونه بخير ويدعون برضى الله عنه، ارتكب جريمة أقل ما تُوصف به أنها خيانة عظمى وأقل عقوبة توقع على مرتكبها هى الإعدام دون شفقة.. ومع ذلك فالنبى المعلم، صلى الله عليه وسلم، يعفو عنه ويُفلته من أيدى الحانقين قائلا: لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
أما أعضاء مجلسنا الموقر فإنهم تكالبوا على واحد من أصغر الأعضاء سنًا تكالب الأكلة على قصعتها، بمجرد أن خرجت من فيه هفوة، وبدلا من أن ينبهه عقلاء المجلس وكبراؤه ويحتضنونه حماية لمجلسهم وتقديرا لمساهمته فى الثورة التى ثبتتهم على مقاعد البرلمان؛ انهالوا عليه نقدا وقدحا وتحقيرا حتى اعتقد بعض بسطاء الناس أنه متسلل من الأعداء نفذ إلى البرلمان فى غفلة من الناس.

بل وذكرت كاتبة ممن يتصدرون صفحات الجرائد أن الكيان الصهيونى هو أسعد الناس بكلام العليمى، وأن هذا المثل الذى ضربه ومس بألفاظه جناب المشير يهدد بكارثة تحيق بمصر وجيشها(!!)

أى دولة قادرة وديمقراطية نأمل أن نبنيها ويأمن فيها الناس، وكل الناس يخطئون، إذا نال هذا العقاب القاسى والتجريس المشين عضوا فى برلمان نعتقد أنه يمثل الإرادة الشعبية، وهو من الأعضاء القلائل الذين وصلوا للبرلمان من شباب الثورة.

ولو كنت ممن يبنون تفسيراتهم على سوء النوايا، لقلت وكأن القوم يتربصون بالفتى وبأمثاله ليهينوه وليهينوا الثورة التى شارك فيها وليكسروا صورة هؤلاء أمام الشعب، ليقول الناس: أولئك شباب الثورة فلا يحتذى بحذوهم أحد وإلا فمصيره مصيرهم من التجريس والإهانة والإحالة للجان تحقيق.

أى تعسف هذا فى عدم قبول اعتذار العضو مرة واثنتين، وأن يُفرض عليه عبارات بذاتها يعتذر بها الهدف منها إذاله وإذلال من خلفه وإذلال من اختاره.

ماذا يضير المجلس إن رضى بالاعتذار الأول أو الثانى أو اكتفى بتنبيه الفتى إلى أن عضو البرلمان يجب أن يحرص على ألفاظه وينتبه لتصريحاته؛ دون أن نصل لدرجة يعتقد البعض معها، وأنا منهم، أن المقصود ربما يكون أكبر؛ وهو أن يغلق كل مخالف فى الرأى فيه، وأن يتوقف عند خطوط حمراء لا يتجاوزها؛ فلا يمس المجلس العسكرى ولا رأسه، ولا يتعرض لأحد مشايخنا السلفيين ولا مقترحاتهم الاقتصادية، مهما كانت غير متوافقة مع قواعد الاقتصاد الرشيد وتخرج عن اختصاصهم.
أرجوكم، لا تجعلوا من المجلس مصدرًا لتقييد الحريات فقد سئمنا القيود؛ ولا تقيموا من أنفسكم محاكم تعاقب الناس عند أول هفوة فقد طال أغلبكم وأغلبنا عقاب نظام مستبد هائج لم يترك لنا منفسا نتنفس فيه إلا ميدان التحرير؛ ونحن نتمناكم ميدانًا آخر للتحرير نتنسم فيه نسائم الحرية وتهب منه رياح التغيير، مع تسليمنا بأنه يجب أن يكون ميدانا مؤسسيا ومتزنا يعلو فيه مستوى الأداء، والذى لن يتحقق إلا بالتدريج وبتعاون جميع التيارات لا بأن يتربص بعضها ببعض، فجميع القوى يتسم أداؤها بعيوب ستختفى مع الوقت.

وقدموا العفو خصوصًا لأبنائكم وإخوانكم ولمن شارك فى تلك الثورة التاريخية، وانتبهوا أن بعضًا من الناس إنما يريدكم فى مواجهة شرعية الثورة ومبادئها، فلا تكونوا امتدادًا للماضى بكل ظلمه وجوره وفساده، وإنما أساسا لمستقبل مختلف يسوده التسامح وأن يغفر بعضنا لبعض ويعذر بعضنا بعضا وينصح بعضنا بعضا دون أن يكسر بعضنا بعضا، وإلا سنلتقى جميعًا مرة ثانية فى مظلة استبداد قادم على أشلاء خلافاتنا، وعندها لن ينفع الندم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة