معصوم مرزوق

البيروقراطية.. عقبة فى طريق الثورة

الثلاثاء، 21 فبراير 2012 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع ازدياد حجم الهيكل الإدارى للوزارات فى الدول الحديثة، أصبح الوقت المستهلك فى تحديد أسلوب عمل الوحدات المختلفة وفض الاشتباك فيما بينها، أكثر من الوقت المخصص لتحديد أهدافها وتطوير اختصاصاتها.

يرتبط العمل الوظيفى فى أية دولة بخاصتين مؤثرتين هما: التدرج الوظيفى، والأجر الثابت، فبالنسبة للتدرج الوظيفى، يؤدى دوراً سلبياً فى تجميد أية محاولة للابتكار، من خلال التسليم بأن القرار يتخذ فى أعلى درجات الهرم الوظيفى، ومن ناحية أخرى مقاومة الدرجات الأعلى لإمكانية تسليط أى ضوء على الدرجات الأدنى بما يقتل الدافع لدى هذه الدرجات، ويصيب الجهاز كله بحالة تشبه تصلب الشرايين. وبالنسبة للأجر الثابت، فإنه رغم مميزاته فى وجود شكل من أشكال التأمين والضمان لأعضاء الجهاز الإدارى، إلا أنه من ناحية أخرى يؤدى إلى التراخى عن بذل المزيد من الجهد، لأن أى جهد إضافى فى هذه الحالة لن يؤدى إلى أى تحسن فى المستوى المادى نتيجة للبناء الهرمى للجهاز الإدارى، وتسلسل التدرج الوظيفى، فإنه فى الغالب يكون على قمة هذا البناء وزير مختص، الذى يتولى منصبه لفترة معينة تطول أو تقصر، ثم يحدث التغيير.

وبالتالى فإن السياسات المتوقعة لن تتجاوز تحديد مجموعة من التكتيكات التى تواجه الأحداث المعاصرة مباشرة دون النظر إلى ما هو أبعد من واقعها المباشر، وحتى لو افترضنا قيام أحد الوزراء بتبنى سياسة طويلة المدى، فإن ضمان استمرار تمسك الوزير الجديد بنفس خطوط هذه السياسة أمر مشكوك فيه، ومن ناحية أخرى قد يرى البعض أن التغيير المستمر فى قمة الهرم الوظيفى علامة إيجابية على أساس أنها تدفع بدم جديد يعمل على إعطاء قوة دفع جديدة للجهاز الإدارى، وللأسف فإن ذلك غير صحيح على إطلاقه، لأن التغيير المفترض يمر من خلال شرايين ثابتة ومتصلبة عبارة عن الجهاز البيروقراطى الذى يقاوم فى أغلب الأحيان أية تغيرات حادة فى المسلمات التى يستند إليها ميكانزم اتخاذ القرار، هذا باستثناء بعض الحالات النادرة التى يتولى فيها قمة الهرم الإدارى وزير قوى وفعال، يقوم بإحداث تغيرات مؤثرة على المراكز الحاكمة داخل الجهاز، يحطم فيها كل علاقات التدرج الوظيفى التى ورثها، مع زرع أشخاص جدد يحملون كروموزومات التغيير التى تتماشى معه، ولا شك أن إجراء ثوريا كهذا، كما أن له جوانبه الإيجابية فإن له جوانبه السلبية، لعل أبرزها وجود نوع من التسلط والفردية فى اتخاذ القرار، وكذلك التضحية أحياناً ببعض الكفاءات التى تختلف فى الرأى مع الوزير، ولا يمكن أن نغفل الوقت المستهلك فى إحداث التغيير داخل الجهاز، والذى قد يستغرق جهداً ووقتاً يمثل أحياناً فترة المنصب الوزارى.

لكل ما سبق نجد أن معظم الدول قد لجأت إلى خلق جهاز مواز للجهاز الإدارى يتميز بالمرونة، ويتلافى قدر الإمكان عيوب هذا الجهاز الأخير، فنجد مثلاً أن مستشارى رؤساء الدول للسياسة الخارجية يلعبون دوراً كبيراً فى عملية صنع القرار السياسى، بحيث يتراوح مركز اتخاذ القرار فى العلاقات الدولية بين هذين الجهازين، ولكن هذه الوسيلة لها أيضاً عيوبها التى قد تكون قاتلة فى بعض الأحيان.

أن عملية صنع القرار ليست عملية حسابية عقلية بحتة، بل هى اختيار بين بدائل والمقدرة على التنبؤ الصحيح بأى الطرق من بين طرق كثيرة يمكن الوصول إلى تحقيق الهدف، مع ملاحظة أن المشكلة فى أغلب الأحيان ليست فى مجرد اتخاذ القرار فقط، بل فى التيقن من إمكانية تطبيقه ومتابعته، وهكذا فإن الدائرة التى تحيط بصانع القرار تتكون فى الغالب من مجموعة من الأفراد الذين يجب أن تتوافر فيهم الصفات التى لا تتعارض مع شخصية الرئيس أو أسلوبه، وتتداخل العوامل النفسية بشكل حاسم فى تحديد نوع العلاقة وعمقها، سواء كانت شخصية الرئيس قوية أو ضعيفة.

قد يكون الرئيس ضالعاً بشكل أساسى فى عملية صنع القرار، بحيث يتخذ المبادرة، ويكون دور المعاونين فى هذه الحالة مجرد تقديم البدائل المختلفة، والتى قد يكون القرار النهائى مختلفاً معها جميعاً.

وقد تكون كل مهمة الرئيس هى مجرد اتخاذ القرار بالمعنى الحرفى لذلك، أى أن تقوم المجموعة المحيطة بإعداد القرار وإحالته إلى الرئيس كى ينقله للرأى العام. والحالة الأخيرة هى أن يكون الرئيس والمجموعة المحيطة به لا يقومون بأى دور على الإطلاق، ويخضعون للقرار الذى يصدر من جهة أخرى سواء داخلية (مثل جماعات الضغط أو اللوبى)، أو خارجية.

وأؤكد فى النهاية أن أى جهاز إدارى فى العالم سوف يقاوم أية محاولة للتغيير، متحصناً بقلاع من اللوائح والقرارات الإدارية التى تشكل فى حد ذاتها غابة يصعب اختراقها، لذلك فإن الخطوة الأولى يجب أن تتجه إلى قمم الأهرامات فى هذه الأجهزة، بحيث إذا أمكن معالجة الرؤوس فإنه يمكن معالجة الجسد، فالبداية يجب أن تكون عند القيادات الإدارية على كافة المستويات، ثم يلى ذلك التغيير البنائى فى الهيكل ذاته، لأن الثورة الإدارية تختلف عن الثورة بمعناها العلمى الشائع، فالثورة عموماً تبدأ من القاعدة وصولاً إلى القمة، أما الثورة الإدارية فلا سبيل لنجاحها إلا من الرأس وصولاً للقاعدة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

مازن

بل من الممكن ان تكون الثورات هى العقبة فى طريق .. البيروقراطية

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء

اخر من بتحدث عن التجديد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة