د.صفية فتح الباب تكتب: أنا والآخر

الإثنين، 20 فبراير 2012 06:20 م
د.صفية فتح الباب تكتب: أنا والآخر صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا والآخر
من الطبيعى أن يسعى كل إنسان لصياغة كيانه الخاص الذى يميزه عن الآخرين، ولكن مهما نال من تميز واستقلالية تظل حاجته للآخر مركز حياته وضمانه بقائه. ولنا أن نتخيل ماذا يحدث لو عاش كل إنسان فى جزيرة منعزلة بعيداً عن غيره، فسيكون من المنتظر ألا يستطيع الصمود وسرعان ما تفتك به الوحدة.

من هنا ندرك قيمة الآخر فى حياتنا وأن هذا العالم لم يُخلق لشخص أو جماعة بعينها، بل يتشارك فيه كل البشر بغض النظر عن تباينهم فى العرق واللون والمعتقد، ويختلف مستوى رقى المجتمعات بقدر وعى أفرادها بحقيقة أن الآخر هو جزء من الذات، وأن وجود الفرد مستمد من وجود الآخرين، وأنه من الضرورى أن يكون هناك توازن بين منفعة الذات ومنفعة الآخر من خلال التفكير بعدالة ومسئولية لكبح جماح الأنا التى غالباً ما تميل للجور على حقوق الغير.

وربما يكون الانتماء لجماعة من البشر حلاً للتخلص من هذه النزعة الأنانية فى النفس الإنسانية، ولكن ليس بالضرورة أن يتحقق ذلك، فقد تجد الأنا الفردية المتضخمة سبيلاً آخر للظهور من خلال الإفراط فى التعبير السلبى عن الانتماء لهذه الجماعة التى يراها الفرد مرآة لذاته. وهنا لا تقتصر الأنا على شخص بذاته بل تمتد لتشمل كل من ينتمى لهذه الجماعة، المشكلة إذن ليست فى الانتماء بل فى المبالغة فى تضخيم هذه الذات الجماعية والتى تنعكس بدورها فى التعامل الجائر مع الآخرين الذين لا ينتمون لهذه الجماعة، وبالتالى ينشأ الصراع بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد، والذى يشكل عائقاً كبيراً فى سبيل العيش الآمن وإرساء مبدأ التكامل بين البشر.

أعتقد أن صعوبة تحقيق المعادلة بين الذات والآخر يمكن أن تقل بشكل كبير إذا ما تم التركيز على تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة فى ثقافة المجتمع، فعلى سبيل المثال يظن الكثيرون أن الاعتذار عن الخطأ إهانة للذات، وأن التسامح ضعف وقلة حيلة، وأن القوى هو من ينجح فى قهر الآخر الذى يخالفه فى الرأى، وأن الحرية أن أقول وأفعل ما أشاء وقتما أشاء، وأن الأعلى صوتاً هو بالضرورة الأكثر سٍيطرة، وأن العزة والكرامة تتحقق بالكبرياء على الآخرين والحط من شأنهم. هذه الأمثلة للمفاهيم المغلوطة فى التعامل مع الآخر هى فى حقيقة الأمر أمراض اجتماعية خطيرة تحتاج إلى تدخل سريع من مختلف المؤسسات الثقافية والتربوية والدينية للحيلولة دون تفاقم آثارها السلبية التى تعوق كل الجهود المبذولة للنهوض بالمجتمع.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة