نبيل عمر

يسقط.. يسقط حكم العسكر!!

السبت، 18 فبراير 2012 04:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منتصف ليل الأربعاء فى صيدلية بحى حدائق القبة أبحث عن دواء يطارد هذه الكحة اللعينة التى أمسكت بى، و«تهيجها» الملوثات التى تحيط بنا فى كل مكان، أتربة ودخان وروائح كريهة وعوادم.. إلخ، فنحن نعيش فى عالم من التلوث!
فجأة انطلق هتاف صارخ «مسجل» من جموع غاضبة: يسقط يسقط حكم العسكر، التفت حولى، ودورت بعينى فى أرجاء المكان، كان يقف خلفى شاب فى منتصف العشرينيات، تسريحة شعره تشبه تسريحة البرتغالى كريستيانو رينالدو نجم نجوم ريال مدريد، ولابس سويتر جلد شيك على بنطلون جينز ساقط الوسط على الموضة، فكل جيل يعيش زمانه وعصره.. وهذا حقه!
«دعبس» الشاب فى جيب بنطلون الأيمن، وأخرج تليفونه المحمول، فزادت نبرة الهتافات التى كانت هى الرنين، رد على التليفون بصوت مسموع: نعم يا ماما.. أيوه أنا فى الطريق.. ما فيش داعى للقلق.. خلاص قربت أوصل!
لم يستوقفنى الحوار ولا قلق أمه عليه، فهو حوار دارج شائع، حدث معنا جميعا بأشكال مختلفة، لكن ما استوقفنى: هو الرنين، حتى أن فضولى الصحفى كاد يجرجرنى إلى سؤاله عن سبب اختياره له.. لكن الكحة اللعينة وقفت حائلا بينى وبين السؤال!
قبل أيام كنت فى جلسة خاصة مع بعض الأصدقاء، منهم ضابط صغير بالقوات المسلحة روى لى واقعة مؤلمة للغاية، كان عائدا إلى بيته فى إجازة مع مجموعة من زملائه، ووقفت سياراتهم أمام مدرسة ابتدائى، والتلاميذ يتدافعون منها فى نهاية يومه الدراسى، فإذا بهم ينظرون إلى السيارة الميرى، ويهتفون: يسقط.. يسقط حكم العسكر!
أقسم لى هذا الضابط الصغير العائد من وحدته العسكرية التى تبعد عن القاهرة ما يزيد على 160 كيلومترا شرقا: لم أنم ليلة!
إذن نحن أمام حالة غريبة، أن صناع الفرقة بين الشعب وقواته المسلحة قد قطعوا شوطا لا بأس به فى طريق العداء!
قد لا نختلف أن الهتاف المرفوع بسقوط حكم العسكر هو هتاف صحيح وسليم مائة فى المائة، فمن هو «الحر» الذى يريد حكم العسكر؟! لكن الهتاف فى مصر حق يراد به باطل, طبعا نحن ضد حكم العسكر، ليس لنقص فيهم، ولكن لفروق جوهرية فى طبيعة الحياة المدنية عن الحياة العسكرية، الحياة المدنية خاصة فى «عالم السياسة» لا يمكن أن تمضى دون توازنات وتنازلات ومناورات وألاعيب وأكاذيب وضحك على الذقون وتدابير ودعاية وتحالفات وعصابات مصالح، ولهذا لا تعترف بالطاعة أو الرضوخ والصرامة حتى لو خضعت لها أحيانا، لكن الحياة العسكرية لا يصلح فيها هذا، ولا يجوز، وقد نجح قادة عسكريون عظام فى أن يكونوا حكاما عظاما كالرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور، قائد القوات الأمريكية فى الحرب العالمية الثانية، ولأمريكا نفسها أكثر من عشرين رئيسا كانوا فى الأصل عسكريين من أول جورج واشنطن قائد الجيوش الأمريكية فى حرب التحرير، وحكاياتهم موجودة ومدونة فى كتب التاريخ.
لكن لم يكن أى واحد منهم ينتمى إلى حكم العسكر، فالخلفية العسكرية لا تعنى حكم العسكر، حكم العسكر له شروط وآليات وأدوات، على غرار فرانكو حاكم إسبانيا الأسبق، قطعا.. ليس هذا دفاعا عن حكم العسكر، لكن هو محاولة للتفريق بين شعارات صحيحة ترفع لكن أغراضها خبيثة، وهى الوقيعة بين الجيش والشعب، صحيح أن المجلس العسكرى قد أخطأ فى قرارات، وقد ننتقده فى إدارة المرحلة الانتقالية للبلاد، لكن أن يدعونا البعض إلى معاداة جيشنا، فهذا أمر خطير يجب أن نحذر منه.. والأخطاء يجب أن نقف لها ونعمل جميعا على أن نصححها، ونتظاهر سلميا ونصر على تحقيق أهداف الثورة، لكن دون أن نهدم أفضل ما نملك!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة