اصطباحة عادية عشتها اليوم مع الفيس بوك كعادتى مؤخرا، لم يكسر نمطيتها سوى منشور على حائط إحدى زميلات الفيس حول زواج الدكتور عمرو حمزاوى من الفنانة المصرية بسمة أحمد سيد حسن.. وقبل أن أمد يدى لأبارك لهم صدمنى تعليق يطالب حمزاوى بنفى زواجه من فنانة ذات أصول يهودية.
أصابتنى حالة من الاندهاش الحزين وراجعت بعض المحيطين بى شفاهاً فى الأمر «وأنا معروف عنى أن مثل هذه الأمور تؤرقنى».. ما علينا... انتهت مناقشاتى بأن هناك فعلاً رفض غير مبرر من البعض لكل من يحمل جذورا يهودية، واشتباك غريب بين جرائم الصهيونية واليهود المصريين، جعلنى أعاود التفكير فى ملف الوطنية اليهودية فى مصر.
قبل حديثى عن اليهود المصريين أوضح أن بسمة هى ابنة زميلنا الصحفى الاشتراكى أحمد سيد حسن الذى شرفت بالعمل معه بجريدة الأهالى.. ولم أعرفه خائناً أو صهيونياً بل هو مصرى ابن بلد مشاكس.
اليهود المصريون يا سادة يعيشون فى مصر منذ أيام يوسف الصديق صاحب أول منصب رفيع فى مصر بعد أن عينه عزيزها أميناً على خزائنها، هم مواطنون يحملون الهوية المصرية ويدينون بديانة اليهودية حالهم مثل المصريين المسيحيين والمصريين المسلمين.. لهم مواقفهم الوطنية الجادة الحادة، وخاصة الوقوف ضد المشروع الصهيونى فى فلسطين، هم زعماء وطنيون يشرفون هذا الوطن، ومنهم يوسف درويش جد بسمة من الأم، والذى يعاير به الجهال حفيدته.
قبل أن نتكلم لابد أن نعلم ونعرف ونتعلم.. يجب أن نعلم أن يوسف درويش المولود فى 1912 هو ابن لأسرة مصرية يهودية من طائفة القرائيين، وهى طائفة تؤمن بالتوارة دون التلمود وترفض العودة لفلسطين.
عائلة مصرية عادية لها جذور وطنية وثقافية ومهنية وتجارية وفنية.. أبوه صائغ، ومن أقاربه مراد فرج محامى الخديو عباس وقت خلافه مع الإنجليز.. والموسيقار الفنان المشهور داود حسنى.. أما هو نفسه فله تاريخه النضالى فى مواجهة الصهيونية من خلال ملحمة عشق لمصر لا ينكرها سوى عنيد مغرض بصحبة رفاق مسيرة نضالية منهم الوطنيون الاشتراكيون نبيل الهلالى وميشيل كامل وغيرهما، دفعوا خلالها أجمل سنوات عمرهم وراء قضبان السجون.. وظل يناضل حتى فترة شيخوخته ضد الصهيونية وضد المستغلين وضد الأنظمة الفاسدة، ومنها نظام مبارك، فأسس بصحبة رفاقه الشرفاء حزب الشعب الاشتراكى عام 1989حتى توفى عام 2006 وهو قابض على وطنيته وعشقه لمصر كالقابض على قطعة جمر.. أهذا الذى تعايرون حفيدته به؟! رحماك!
لم يكن يوسف درويش اليهودى الوطنى الوحيد فى مصر، فقد شهدت نفس الحقبة كثيرين، منهم المحامى المصرى الوطنى اليهودى شحاتة هارون الذى ولد عام 1920 لأبوين مصريين، وكان أبوه بائعا فى محلات شيكوريل.. وكانت له مواقفه الوطنية وخاصة ضد الصهيونية وإسرائيل التى لم يعترف بها أبداً واعتقل أكثر من مرة فى السبعينيات من القرن الماضى بسبب رفضه اتفاقية كامب ديفيد، بينما كان الكثيرون ممن يعيشون بيننا الآن ويتهمون اليهود المصريين بالخيانة صامتين، ومنهم من بارك هذه الاتفاقية المشبوهة.
لم تعرقله ديانته عن الانخراط الطبيعى فى نسيج الوطن فتزوجت إحدى بناته من مسيحى كاثوليكى والأخرى من مسلم.
ومن الصعب على أبناء جيلنا نسيان أحمد صادق سعد المولود مع الثورة المصرية عام 1919 منتميا لأسرة يهودية تركية نزحت إلى مصر التى تعلم فيها أحمد صادق سعد.. وأصر على تعلم اللغة العربية بحرفيتها والانخراط فى الثقافة المصرية وربط مصيره بمصر ورفض الخروج منها، وعند اقتراب جيوش المحور من مصر عام 1942 هرب الكثيرون من اليهود خوفا من تعرضهم لمذابح جماعية إذا ما احتلت هذه الجيوش مصر، رفض أحمد صادق سعد الهروب وقرر الصمود داخل الوطن لا الفرار.
وكان أحمد صادق سعد مثقفاً شعبوياً ساهم عام 1942 فى تأسيس «جماعة الشباب للثقافة الشعبية» التى مارست النشاط – حتى عام 1945 – بين صفوف العمال فى منطقة السبتية بالقاهرة وبين صفوف الفلاحين فى منطقة ميت عقبة بالجيزة.
وكانت له إسهاماته فى تحليل الحالة الطبقية والسياسية فى مصر، وخاصة مشكلات الفلاحين، وكان دائماً رافضاً ومناهضاً للصهيونية، ورغم أنه كان منتمياً للحركة الشيوعية فإنه قدم أكبر انتقاد للجمود الستالينى، الذى كان سائداً فى الحركة الماركسية آنذاك.. وظل مدافعاً عن مصر مهموماً بمشكلات أبنائها، خاصة من الفقراء والفلاحين، وتعرض بسبب مواقفه إلى الاعتقال أكثرة من مرة. ذهب مبارك و«غار» نظامه فى داهية، ولكن آثاره مازالت باقية وفى مقدمتها الجهل وعدم المعرفة والعنصرية الدينية، وهى آثار أكثر خطورة من النظام المباركى ذاته فلنتكاتف من أجل القضاء عليها، وأخيراً تهنئة حارة لحمزاوى وبسمة المصريين.
تحجب التعليقات بناء على رغبة الكاتب ...
للتواصل مع الكاتب m.monir@Youm7.com
محمد منير يكتب: زواج بسمة وحمزاوى وملف الوطنية اليهودية فى مصر.. درويش وهارون وصادق يهود مصريون عشقوا الوطن.. رفضوا الدولة الإسرائيلية وكامب ديفيد وأيدها كثيرون
السبت، 18 فبراير 2012 12:19 ص
حمزاوى و بسمة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة