صدر مؤخرًا، عن سلسلة عالم المعرفة، التابعة للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويتى، كتاب بعنوان "الغرابة...المفهوم وتجلياته فى الأدب"، للدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة، ويقع الكتاب فى 360 صفحة من القطع المتوسط.
ويقول "عبد الحميد" فى تعريفه للغرابة، إنها ضد الألفة، نوع من القلق المقيم، حالة بين الحياة والموت، التباس بين الوعى وغياب الوعى، حضور خاص للماضى فى الحاضر، وحضور خاص للآخر فى الذات، قلق غير مستمر بين الزمان والمكان، إقامة عند التخوم، تخوم الوعى والجدان، إفاقة ليست كاملة، حالة حدودية، أو بينية، تقع بين انفعالات الخوف والرهبة والتشويق وحب الاستطلاع أو المتعة والطمأنينة والتذكر والرعب والتخيل والوحشة والالتباس والفقدان لليقين، ما زال الغموض يلف معنى الغرابة.
ويضيف: إن الغرابة نوع من الخيال، لكنه الخيال المرتبط بالخوف وانعدام الأمن والوحشة والتوجس، إنه باختصار، خيال الوحشة، وليس خيال التفاؤل والبهجة وأحلام اليقظة، وسرعة تحقيق الأمنيات فى خيال البهجة، أو ما اسميه "الخيال المضىء"، فقد نفرك مصباح علاء الدين، فيخرج المارد ويحقق المستحيلات، أما فى خيال الغرابة، أو ما اسميه "الخيال المعتم"، فإن ذلك المارد – إن خرج – سيكون مصدرًا لخوفتنا منه، بل قد يقتلنا هذا الخوف أيضًا، مجازيًا أو حتى ماديًا، وفى الحياة أنواع كثيرة من هؤلاء المردة، ويحاول الأدب والفن أن يجسدهم على أنحاء شتى.
ويوضح "عبد الحميد" أن جوهر "الغرابة" يكمن فى الحياة والفن والأدب، وفى تلك العلاقة بين الموت والحياة، وكذلك آليات فى آلية التكرار، فى انتقاء الألفة، وغياب الشعور بالأمن، وحضور الخوف فى الحياة، كل ما هو ضد الأمن غريب، وكل ما هو ضد الألفة غريب، وكل ما هو ضد الفرح غريب، والأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها أن تتحول الأشياء التى كان ينبغى النظر على أنها غريبة، إلى أشياء عادية ومألوفة، ويضرب المؤلف مثلاً على ذلك، بإحدى قصص الكاتب التشيكى "جوزيف كافكا"، تحول شخص إلى حشرة مخيفة مقززة، وكانت هذه الغرابة الأولى، غرابة المظهر الخارجى، ولم تكن هى الغرابة المقصودة فى ذلك العمل الأدبى، بل كان يكمن جوهر الغرابة فى أن أسرته قد أصبحت تتعامل مع ما حدث له على أنه شىء عادى، لقد أصبح غير المألوف الذى حدث لابنهم شيئًا مألوفًا اعتادوه، مثلما تصبح سكنى المقابر فى بعض البلدان أمرًا مألوفًا بالنسبة إلى الأحياء من البشر.
ويؤكد "شاكر" على أن "الغرابة" ليست مصطلحًا أحادى البعد، بسيط المعنى، بل إنه مصطلح متعدد الأبعاد، مركب المعانى، متنوع الدلالات، وأن من معانيه حضور الموت فى الحياة وحضور الحياة فى الموت، وظهور المألوف فى سياق غير المألوف، وظهور المألوف من الأفكار والتصورات والانفعالات القديمة التى اعتقدنا أننا تجاوزناها أو كتبناها، ظهورها الآن، فى الحاضر، فى سياق زمانى ومكانى غير مألوف لظهورها، وهذا هو المعنى الذى أطلق "فرويد" عليه مصطلح "عودة المكبوت"، ومن معانيها، ظهور غير المألوف فى سياق مألوف، وظهور أشباح الماضى وأفكاره وسلوكياته فى الحاضر وربما المستقبل، وتحول الساكن إلى متحرك، والعكس.
ويشتمل هذا الكتاب على تسعة فصول، قدمنا فى الفصل الأول منها تحديدًا لغويًا وفلسفيًا وسيكولوجيًا لمعنى الغرابة، وقارنا بينه وبين المعانى الخاصة بمفاهيم أخرى تلتبس معه أحيانًا مثل الغربة والاغتراب والتغريب وغيرها، وفى الفصل الثانى طرحنا بعض التصورات الخاصة حول تلك العلاقة الممكنة بين "عالم الأدب" – القصة القصيرة والرواية بخاصة – ومفهوم الغرابة، وركزنا فى الفصل الثالث على تلك العلاقات الموجودة بين إحساسات الخوف والفزع والرعب من الإحساسات المخيفة، وبين الإحساس بالغرابة، أما الفصل الرابع، فتم تكريسه للحديث عن مفهوم الذات وعن تطور هذه الذات – وارتقائها – نحو السواء أو نحو التفكك والاختلال والمرض، وما يصاحب هذه الحالات من مشاعر خاصة بالغرابة.
أما الفصل الخامس فيركز فيه الكاتب على الجذور الفلسفية والسيكولوجية والأدبية لفكرة الازدواج، وفى الفصل السادس فيركز على فكرة القرين أو الشبيه فى الأدب، وفى الفصل السابع فيتحدث عن روح المكان، وعن الروح المهومة فى المكان، وفى الفصل الثامن فيقدم المؤلف ترجمة لقصة "رجل الرمال" وهى من تأليف الكاتب الألمانى "أى.هوفمان" والتى قامت على أساسها أفكار "فرويد" جميعها حول "الغرابة"، وهى تلك الأفكار التى مازالت تتردد أصداؤها فى الدراسات النقدية والتحليلية والنفسية حتى الآن.
أما الفصل التاسع فخصصه الكاتب لعرض ومناقشة بعض الدراسات النقدية الحديثة التى أجريت على قصة "هوفمان" وعلى دراسة "هوفمان" حولها أيضًا، وهو ما يمكن أن يندرج تحت ما يسمى بـ"نقد النقد".
عدد الردود 0
بواسطة:
هاني سعيد
الوزير العالم والمفكر
عدد الردود 0
بواسطة:
شاكر عبد الحميد
شكرا هانى
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رفاعى
الغرابة فى الادب والفن