اليوم السابع ينعى وفاة "أنتونى شديد" كبير مراسلى النيويورك تايمز بالشرق الأوسط.. ومراسلنا يروى ذكرياته معه: كان يعشق المصريين وتعلمت منه مواجهة الموت بورقه وقلم

الجمعة، 17 فبراير 2012 04:14 م
اليوم السابع ينعى وفاة "أنتونى شديد" كبير مراسلى النيويورك تايمز بالشرق الأوسط.. ومراسلنا يروى ذكرياته معه: كان يعشق المصريين وتعلمت منه مواجهة الموت بورقه وقلم مراسل اليوم السابع مع أنتونى شديد
كتب إبراهيم بدوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"تعلمت منه كثيرا عن الدقة والجرأة والقدرة على مواجهة الموت بالورقة والقلم" إنه أنتونى شديد الأمريكى من أصل لبنانى كبير مراسلى صحيفة النيويورك تايمز، الذى وافته المنية مساء أمس الخميس بأزمة ربو أثناء تغطيته الأحداث فى سوريا، كان صحفيا يعشق التفاصيل والحديث إلى البسطاء ويراهن على مكانة مصر وقوتها ولا يخشى الموت فى مناطق الاضطرابات التى اخترقناها معا.

مرت لحظات صمت كئيبة وشريط ذكريات طويل، دمعت خلاله عيناى رغما عنى أثناء كتابة هذه الكلمات بعد سماعى خبر وفاة أنتونى عن عمر لا يتجاوز 43 عاما تاركا زوجته ندى وطفليه مالك وليلى، بعد أن فشل زميله المصور فى إنقاذه من أزمة ربو كانت تظهر أعراضها عليه أحيانا أثناء جولاتنا فى شوارع القاهرة بسبب حساسيته للأتربة.

أنتونى يعشق مصر

كان أنتونى محبا للمصريين بشكل لافت لم أكن أستوعبه أحيانا ويحب الحديث إلى البسطاء منهم ويضع المصريين فى مكانة خاصة عن كل شعوب المنطقة وعندما أقول له انك تجاملنى لأننى مصرى فكان يرد هذه ليست مجاملة إنها حقيقة أنا أشعر بارتياح كبير بين المصريين لأنهم شعب طيب، ودود، وذكى ودمه خفيف على عكس ما كنت أراه فى مناطق أخرى تتعامل معى بعنف وقسوة، خاصة حين يعرفون أنى أمريكى. ورغم الأسئلة المعتادة من المصريين للأجانب عن الصديقة والديانة، كان أنتونى يستقبلها بابتسامة ويجيب بهدوء.

التقيته فى ميدان التحرير فى الأيام الأولى للثورة ولم أكن أعرف أنه صحفى وحاولت مساعدته فى ترجمة ما يقوله الناس رغم إجادته اللغة العربية لأصوله اللبنانية، وأتذكر عندما ضحكنا سويا على لافتة "ارحل إيدى وجعتنى" كان متحمسا للثورة بشكل غير عادى، ويؤكد دائما على المكانة والثقل الكبير لمصر فى المنطقة، وما يمثله التحول بها من تغيير جذرى فى الشرق الأوسط.

لم يكن يخشى الموت

منحت تجارب أنتونى فى تغطية الحروب مناعة خاصة ضد الخوف من الموت، وكان شديد التواضع رغم حصوله على جائزة بوليتزر العالمية للصحافة الاستقصائية مرتين عن حرب العراق، ودائما ما كان يقول لى عبارة يتردد صداها الآن فى ذهنى "إننى محظوظ دائما فى العمل يا إبراهيم" فكلما التقينا أحد المصادر الهامة أو وضعنا أيدينا على خيط جديد لكشف حقيقة ما كان يقول هذه الجملة التى ربما لم تتحقق معانيها فى نهايته المؤسفة.

وكشفت جولات عديدة قمنا بها عن شخصية أنتونى المحبة للمغامرة وكشف الحقائق مهما كانت المخاطر. ولن أنسى مواقفه فى التعامل بذكاء مع المواطنين الغاضبين فى جولاتنا بإمبابة معقل الجماعات الإسلامية ومدينة الباجور بالمنوفية أو مدينة المحسوبية، كما سماها فى تقريره للنيويورك تايمز عقب سقوط مبارك.

وأخطر المواقف حين دخلنا منطقة الحرب فى رأس لانوف وكدنا نقتل على أيدى كتائب القذافى، حيث كان القصف من كل اتجاه بينما يهرول هو تجاه الجرحى والقتلى ويتصل بمكتب الجريدة بنيويورك لينقل مجازر القذافى.

عشق التفاصيل

كان أنتونى عاشقا للتفاصيل وحريصا على نقل آراء ومشاعر الناس ورصد كل ما يدور فى خلفيات الحدث دون مغالاة أو محاباة، ولديه قدرة كبيرة على ربط التفاصيل فى قصة خبرية أشبه بالرواية، وحدث ذلك بشكل بارز فى تغطيتنا من مستشفى أجدابيا فى ليبيا أو مدينة الموتى كما كانوا يسمونها لاستقبالها جرحى وقتلى المواجهات مع كتائب القذافى.

الرجل موقف

أتذكر هذا الموقف جيدا حين أصر أنتونى على العودة عقب خروجنا من مدينة رأس لانوف لإحضار زميلته المصورة لينسى من منطقة الحرب، وأمر السائق الليبى عيسى بالتوقف وسط القصف. وبعد حضورها برفقة زملاء آخرين اطمأن أنتونى وأصر على استكمال العمل وطالبنى بانتظاره فى بنى غازى حتى يعود، إلا أن المفاجأة جاءت فى اليوم التالى باختطاف أربعة من صحفيى النيويورك تايمز بينهم أنتونى!!

آخر رسالة

بعد الإفراج عن أنتونى وزملائه بوساطة تركية، حكى لى عن التعذيب والقمع الذى مارسته كتائب القذافى ضده وتهديدهم لهم بالقتل. وعدنا للعمل من جديد وبدأنا بالانتخابات البرلمانية وتوقع اكتساح الإسلاميين، ثم سافر إلى تركيا والبحرين وكانت آخر رسالة حين سألته عن أسماء زوجته وأبنائه على أن يخبرنى عند اقتراب عودته للقاهرة لإعداد هدايا لهم فأرسل الأسماء وكان سعيدا جدا.. ولكننى لم أعد الهدايا.. وهو لن يستلمها !!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة