نقلاً عن اليومى
إذا كنت واحدا من هؤلاء المواطنين الذين يسكنون واحدة من تلك القرى النائية على الحدود المصرية، فبالتأكيد أنت لم تتخلص بعد من شعور راسخ بالإهمال يلازم مواطنى تلك القرى منذ عشرات السنين، وتراكم هذا الإهمال حتى أصبح جزءا من سياسات الحكومات المتعاقبة فى الماضى، ومتوقعا من الحكومات القادمة فى المستقبل، حتى فى تلك اللحظات العصيبة بدءا من الثورة ومرورا بالمرحلة الانتقالية كان الحديث عن الحدود المصرية لا يخرج عن إطار ضبطيات تهريب السلاح أو المخدرات فلا تذكر السلوم إلا مقترنة بليبيا، وسيناء مضافا إليها إسرائيل وحلايب لا تفارق السودان، بينما تظل مدن البحر الأحمر بوابة ساحلية رائعة لكل خطر متوقع من الشرق، ومؤخرا أصبح للحدود وما يليها من بلدات ذكر آخر فى مطالبات السياسيين للقوات المسلحة بالانسحاب من الشارع والعودة للثكنات والاضطلاع بمهام حماية الحدود.
وإذا كنت ممن فازوا فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أو أحد شباب الثورة، أو سياسيا يبتغى فى نضاله وجه الوطن فعليك أن تتعلم من أخطاء السابقين وتلتفت إلى تلك المحافظات الحدودية وتدرك أن التأمل فى مشاكلها عبادة والسعى لحلها والاهتمام بها نوع من الجهاد، والحرص على تنميتها فريضة، فليس الفقر وحده هو الجرح الذى يؤلم أهلها، فهؤلاء البشر متهمون باطلا بعدم احترام القوانين، ويوصفون زورا بالانتماء للقبيلة أو العائلة بقدر انتمائهم للوطن، بينما هؤلاء الذين يشرعون القوانين وينفذونها لا يعنيهم من مشاكل تلك المحافظات إلا بقدر ما يعينهم على جمع الأصوات الانتخابية، ويتناسى أولئك الذين يشككون فى انتماءات الناس أن الجفاء بين المرء ووطنه يدفعه للهجرة حينا أو الانحراف أحيانا، أو البحث عمن يحترمه ويعوضه عن هذا الجفاء حتى ولو كان اسم قبيلة يحمله بضعة أشخاص أو عائلة يراها متماسكة أكثر من الدولة بكل مؤسساتها وقوانينها، لذلك فمن الظلم ان تنتقد مواطنا لم تمنحه عدلا ولا تنمية ولا تتذكره إلا فى خطابات السياسيين فى المناسبات الوطنية.
فمن السلوم شمالاً وحتى وادى العلاقى وحديربة جنوبًا لا تزال التعليمات الأمنية تغزو محافظات الحدود، ولا يزال الجميع يعيش تحت رحمة بقايا النظام السابق الذى لم يُبقِ سوى على أطراف دون حياة، ولم يمنح الحياة سوى لحفنة قليلة من منتفعى النظام البائد، الذى لم يتبع سوى سياسة التهميش والعزلة لأبناء تلك المناطق.
فى هذا الملف ستستمع لشهادات مليئة بالمرارة من أهالى سيناء الذين سمعوا عددا من الوعود بخطط تنمية ينافس عدد من قضوا نحبهم فداء للوطن أو جوعا من الفقر، أو كمدا من التخوين، ستعرف كيف تحولت تلك البقعة الخطيرة من أرض مصر إلى لغم تخشاه كل الحكومات عمدا أو غباء، ستكتشف أن سيناء ليست مجرد علم رفعناه على طابا، بل أصبحت كامرأة عجوز فقدت ذاكرتها بسبب إهمال ثلاثين عاما، ستعرف أيضا كيف تحولت السلوم إلى ندبة على وجه صحراء مصر الغربية من كثرة مآسيها، ومشاكلها، ستستيقن أن هذى الوجوه السمراء فى جنوب أسوان لم تفقد طيبتها، ولكنها أصبحت دون ذنب ضحية لسوء التخطيط والإدارة، ستستيقن أن مصر ليست مجرد فتاة تتمايل على ضفاف النيل، إنما هى جسد غض ملقى بين صحراوين وأطرافه وهنت حتى أصبحت تخشى عليها من البتر.
أزمات عديدة تمر بها أطراف مصر الحدودية، ترصدها «اليوم السابع» فى حملة صحفية تضم العديد من التقارير والتحقيقات التى تعالج مشاكل 6 محافظات تقع على حدود البلاد، حتى تكون على أجندة أولويات برلمان الثورة لكى يتبنى إعادة إعمار محافظات الحدود الست وهى محافظة «أسوان وشمال سيناء وجنوب سيناء والبحر الأحمر والوادى الجديد ومرسى مطروح»، ليكون الرئيس المقبل على علم بأن تلك البقاع ما لم يلتفت إليها سريعًا ستكون شوكة فى حلقه تؤرقه بين الحين والآخر لأن أبناءها ملّوا من الوعود الزائفة التى لا تتحقق.
فلكى تجنى ثورة الخامس والعشرين من يناير ثمارها، عليها أن تنظر أولا إلى هذه المحافظات التى تمثل البوابات الرئيسية للبلاد، وعليها أيضا أن تقتلع جذور الفساد الذى عشش فيها قرابة الثلاثة عقود، ولا يحتاج إلا أن يشعر مسؤولو النظام الحالى بأهمية أن تصبح حدودنا أقوى وأهم.
البحر الأحمر.. وجهان متناقضان وثروة منسيّة
هموم المحافظات المنسية.. السلوم لا نذكرها إلا مقترنة بليبيا.. وسيناء مضافا إليها إسرائيل.. وحلايب لا تفارق السودان.. نظام مبارك قرر بتر «أطراف الدولة» الملاصقة لجيراننا فماتت الحياة فيها
الخميس، 16 فبراير 2012 08:39 ص