اقترحت الكاتبة ضحى عاصى فتح صناديق النذور الموجودة فى أضرحة الأولياء، وقراءة الرسائل التى يضعها المصريون فى هذه الصناديق، والتى تحمل فى طياتها شكاواهم، وتعد دليل إدانة واضحًا وقويًا لنظام حكم المخلوع "مبارك" خلال الثلاثين عامًا، وأدرك أصحاب هذه الرسائل أن القضاء لن يعتد بها كمستند فى محاكمة "مبارك"؛ فأرسلوها إلى المحكمة الباطنية التى لا تغفل ولا تُشترى ولا تُسيس، متسائلة: "لماذا يقتصر القضاء فى محاكمته على المخلوع وأعوانه بما يقدم إليه من أوراق، أليس من الواجب أن يتم العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى يقول فيه "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن راعيته".
وأوضحت ضحى عاصى، خلال حفل توقيع كتابها "محاكمة مبارك بشهادة السيدة نفيسة" الصادر عن نهضة مصر، مساء أمس الأربعاء، بمركز "شبابيك"، أن كتابها كان نواة لمشروع رسالة ماجستير عن دراسة اجتماعية أنثروبولوجية، كان الهدف منها رصد التغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى من خلال قراءة الرسائل التى يضعها الناس فى أضرحة الأولياء، سواءً كانت تغيرات فى الوعى أو الاحتياجات أو طبيعة المشكلات، وذلك عن طريق دراسة مقارنة بين ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى التى جمعها الدكتور سيد عويس فى كتابه المنشور عام 1965، وبين الرسائل المرسلة للسيدة نفيسة عام 2008، فى عصر ثورة التكنولوجيا والاتصالات، مشيرةً إلى أن هذه الدراسة التى تضمن 38 رسالة من المصريين، من شأنها أن توضح لنا التغيرات التى طرأت على المصريين خلال خمسين عامًا، حملت فى طياتها مدى الوعى والإدراك الثقافى والدينى والأوضاع الاجتماعية والسياسية.
وأشارت "عاصى" إلى أن ما دعاها لاستخراج أوراق هذه الدراسة، ونشرها فى كتاب، أنه خلال متابعتها لجلسات محاكمة المخلوع، اندهشت من قيام المحكمة بمنع المحامين من سؤال المشير محمد حسين طنطاوى خلال الإدلاء بشهادته، فتساءلت: ماذا يحدث إذا طلب محامو المدعين بالحق المدنى شهادة السيدة نفيسة فى محاكمة "مبارك"؟ هل ستكون المحاكمة سرية أو علنية؟، وهل سيحرس العسكر الشاهدة، ويمنع المحامى من استجوابها؟، وهل ستأخذ المحكمة بشهادة السيدة نفيسة عن جرائم مبارك فى حق شعبه؟ أم أنها ستكون شهادة فقط يسجلها التاريخ عن شعبٍ وصل به الفقر والإهمال والتجاهل إلى حد أن يصنع خطاباً رسميًا يطلب فيه العلاج على نفقة الدولة فى صندوق النذور حتى تشفع له السيدة نفيسة فى تحريك الطلب والحصول على موافقة وزير الصحة.
وأكد الدكتور محمود الضبع، الذى أدار الندوة، على أن ما قدمته "ضحى عاصى" هو ما نحتاجه الآن، من قراءة تحليلية للوثائق بصورة معلوماتية، وليس مختزلة فى معلومة دالة على زمنها، موضحًا أنه ليس من المهم أن نركز على ما يكتبه التاريخ، لأنه يكتب فى بعض الأحيان لصالح الأنظمة السياسية، ولكن الأهم هو أن نقرأ الوثائق بصورة معلوماتية.