م. عبد الله الدمياطى يكتب: ثقافة الإضراب

الأربعاء، 15 فبراير 2012 07:44 ص
م. عبد الله الدمياطى يكتب: ثقافة الإضراب صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الـمؤكد أن الإضراب حق مشروع لجميع فئات الـمواطنين يمارسونه بحكمة وانضباط فى مواجهة أى مس خطير بحقوقهم، حين لا يستطيعون وقف هذا الـمس أو رفعه عنهم بالحوار مع الـمسئولين عنه، أو الـمتسببين به إن ثقافة الإضراب فى هذا الـمعنى ضرورية غير أنها تتهالك فجأة، وتخرج من إطار الضرورة إلى الضرر لتصبح على الفور، شكلاً من أشكال ثقافة الفوضى أنا لا أجادل فى حق المواطنين والعمال فى الدفاع عن حقوقهم، وممارسة كافة الحقوق المكفولة لهم من قبل القانون فى المطالبة بهذه الحقوق، لكن ما العمل حين تصطدم المطالبة بهذه الحقوق مع حقوق طبقات وشرائح أخرى من المجتمع؟ ما العمل حين تصبح المطالبة بهذه الحقوق مجرد تعطيل لمصالح المواطنين وإضرار متعمد بهم من ما العمل حين تعطى هذه الإضرابات ذريعة لمن يريد أن يعبث بأمن هذا البلد واستقراره؟ ما العمل حين يحدث تصادما بين فئات الشعب، وهذا واقع لا محالة الاصطدام بين حق وحق، حق فى الإضراب، وحق المواطن فى الاستفادة من المرافق العامة المكفولة له أيضًا بكل القوانين.

أن هذه الثقافة (ثقافة الإضراب) بكل أهميتها فى تفعيل الوعى الوطنى كانت ترتبط بالـماضى الاستعمارى الـمباشر والـمسيطر على كل شىء، فكانت ثقافة "عدم الدفع" التى كانت تعنى عدم دفع الضرائب للعدو على اعتبار أنه الـمغتصب للوطن بكل خيراته وثرواته والسارق لحقوق الـمواطنين بكل أنواعها ومع أن "عدم الدفع" هذا كان غير وافر الدقة فى الوعى الشعبى، إلا أنه اعتبر فى مجمله شكلا من أشكال التخفيف عن كاهل الـمواطنين الـمثقلين بالفقر والبطالة، وارتبط الإضراب فى ذهنيتنا العامة بمحاربة الاستعمار أو المحتل، وكان هذا من مظاهر الفعل الوطنى وهى رؤية كانت صحيحة فى وقتها وظروفها، فهل يعقل أن تكون صحيحة الآن؟

هذا الكلام ينطبق على ما تشهده مصر هذه الأيام من دعاوى إضراب ومهما كانت المسوغات والأسباب التى دفعت هؤلاء إلى الإضراب، ومهما كانت شرعية الإضراب فلا شك أن الآثار السلبية والخسائر المترتبة على هذا الأمر تفوق بمراحل ما قد يترتب عليه من المصالح والمنافع المحدودة، فمصر حاليًا فى أشد الحاجة للبناء والتعمير لا للإضراب والانقطاع عن العمل وهناك قاعدة إسلامية تنص على أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وبالتالى فإن كل ما يؤدى لتعطيل الإنتاج وتأخير مصالح الناس يدخل من باب تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وهذا منهى عنه ومحرم شرعًا، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضرار"، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "دعوا الناس يرزقون بعضهم من بعض"، وفى هذا الحديث نستكشف أن الإسلام يحث على استمرار الإنتاج حتى يستفيد الناس ويتحقق الربح للجميع.

وكما قلت إن المطالبة بالحقوق مشروعه لكن لا يجوز أن يؤثر ذلك على مصالح الناس فإيقاف السكك الحديدية، والمواصلات، وإيقاف العمل فى المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس، والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة (ضرائب - فواتير الكهرباء والمياه والغاز) حرام لا يقبله اى دين فهذا كله من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بما يؤدى إلى المزيد من الفوضى، ولن يتضرر منه إلا الفقراء والمعدومون، فضلا عن أنه سيؤدى إلى المزيد من الانهيار الاقتصادى وتعطيل مصالح الناس وتعرض حياتهم للخطر وهناك الكثير من المحتاجين الذين لا يجدون قوت يومهم ويحتاجون لكسب يومهم وفيهم المرضى الذين يحتاجون للعلاج فى المستشفيات.

لا شك أننا أمام مرحلة صعبة تمر بها مصر، فنحن أمام دوامة يستحيل على أى وطنى مخلص أو غيور أن يتحمل استمرارها فما نكاد نخرج من بئر دماء إلا وتنزلق أقدامنا طوعا أو كرها إلى بئر آخر، ومن المؤكد أن هناك من لا يريدون لمصر أن تستمر فى مرحلة إعادة البناء لا يريدون استقرارا أمنيا ولا سياسيا ولا مجلس شعب ولا شورى أنهم يريدون مصر الفوضى، وعلى كل الأطراف تحمل المسئولية الكاملة فى الحفاظ على أمن واستقرار هذا البلد، سواء من الأفراد والمواطنين الذين يجب عليهم أن يغلبوا المصلحة العامة لمصر، إن ما نراه من نيران مشتعلة فى بعض الدول كانت بدايتها من مستصغر الشرر، ولا شك أن الشرر كَثُر وتطاير فى أماكن متفرقة وينذر بخطر كبير، فعلى الشرفاء والمخلصين إدراك الأمور قبل فوات الأوان لأن سوء استخدام الحقوق المشروعة والحرية المكفولة يؤدى فى النهاية إلى الفوضى ووقتها لا ينفع الندم.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة