""يا لها من مهمة صعبة، على المحاولة وإن باءت بالفشل، لا يمكن حتى أن أتحرك، الألم يعتصرنى، النتيجة لن تكون مُرضيه، شىء ما يقيدنى، وأى شىء يكون مُعبرا أو منصفاً ها هنا؟!""
تلك عبارات مقتضبة من حديث مرير يدور بين عقلى وقلبى عندما يُلح على وجدانى بالكتابة عنها كلما أتذكرها، وإن كنت لا أقوى على نسيانها، فالحديث لا يرى لطريقه نهاية أبدا، كناظر إلى السماء الواسعة يتعقب أطرافها، فيتوه فى رحابها، وينسى ما ذهب بخياله إلى هناك، فيعود ليقنع نفسه أن ثمة تأمل تقليدى هو ما دفعه أن يفعل، ويمصمص شفتاه ماضيا إلى حال سبيله، مُجبرا عقله على الانصياع.
تلك حسرات وإرهاصات، لا أجد لصدها سبيلا، تقفز بداخلى بلا استئذان، تتوحد مع كل خلايا جسدى، فتحاصرنى وتحصرنى، وأبحث عن مهرب، فلا أجد سوى ممر صغير، أهرع إليه فى قلق، وما أن أبلغ نهايته، حتى أجدنى فى نقطة بدايته من جديد.
صورتها لا تفارق عينى، صوتها لا يفارق أذنى، أخلد إلى النوم على ذكراها بالليل، وأصحو باكيا لحديث معها لم يعد موجودا فى الصباح، رغبة جامحة تجتاحنى فى الكتابة عن مشاعرها الغامرة، وتضحياتها الخالدة، وعطائها الوفير، وطلعتها البهيٌة، ونظرتها العطوفة، وجلستها النديٌة، فإذا بالحوار أعلاه بين قلب مضطرب وعقل عاجز يضع العربة أمام الحصان، وتنتهى المسألة.
"ربنا يبعد عنك ولاد الحرام" عبارة طاهرة لا يمكن أن تجد لأذنيك سبيلا سوى عبر شفتيها الكريميتن، إنها "الأم" أغلى الكلمات على الإطلاق بين مفردات اللغة قاطبة، رابطا لا يعلم سره سوى خالقه، ذلك الذى يبنى جسرا من العشق والإيثار والاستعداد لكل تضحية بين ذلك الكيان الأسطورى من جهة، والأبناء من جهة أخرى.
حينما يأتيك خبر وفاتها، تراها متجسدة أمامك، بنظرتها فى اللقاء وفى الوداع، بدعائها فى اليسر وفى العسر، بابتسامتها فى الفرح وفى الحزن، بلمستها فى الرضى وفى الغضب، بصوتها فى الصحة والمرض، بدمعة تنزل على خدها، فتحرق قلبك، وتتوقف كل جوارحك عن العمل، وكأن جبلا ثقيلا سقط عليك من علٍ، أو أن ليلا موحشا أرخى سدوله بين يديك، تصرخ باكيا، عارى الصدر، والنار تمزق أحشائك، فلا تقوى حتى على التنفس، تنظر فلا ترى، وتسمع فلا تفهم، وتفكر فلا تعقل، ويبقى تساؤل مفزع لن يفارقك قبل أن تفارقه أنت: "ألن أراها مرة أخرى؟!، هل ما حدث كان حقيقة وليس خيالا؟!".
لله ما أخد، وله ما أعطى، خلق كل شىء بقدر، وما نحن إلا تروس ضئيلة فى عجلة الحياة الضخمة، نتحرك بإرادتنا أو مُجبرين، يُكمل أحدنا، ويسقط الآخر، لتستمر دورة الحياة، كما شاء لها الخالق أن تستمر، إلا أن حماية وأمانا وحصنا حصينا تضيع ملامحه وتجد نفسك وحيدا فى مهب الريح.
يبقى فى الموت أملا بإدراك الأحياء أن حياتهم فانية لا محالة، وأن حسابا آت لكل ما يفعلون لا محالة، ربما يعطى غنينا فقيرنا، ويعطف صغيرنا على كبيرنا، ويتواضع مسئولنا مع من سيُسئلُ عنهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح محمود طنطا
قلب محروق
عدد الردود 0
بواسطة:
داليا القصاص
رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
ميادة عبد الفتاح
أمى
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل حاكم عثمان
رثاء الام
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالحميد يسري
مفييييييييييش
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالحميد يسري
مش مبين
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو منعم الشطوي
اتركيني للبكاء وللجروح !!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
نعمة
ربنا يوفقك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد جمال محمد
متعدد المواهب
عدد الردود 0
بواسطة:
سامر
رائع فعلا
روعه