مازلت أذكر يوم قرر عمدة بلدنا منذ زمن ليس بالقريب أن يتبنى "الشحات"..ابن أحد فلاحى قريتنا.. ليكون بمثابة الابن الأكبر له.. لا أدرى لماذا اختاره هو تحديدا؟ دون أولاد كثيرين.. لكن يبدو أنه توسم فيه الإخلاص... وصدق حدسه مع الأيام.. إذ أن "الشحات " سرعان ما سيطر على الخفراء والأعيان والمشايخ.. .. وأذاقهم جميعا مالم يسمعوا به فى تاريخ من سبقوهم.. بل وتدخل فى أدق تفاصيل حياتهم.. تحت ادعاء تأمين حياة العمدة من حرافيش القرية.. المتطلعين إلى مشاركته فى تسيير أمور القرية.
وبقدر ما أبدى تميزا فى عمله.. بقدر ما أغدق عليه العمدة من مميزات..حتى أنه على مدار العشرين عاما أو يزيد..أصبح "الشحات" شريكا للعمدة فى كل شركاته وممتلكاته.. لكنه رغم ذلك.. .. ظل محتفظا للعمدة بمكانة خاصة لديه.. مكانة أقرب لمكانة السيد للعبد.. أو لمكانة ولى النعم.. كان إخلاصه للعمدة واضحا وباديا للعيان... غير أن الأمور أبت أن تسير على منوالها المعتا..إذ تصحو القرية فجأة على انتفاضة للحرافيش.. انتفاضة يسوقها ويدفعها غل تراكم عبرسنوات طوال.. غل أضحى غليانا.. .بدت مظاهره على الحرافيش.. . فما باتوا يهابون العمدة.. .. ولا بات يرهبهم "الشحات".. ... وبقلق بالغ يلتفت العمدة إلى "الشحات"..الذى يدرك على الفور أن ماتشهده القرية تلك المرة يختلف تماما عما شهدته فى أى مرات سابقة.. وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا.. وأن الزخم البادى.. . والطوفان المتدفق.. والوجوه المتحجرة.. والحناجر الزاعقة.. باتت تحتاج إلى ماهو أبعد من الشدة والحزم المعتاد.. . لكن من أين يأتى بذلك.. وهو يعلم يقينا أن الخفراء الذين سامهم العذاب على مر السنين.. .. لن يلبوا نداءه إلى ماهو أبعد من الشدة والحزم المعتاد.. لذا حزم أمره بعيدا.. أنا ثم من بعدى يأتى الطوفان.. .. أما العمدة.. . فليتولاه الله.. . هكذا أسر لنفسه.. . ثم أضاف.. كنت أتمنى لو لم أتخل عنه.. لكن من يدرى .. ربما استطعت أن أهيئ من الظروف مايمكننى من استعاده تلك الأيام الخوالى.. كم كانت أياما جميلة... ثم استدار ليرحب بالحرافيش.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة