أحمد ماهر

ثورة شاملة

الثلاثاء، 14 فبراير 2012 03:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الثورة ليست مجرد تغيير للنظام السياسى والقواعد الإدارية فقط، ولكن يجب إحداث ثورة اجتماعية وفكرية أيضاً فى مجتمع يعانى من مشكلات عديدة، ناتجة عن تتابع الأنظمة المستبدة منذ ما يقرب منذ 60 عاماً من الحكم.

لو راجعنا تاريخ مصر الحديث، ونظرنا إلى فترة ما قبل 1952 التى كان بها تعدد سياسى وفكرى حقيقى، وكان هناك احترام حقيقى للاختلاف، وتنافس سياسى نظيف وإثراء فكرى كبير، وفى تلك الفترات كان هناك رموز وقامات فى كل المجالات: الثقافية والأدبية والسياسية والعلمية، وكان للأزهر دور وطنى ودينى، وهو المحافظة على الهوية المصرية وحائط الصد أمام أى محاولات للاختراق الثقافى أو الفكرى.

منذ عدة عقود كان من فى السلطة، يعمل على مشروع رئيسى لتدعيم حكمه، وهو مشروع الإخصاء السياسى والفكرى والأخلاقى، استخدم الإعلام والتعليم والأجهزة الأمنية لنشر أفكار وثقافة وسلوك جديد للمصريين، المنفعة الخاصة مقدمة على المنفعة العامة.. اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش، لو لقيت ناس بتعبد تور إنزل حش له، أمثلة وثقافة جديدة تم زرعها فى المصريين أدت إلى انتشار الفساد.

نشأت فى السنوات السابقة طبقة من المستفيدين، وطبقة من المنافقين، وطبقه من المطبلين لكل من فى السلطه، أصبح الفساد منتشرا فى كل القطاعات، وأصبح هو أساس التعامل فى المجتمع. من نتائج عملية تدمير الأخلاق والثقافة والنخوة المصرية، كما رأينا أثناء الثورة قطاعات عريضة، تنادى بقتل الثورة، وإبقاء مبارك فى السلطة من أجل الاستقرار، حتى لو كان استقرار الموتى، واستقرار الفاسدين، رأينا لجانا شعبية تساعد فى حماية مصر من اللصوص والفوضى، لتظهر المعدن الحقيقى للمصريين، وتعاونهم فى أوقات الشدة، ورأينا أيضاً من يشارك فى اللجان الشعبية ويمارس نفس السلوك السادى لضباط الشرطة فى كمائن ما قبل الثورة. رأينا من لايزال متمسكاً بنقائه الثورى ونضاله وحماسه الذى استمر مشتعلاً لسنوات طويلة قبل الثورة، وأيضاً هناك من يحاول التسلق والظهور على حساب الآخرين، وهناك من يريد أن يبدأ النضال ويرفض تحكيم العقل، أى نضال ضد أى هدف. لايزال هناك من يرغب فى عبادة أى سلطة والدفاع عن كل من فى الحكم، اللى فى السلطة بيقول على الثوار خونة وعملاء يبقوا خونة وعملاء، مش مهم يعنى إيه عملاء، ومش مهم إن مفيش دليل حقيقى على الاتهام، ومش مهم إن العلاقات الاستراتيجية مع الأمريكان والإسرائيليين بتبقى أصلا مع اللى فى السلطة واللى فى الحكم مش مع الثوار.
كانوا قبل الثورة يقدسون مبارك ويحلفون بديمقراطية الحزب الوطنى، إنه عالورق اسمه ديمقراطى، والآن أصبح مبارك مجرما لأنه خلاص فى السجن، والثورة زى الفل، وطالما دلوقتى أحزاب الأغلبية هى أحزاب دينية، يبقى نربى دقننا وننضم لأحزابهم.
لست محبطاً ولا متشائماً، ولكنى متفائل، ومتأكد إن الثورة تحتاج لوقت طويل لتغيير النظام السياسى، وتفكيك النظام القديم، وشبكات النفاق والفساد والمصالح، ومتفائل إنه فى يوم من الأيام سوف تنتهى أخلاقيات وسلوك الأنظمة المستبدة، وستعود الثقافة، ثقافة الحوار، وثقافة الاختلاف، والثقافة بكل معانيها، وتفضيل المصلحة العامة للبلد على مجرد أكل لقمة عيش، ستعود النخوة مرة أخرى، ورفض الظلم والحرب على الفساد. ستعود مصر مرة أخرى لمكانتها، وستعود مصر هى مصنع المبدعين والعباقرة فى العالم كله، وسنرى المنافسة من أجل الإبداع ونهضة الوطن. نحتاج لثورة فكرية واجتماعية ونفسية وثقافية بالتوازى مع التغيير السياسى، وهذا يحتاج لمجهود ضخم من الباحثين والعلماء والدعاة والشيوخ والأطباء النفسيين والمحللين والكتاب والحركات السياسية والأحزاب. نحتاج لثورة شاملة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة