يفشل كثير من المصريين أن يجدوا فى قرارة أنفسهم تعريفاً جامعاً مانعاً للعلاقة بين القاهرة وواشنطن، فـ"الخفى" منها للبسطاء من الناس أكثر من الظاهر، بينما تفخر النخبة والمثقفون والسياسيون بأنهم أكثر فهماً لنوعية العلاقة، ولكن لا يجتمع اثنان منهم أبداً على تعريف واحد لها، لأنها سواء فيما يحسبونه فهماً أو تراكماً لمعلومات سابقة عما بين البلدين، وقد انتقلت تلك المعضلة من العلاقة السياسية إلى الرابط الاقتصادى بين البلدين، فحتى عتاة الاقتصاديين ينتابهم نوع من عدم الفهم، حينما يُطلب منهم تحويل الأرقام إلى قواعد سياسية، وليس العكس كما اعتادوا، وينسحب هذا على أسلوب الإدارة الأمريكية نفسها، فالرئيس أوباما يصطحب معه ممثلين عن كبار الشركات، حينما يكون فى زيارة خارجية، لكنه لا يفعل هذا مع مصر، لأنه يعلم جيداً أن ثمة كثيرين فى هذا البلد يتهافتون على التوكيلات الأمريكية، خاصة فى فترات الود، حينما لا يسرب السياسيون المصريون أخباراً عن تفاخرهم بالقطيعة مع العم سام رفضاً للإملاءات!.
وبالحديث عن القطيعة، فإن ثمة ما يثير النفس من الحشد الحاصل فى قضية التمويلات الخارجية لبعض منظمات المجتمع المدنى، والمتهمة بتلقى 1.7 مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية، مما سيضاعف من ترسيخ انطباعات التآمر والعمالة لدى الشارع المصرى، ولعل هذا سيشفى غليل البعض بأن حدسهم صدق تجاه "الشيطان الأعظم"، لكن الجانب الأكبر من القلق جاء من نصيب الاقتصاديين الذين يعرفون القطيعة مع واشنطن لا تقف عند مجرد أرقام تنخفض فى المعونة الاقتصادية، بلغت 2مليار دولار فى عام 1982 وانخفضت تدريجياً على مدى السنوات الماضية لتصل الآن إلى 250 مليون دولار، إذن فهى لن تضار بشكل مباشر، لكن ستمتد لتضييق اقتصادى وتأثر مباشر لمصالح المستثمرين بين البلدين، حيث يقترب التبادل التجارى بين البلدين أيضاً من 2 مليار دولار سنوياً بخلاف "الكويز"، التى قال عنها وزير التجارة محمود عيسى إنها مكنت مصر من تصدير ما يوازى 1.3 مليار دولار سنويا، أضف إليها مخاوف من تراجع الولايات المتحدة عن قرارها بعودة نظام "GSB"، والذى يعفى ما يزيد عن 3000 منتج مصدر لأمريكا من الجمارك.
ورغم كل المخاوف، "سياسيا واقتصاديا"، من استخدام الإدارة الأمريكية لأحد تلك الأسلحة، إلا أنها لم تلوح بأى منها، بل وخرجت تأكيدات رسمية عديدة لترفض أى اقتراح بتخفيض المعونة، فنحن أمام أسلحة تتآكل أو ربما عفا عليها الزمن، لكننا على يقين أن الشيطان الأكبر لا ينسى ثأره.. فأين الخطر إذن؟.
سيكون من حسن طالعنا أن يكون هذا التساؤل حاضراً فى أذهان القائمين على إدارة شئون الحكم، والذين هم بطبيعة الأمر يقودون المعركة ضد التمويلات الأجنبية، لأن ثمة إصبعاً خارجياً تستطيع الولايات المتحدة أن تحركه بسهولة للضغط على النظام فى مصر، دون أن تواجه أى اتهام مباشر بالانتقام من مداهمة المنظمات، فيجب على المسئولين ألا يتجاهلوا البعثات المكوكية لوفود البنك الدولى من أجل منح مصر مليار دولار للإصلاح الاقتصادى العاجل، ومن قبلهم بعثة صندوق النقد الدولى فيما يخص قرض 3.2 مليار دولار، وكلاهما يماطل تارة بحجة عدم الاستقرار السياسى، ويغرى تارة باقتراب منح الأرقام السابقة، والإيهام بقرب انتهاء التفاوض، وتتبقى اللحظة الحاسمة فى علم الغيب، وهو ما يحمل تأويلاً بأن النفوذ الأمريكى داخل البنك والصندوق يعمل على قدم وساق لكى تمتد المفاوضات بامتداد الشد والجذب فى مسألة التمويلات الأجنبية، حيث إن الولايات المتحدة تساهم بنسبة 20% من رأس مال هاتين المؤسستين، ولها حق الفيتو على أى قرار تتخذه إحداهما، فما الذى يمنعها إذن، وهى ترى تنازلاً مصرياً ولو ضئيلاً فى مبدأ الاقتراض الخارجى، بعد أن كانت حماسة ما بعد الثورة ترفع شعار عدم اللجوء للخارج، والولايات المتحدة هنا تشبه الساحر الذى يخرج حيله واحدة تلو الأخرى، وهو يعلم أن إحداها ستنجح حتماً، لكن هذه السياسة تثبت أن من كان ينفع قديماً من أسلحة اقتصادية ليس بالضرورة يظل صالحاً، فبعضها يتآكل وبعضها علاه الصدأ والقليل منها مازال يحتفظ بحدته وبريقه.
الرئيس الأمريكى باراك أوباما
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سناري
صحيح
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmoud
كلام سليم ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
ملازم أول
المنافس وليس التابع......
عدد الردود 0
بواسطة:
خلاد
الشعراوى
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد محمد محمود
الحاجة ام الاختراع
عدد الردود 0
بواسطة:
ramy
صاحب التعليق رقم 4
عايز اقولك اصلى يا شعراوى والمثل لخص وجاب من الاخر
عدد الردود 0
بواسطة:
avatar
علاقة المستبدون في مصر بامريكا