لا للعصيان المدنى

تأتى الدعوة للعصيان المدنى والمفترض أن يتم تنفيذه اليوم فى التوقيت الخاطئ، فجرح بورسعيد لم يندمل بعد، ولا تتحمل مصر فتح جروح أخرى قد تأتى من استثمار ظرف العصيان، لنجد أنفسنا أمام كارثة أخرى، وإذا كانت مسؤولية الكوارث السابقة ملقاة على المجلس العسكرى باعتباره الجهة التى تحكم، فليس من الحكمة والكياسة أن تتم تهيئة الظروف من جديد لوقوع كوارث أخرى تروح فيها أرواح بلا ذنب.

تحتاج مصر إلى العمل فى كل دقيقة، أكثر مما تحتاج إلى العصيان، فلا عمل موجود حتى يتم العصيان عنه، والفواتير المالية المستحقة للدولة، التى تنادى الأطراف الداعية للعصيان بالامتناع عن دفعها، هى فى حقيقتها ستذهب إلى خزينة الدولة التى هى ملك للمصريين جميعا وليست ملكا للمجلس العسكرى ولا الحكومة، وإذا كان المطلوب بديهيا دفعها لأنها مستحقة لخزينة المطلوب منها أن توفر احتياجات الشعب، فليس من المنطقى أن تمتد دعوة الامتناع تحت باب العصيان ليس يوما واحدا فقط، وإنما أربعون يوما متصلة وفقا لما ذكرته أطراف داعية للعصيان.

تأتى الدعوة للعصيان دون هدف جمعى حقيقى وكبير، يلتف حوله المصريون تمسكا بوجوب تنفيذه، ويقودنا ذلك إلى ضرورة الانتباه إلى أن هذا الأمر قد يزيد من عزلة الأطراف الداعية إليه رغم ما تحمله من ثورية، وفى المقابل تصب فى صالح قوى الإسلام السياسى التى يعارضها ثوريون، فهذه القوى تعبر فى هذا الموقف عما يراه بسطاء المصريين.

فى أحاديث أسباب الدعوة للعصيان، أنه لابد من إجبار المجلس العسكرى على تسليم السلطة، بينما تم تحديد يوم 10 مارس موعدا لفتح باب الترشح للرئاسة، وهو ما يعطى مبررا لنزع الغطاء الشعبى عن «العصيان»، كما أنه يطرح سؤالا: هل من الصحيح دفع ضريبة جديدة من الخسائر لتنفيذ هذا الهدف، فى حين أنه يفصلنا عن الترشح أقل من شهر، وعن استلام مهام المنصب أربعة شهور؟

ومن الطبيعى أن انتخاب رئيس سيتبعه حكومة جديدة ونبض جديد فى تشكيلات هياكل الدولة القيادية، أى أن الرئيس القادم ستكون أمامه مهمة التطهير، وسيكون أيضا أمامه مهمة كبرى أخرى هى تنفيذ برنامج «العدالة الاجتماعية» التى سيحصل على أصوات الناخبين بسببها، وبالتالى فإن القول بالعصيان المدنى لتحقيق تلك الأهداف هو تسرع فى غير موضعه.