أرى أن هناك مجموعة خطوط فاصلة تقف بين مصر المستقبل المشرق وبين ماضيها من الاستبداد والتخلف والفقر.
يكمن الخط الأول فى تفكيك منظومة الفساد الاقتصادى فى مصر على أسس إنتاجية والخروج من إطار منظومة الرأسمالية الفاسدة التى تتمحور فى مجموعة رجال أعمال فاسدين تحميهم أطر حازمة من البيروقراطية وسوء الإدارة، وهو ما جعل هذه القلة تتحكم لفترات طويلة فى الموارد العمومية للدولة وممتلكات الفقراء وحقوق الشعب، بالإضافة إلى حجم هائل من التهريب التجارى والقطاعات الاستثمارية والقانونية غير المهيكلة وأخيرا تهريب الثروات إلى الخارج تحت شعار "الاستثمار".
ولعل ما نسعى إليه بعد الثورة هو فك الارتباط بين السلطة والثورة واحتفاظ الدولة لمواردها الطبيعية وإقامة مجتمع اقتصادى على مبدأ الشفافية يكون فيه متسع لنمو وازدهار بنية اقتصادية تسمح بتوفير أنشطة تجارية وصناعية متطورة وقادرة على المنافسة لامتصاص البطالة ومحاربة الفقر وتوفير السيولة اللازمة للدولة لتنمية وحل مشاكلها المزمنة فى التعليم والصحة والسكن والبيئة.
يكمن الخط الفاصل الثانى فى إقرار التعددية فى المشاركة السياسية وأحداث تعاون ملموس بين كل التيارات والأحزاب الديمقراطية العاملة فى المجتمع على اختلاف مرجعياتها والعمل على تقريب المصالح والمنافع والأولويات وتوحيد السياسات العامة والهدف هو الوصول إلى أقصى درجات الحيوية المجتمعية والاتفاق على مبدأ حرية الاختيار وإزالة الاحتقان السياسى ويكفينا ما عنيناه من أساليب الإقصاء والاستئصال السابقة.
يجب أن نعى جيدا أن نفرات الحماس لابد أن تتحول إلى طاقات من العمل والإنتاج، ويجب أن نفهم أن الاندماج السياسى والاقتصادى أمر لا مفر منه للخروج من الأزمة إذ أن أى تغيير سياسى مهما اتسم بأعلى درجات الديمقراطية والثورية والتأسيس الدستورى ولم يجد نفعا فى تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتوفير النمو الاقتصادى الذى يعود بالنفع على المواطن البسيط فى تفاصيل حياته اليومية من مأكل وملبس وحقه فى الترفيه لن يحل الأزمة، لم تعد هناك مساحات للبيانات والأرقام التى تشير إلى التقدم بلا حقائق ملموسة على أرض الواقع.
آلية تداول السلطة وديمقراطية القرار وحكم الإسلاميين هى أركان الاستقرار من وجهة نظرى.
ولن يطول حكم الإسلاميين أو غيرهم طالما لم يتحقق الخير العام والتصالح الاجتماعى بين السياسة والمجتمع من أجل تحقيق التنمية الشاملة التى تلبى طموحات المصريين فى تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية لتكون هى الحد الفاصل بين ظلام الماضى ونور المستقبل.
يأتى الخط الفاصل الثالث فى تعامل الإعلام مع المجتمع الذى يجب أن يفهم أن إعادة بناء العلاقات بين كل مؤسسات الدولة التنظيمية السياسية والمدنية على أسس البناء والعمل والإنتاج والعمل المشترك هى لغة الحوار السائد بين الإعلام والمجتمع ويجب أن يسعى هذا الحوار إلى فتح قنوات التواصل مع جميع الأطراف دون الوصول إلى خط الاصطدام بهدف تطمين النفوس وإرساء دعائم الاستقرار واستعادة روح بناء المجتمع والابتعاد عن الانشقاقات الفكرية والخطاب الخلافى بين التيارات الفكرية الليبرالية والاشتراكية والإسلامية إذ أن الصالح العام يتطلب إعلاما له رؤية بديلة للمجتمع تعتمد على الإبداع فى تناول القضايا الفكرية والتمييز بين الواقع والعقلانية وبين الإسهاب والتمادى فيما لا نفع فيه.
الخط الفاصل الرابع هو "استقلال مؤسسات الدولة" إذ أن جميع المؤسسات والسلطات السيادية مثل الجيش والشرطة والقضاء والخارجية والمؤسسة التشريعية يجب أن تتحمل مسئوليتها فى اتخاذ قراراتها لصالح الشأن العام وأن تصدر هذه القرارات بعيدا عن أى تكتلات داخلية لها أهداف مناوئة لتتحد جميعها فى محاربة الفساد بكل أشكاله ومساعدة الديناميكية الاجتماعية الساعية إلى تحقيق التنمية الشاملة والاستقرار الاجتماعى آخذة فى الاعتبار أن تغيير العملية السياسية الراهنة هو المدخل التاريخى للإصلاح.
يجب أن تدرك تلك المؤسسات أن الأحداث الداخلية المؤسفة مصدرها فاعلون محليون وخارجيون وإن اختلفت أهدافهم ووسائلهم إلا أن أولوياتهم موحدة وهو ما لا يجعل أمامها متسعا من الوقت أو بدائل وخيارات متعددة، بل أصبح لا مجال سوى إتاحة الفرصة للحكام الجدد لتولى المسئولية والإسراع فى تثبيت أركان الحكم دون الدخول فى نقاشات فلسفية أو انتظار تيارات صاعدة.
الخط الفاصل الخامس والأخير هو أن يعى الشعب المصرى أنه قائد هذه المرحلة وهو إما الفائز أو الخاسر الوحيد وعليه إدارة الحياة العامة للبلاد وتشكيل خطوط الدفاع ضد الفاعلين المحليين والخارجيين وتأمين الوطن من الانزلاقات من خلال تشكيل سلوك سياسى ناضج يحقق السلام والأمن الاجتماعى، وأن المرحلة الحالية ليس لصراع الأيديولوجيات وإنما للم شمل الوطن وتحقيق الانتماء والتضامن بين الحكومة والمجتمع بين الأفراد والمؤسسات من أجل محاربة الاستبداد وإرساء دعائم الاستقرار والرخاء لتحقيق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية وإعادة روح الأمة التى تقودها مصرنا الحبيبة وأنه لا مناص لتحقيق ذلك سوى بالديمقراطية الفاعلة المحفزة على الإنتاج والعمل لأنها إن لم تكن كذلك فلا خير فيها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة