نبيل عمر

اللعب على المكشوف!

السبت، 11 فبراير 2012 03:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاءتنى رسالة على بريدى الإلكترونى تحرضنى على العصيان المدنى بنعومة ودهاء بالغين، فالعصيان فى عرف كاتبها هو آخر الطرق السلمية المتاحة للحفاظ على جيش مصر من مخططات المجلس العسكرى بصناعة صدام بين الشعب والشعب، والشعب والجيش، «ولن نسمح بهذا أبدا، ومشاركتك فى العصيان هى للحفاظ على وحدة المصريين وحقنا لدماء إخوتك فى الدين والوطن»!
هذا بعض ما فيها من كلام كثير على نفس الشاكلة والمنطق والنهج.. وقرأت الرسالة مرة ومرتين وعشرة، وفى كل مرة أحاول أن أقنع نفسى بالأسباب التى أوردها، أو على الأقل أمررها والسلام، فالدنيا فوضى ومضطربة وصاخبة، فكيف يفوتنى أن ألعب دورا وأنال نصيبا فى «الثورة» حتى لا أخرج من المولد بلا حمص، وفعلا كلما اقتربت من باب النجاح فإذا بخلايا عقلى تصدر صفيرا حادا، تعقبها إشارات حمراء تتقاطر على عينى من الداخل معلنة «حالة عصيان عقلى»، فتتجمد خلاياه عن التفكير والنطق والاستقبال والإرسال.. يعنى غيبوبة مؤقتة!
شككت فى الأمر، وقلت ربما الرسالة بها فيروس «غامض» مدسوس بين حروفها، يتسرب إلى عقل قارئها، ويضرب مكوناته فـ«يهنج»، وسألت نفسى: هل يمكن أن يكون المجلس العسكرى وراء المؤامرة؟!
طبعا..ممكن جدا، فهو عنده خبراء إلكترونيون على أعلى مستوى، وفى مقدورهم صناعة فيروس جديد يضرب «عقل البشر» مباشرة دون المرور على برامج الكمبيوتر، حتى يصعب اكتشافه أو فضح خط سيره! وهنا وقعت فى معضلة كبرى: هل أشارك فى العصيان نكاية فى العسكرى وأثبت له أن «مخططاته» لن تنجح، وأحمى منه مصر، بالشلل التام فى كل مرافق الحياة، حتى أحافظ عليها من الفتنة؟
لكن عقلى لم يستسغ كلمات: عصيان مدنى وحماية الجيش والحفاظ على وحدة المصريين. فى جملة واحدة..طيب.. لا يهم.
وسألت نفسى: وما الهدف من العصيان؟!
الإجابة سهلة للغاية: يسقط يسقط حكم العسكر!
ونظم الحكم فى العالم كله تسقط بطريقيتين: إما سلميا بصندوق الانتخابات، أو عنفا بثورة شعبية، فهل نحن فشلنا فى إسقاط حكم العسكر بالصندوق ولم يبق أمامنا إلا الثورة الثانية؟ قطعا نعم..لأن العسكر لا يأتون إلى الحكم بصندوق الانتخابات، بل على جنازير الدبابات ومدافعها، فكيف يغادرون السلطة سلميا دون ثورة منا؟
لكن الأوضاع فى مصر غير ذلك، فالعسكر جاءوا إلى الحكم سلميا، أيدوا الثورة، واستجابوا لشعار الناس: الجيش والشعب إيد واحدة، ولأن الشعب ليس مؤسسة، فكان من الطبيعى أن مؤسسة العسكر هى التى تتولى السلطة بصفتها شريكا للشعب فى نجاح الثورة،وهنا يبرز السؤال الأهم: وهل هذه الشراكة تمنح المجلس العسكرى فرصة الانفراد بالسلطة أو احتكارها، خاصة أنه وقع فى عدد هائل من الأخطاء فى إدارة المرحلة الانتقالية؟!
بالطبع، لا..لم يعد مقبولا ولا جائزا ولا مسموحا بأى احتكار للسلطة فى مصر، والانتخابات الرئاسية على الأبواب.. يعنى نحن نتحدث عن شهرين ثلاثة على الأكثر، وما قيمة شهرين ثلاثة فى عمر دولة وشعب؟!
باختصار المسألة أكثر تعقيدا من الشعارات المرفوعة، فلا توجد رؤية شاملة لمصر المستقبل، الرؤية الوحيدة العاملة فى الساحة هى «الفوضى والتشرذم»، ونجاحها راجع إلى كونها «مستوردة»، وتتمتع بكل المواصفات القياسية للسلع الغربية، وينفذها وكلاء محليون شطار يعملون فى الساحة من سبع سنوات تقريبا، ارتبط بهم «مندوبو تسويق» فى كل محافظات مصر، مكونين شبكة توزيع كبرى فى مصر الآن! وهؤلاء الوكلاء الفوضويون لهم مطلب وحيد: رحيل العسكر فورا وتسليم السلطة.
طيب.. قولوا لنا: لمن؟!.. حتى نفهم ونلعب معا على المكشوف، من غير حكاية العصيان المدنى الذى من أجل حماية جيش مصر والحفاظ على وحدة المصريين!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة