محفوظ عبدالرحمن

بورسعيد.. حبيبتى!

الجمعة، 10 فبراير 2012 07:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا فتشت فى قلبك فلن تجد ما فيه أو من فيه قد جلس فجأة.. وهكذا كانت بورسعيد.. قبل عام 1956 كانت اسمًا مبهمًا، ثم تحددت عندما عرفنا أنها كانت البداية التى تسعى دول العدوان الثلاثى «بريطانيا - فرنسا - إسرائيل» الدخول عبرها إلى مصر، وتدمير قرار تأميم قناة السويس، أردكنا آنئذ أنها البوابة الشرقية لمصر. عبرها تأتى قوى الغزو، وأيضا تخرج قوات مصر لتدافع عنها.

أسرعنا إلى الحرس الوطنى لنتدرب على حمل السلاح، ولكن التدريب كان بطيئا والعدوان كان سريعا، فانسحبنا وقررنا أن نذهب إلى الجبهة بأنفسنا. وجدنا - غالبا صدفة - من أتى لنا بعربة نقل لتأخذنا إلى بورسعيد. وانضم إلينا - أيضا صدفة - ضابط سابق فى الجيش إذ كان اسمه إبراهيم المانسترلى فأنا مازلت أحتفظ بذاكرة قوية، والثانى أحمد لطفى السيد وعرفنا أنه ابن أخت أحمد لطفى باشا السيد، وقيل إنه كان ضابطا فى الجيش الأجنبى الفرنسى والقوات الأجنبية فى الجيش الفرنسى كانت مفتوحة لأى شخص قادر على القتال مهما كانت جنسيته، ولم يكن يطلب منه أى مسوغات للتعيين، بما فى ذلك إثبات شخصيته. وقيل إن الشاب لطفى السيد صُدم عندما أخذوه لحرب الجزائريين، فتمرد وهرب. وفيما بعد عرفت أنه حاول إنشاء حزب فرعونى الثقافة والهوى والبرنامج.

وحملتنا العربة فى الطريق إلى بورسعيد، وأظن أننا كنا العربة الوحيدة فى هذا الاتجاه، فلقد كانت العربات كلها فى الاتجاه المضاد. وعندما وصلنا إلى الشرقية، وعلى وجه التحديد عند قرية اسمها «طويحر» أوقفتنا قوات مدنية مصرية. ودخلنا فى نقاش طويل انتهى بموعد فى المساء مع شخص مسؤول.

وفى المساء أتوا بسيارات حملتنا إلى بيت قابلنا فيه شخصا عرفنا فيما بعد أنه كمال رفعت الذى كان أحد رجال جمال عبدالناصر. ويبدو أنه فى هذا الوقت كان مسؤولا عن المخابرات. وفيما بعد كان وزيرا للعمل ثم نائبا للوزراء.

ودارت مناقشة حادة بيننا وبينه. فلقد كنا نريد الذهاب إلى بورسعيد لنقاتل. وبمودة شديدة سألنا: بأى سلاح ستقاتلون؟! وكان لبعضنا سؤالا غريبا، ففى تلك الفترة كانت حروب العصابات بدأت تنتشر. ولما رآنا كمال رفعت مازلنا مصممين. قال: على أى حال نستطيع أن نمدكم بالسلاح، ولكن هل تعرفون كيفية استخدامه؟!
أجبت بثقة: نعم! ونظر إلىّ مبتسما ثم أشار إلى أحدهم الذى أتى بمدفع «كلاشينكوف». وقال لى: أرنى كيف تستخدمه ولم أكن قد رأيت «الكلاشينكوف» من قبل. كنت قد رأيت البنادق الإنجليزية والألمانية والإيطالية التى كانت مستخدمة فى الحرب العالمية.

وأبدى كمال رفعت بعض الرضا رغم تعثرى، وسأل من يقف إلى جوارى فهاب فكرة التجربة. وعندئذ قال لنا: نحن نحتاجكم كمقاتلين وليس كشهداء.. تدربوا على القتال حتى تحسنوه، وعندئذ لكم كل الحرية فيما تفعلون.

وأقمنا فى طويحر فترة نتدرب على الأسلحة والقتال. وأحاول أن أتذكر أسماء من كانوا هناك.

بعضهم قفز إلى الذاكرة فورا، وبعضهم راوغ وبعضهم ضاع من الذاكرة. كان منهم الدكتور محمد عمارة الداعية الإسلامى وكان طالبا فى كلية دار العلوم ومصطفى الحسينى الكاتب الصحفى الكبير الذى فقدناه منذ أسابيع، وكان طالبا فى كلية الحقوق، وفاروق عبدالقادر الناقد الأدبى الشهير «وكان طالبا فى كلية الآداب» وقد أصيب بطلقة فى يده أثناء التدريب، وغالب هلسا الكاتب الأردنى الذى عاش معظم عمره فى مصر «وكان طالبا بالجامعة الأمريكية» وفيليب جلاب أول رئيس لتحرير جريدة الأهالى، وأظن أنه كان تخرج فى كلية الآداب، وعبدالملك خليل مراسل الأهرام الشهير فى موسكو فيما بعد «وكان مازال طالبا بكلية الآداب وفى نفس الوقت كان قياديا عماليا»، والدكتور لطفى فطيم وكان مازال طالبا بكلية الآداب، وجمال غالى «الذى كان طالبا بكلية العلوم»، وأحمد الجندى الذى قابلته فيما بعد مخرجا بالتليفزيون.

ومن المدهش أنه كانت هناك فتيات مقاتلات أذكر منهن نانا سالم «ابنة الممثل الشهير أحمد سالم» وفتحية العسال، وأميمة أبوالنصر، وعايدة ثابت.

قضينا فترة تدريب مكثفة ثم انتقلنا إلى «الكنال»، ولكننا جميعا كنا نحلم بالوصول إلى بورسعيد. وكانت بمقاومتها الباسلة قد أوقفت القوات المعتدية، ودفعت ثمنا غاليا من أرواح أبنائها ودمائهم، وكنا نبتكر المهام لنذهب إلى بورسعيد التى كانت تحت الحصار، ومع ذلك دخلها وخرج منها أبطال فى مهمات كثيرة.

وظللت لفترات طويلة أحس بالخجل لأننى لم أتسلل إلى المدينة والمشاركة فى قتال أعدائها، وصار اسم بورسعيد ينافس ستالينجراد، وهى المدينة التى أوقفت تقدم قوات هتلر الهائلة وأشارت إلى هزيمة النازية.

وعندما عدت إلى الدراسة لم أكن قد رأيت بورسعيد بعد، كنت فقط رأيتها عن بعد، ومع ذلك أحببت هذه المدينة البطلة، التى نسجت قصص بطولات بقى بعضها وقتل زمن التجريف معظمها.

وجاءت أنظمة تحاول نفاق المدينة فتحولها إلى مدينة حرة، ثم تسلب منها الحرية، ودخلت بورسعيد فى زمن مبارك خانة الأعداء إذ اقترب منه أحد المواطنين ليقدم له شكوى فأطلق رجال أمنه الرصاص على الرجل، وصوّر فى وسائل الإعلام على أنه قام بمحاولة اغتيال الرئيس، وهكذا أضيفت بورسعيد إلى السويس.

كنت فى السويس ذات مرة، وكان هناك خبر أن مبارك سيزورها قريبا، واستبعد الجميع هذه الزيارة. الأمر الذى أثار دهشتى فقالوا لى: مبارك يكره السويس! وفعلا لم يدخل المدينة، وحكى لنا فريد شوقى أن الرئيس عبدالناصر استدعاه، وطلب منه أن يفكر فى عمل فيلم عن بورسعيد. وفعلا قام بإنتاج وتمثيل فيلم باسم «بورسعيد». سألته: هل ساعدك ماديا؟ نفى ذلك بشدة، وعرفت بعض أبطال بورسعيد، عرفت محمد مهران عثمان الذى كان فى الثامنة عشرة أيام العدوان، وأخذته القوات البريطانية أسيرا ونزعوا عينيه لينقلوهما إلى ضابط إنجليزى أصيب فى عينيه، واختطفه بعدها رجال كمال رفعت، ونقلوه إلى مستشفى بالقاهرة حيث زاره جمال عبدالناصر، ثم عينه مديرا للمتحف الحربى فى بورسعيد.

وزغرد قلبى بمقاومة بورسعيد فكتبت للتليفزيون «بوابة الحلوانى» وكتبت للسينما «ناصر 56» لكن للأسف المؤشر كان يتراجع. هناك قوى حاولت إعادة تمثال ديلسبس بعد أن أسقطه شعب بورسعيد، وذلك مقابل معونة فرنسية لا تزيد كثيرا عن نصف مليون جنيه!
وتطوع عميد شرطة بإعادة تمثال الملك فؤاد إلى بورفؤاد!
ووقفت ضد المحاولتين لسبب بسيط أننى أحببت المدينة الباسلة، ووصل حبى إلى أننى قررت أن أعيش فيها. وفعلا حاولت ذلك لثلاثة أعوام، ومازال حنينى إليها شديدا.

ولهذا كله لا أصدق من يكذب على مدينتى ويدعى أنها صاحبة العنف الكريه.

ابحثوا عن المستفيد.. بالتأكيد ليس النادى المصرى الذى خرج بنتيجة لم يكن يحلم بها.. ابحثوا عن أصحاب الأسلوب.

وأنا لا أعرف سوى التتار الذين كانوا يقتلون بكسر الأعناق، أو اسألوا أى مخبر سيقول لكم من فعل هذه الجريمة. لا تسألوا اللواءات، فهم لا يعرفون.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

eman

allah yefta7 3aleek

عدد الردود 0

بواسطة:

كمال الشامي

بل هى حبيبة الكل ...

عدد الردود 0

بواسطة:

ناصر

....................................وستبقى بور سعيد المدينة الباسلة

عدد الردود 0

بواسطة:

علي عبد الحليم

لــيــــــس بالأمـــجـــــاد نـــــدافـــــــع عــــن باطـــــــــــــــــــل

عدد الردود 0

بواسطة:

مصراوى

رقم 4

bravooooooooo, you are right 100%

عدد الردود 0

بواسطة:

حمدى

لكى الله يا بورسعيد الحبيبة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد السيد رزق

اليوم السابع

عدد الردود 0

بواسطة:

محمدعلى

الى صاحب التعليق رقم 4

عدد الردود 0

بواسطة:

صلاح السعدنى

ذكريات لا محل لها من الإعراب

عدد الردود 0

بواسطة:

ناصر ( أهلاوى ولست من بور سعيد)

ابحثوا عن المسفيد ..تعرفوا من المجرم ..لن يتوقف الدم الا اذا ..........

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة