د. على السلمى

خطاب الفرصة الضائعة!

الأحد، 09 ديسمبر 2012 05:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اشتعلت موجة الغضب الشعبى منذ لحظة صدور الإعلان «غير الدستورى» الذى حصن به رئيس الجمهورية ما صدر عنه من إعلانات دستورية وقوانين وقرارات وما سيصدر عنه مستقبلاً إلى أن ينتهى العمل بذلك الإعلان بعد إقرار الدستور الجديد، كذلك حصن رئيس الجمهورية مجلس الشورى والجمعية الـتأسيسية للدستور ضد احتمالات صدور أحكام ببطلانهما، فضلاً عن تمكينه منفرداً باتخاذ أى قرارات أو إجراءات إذا رأى أن هناك ما يهدد أمن الوطن وسلامة المواطنين.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين انتظرت جموع المواطنين الثائرين فى ميادين التحرير المصرية أن يستجيب الرئيس إلى مطلبهم الوحيد -فى ذلك الوقت- بإلغاء الإعلان «غير الدستورى»، وعلى العكس فإن الرئيس لم يكتف بعدم الاستجابة لهذا المطلب، بل وأثار مزيداً من الغضب بإعلانه دعوة المواطنين إلى الاستفتاء على مشروع الدستور الذى أنجزته الجمعية التأسيسية المرفوضة شعبياً والمطعون عليها قضائياً، رافضاً بذلك كل المطالب التى أعلنتها جماهير الثورة والقوى السياسية الوطنية بإعادة تشكيلها، وضارباً عرض الحائط بتعهده بعدم طرح مشروع الدستور للاستفتاء من دون أن يتم التوافق الوطنى عليه.

وكانت موقعة اعتداء ميليشيات الإخوان المسلمين على المتظاهرين السلميين أمام قصر «الاتحادية» مساء الخامس من ديسمبر 2012 هى التى أدت إلى وصول الغضب الشعبى العارم إلى قمته ضد الإخوان المسلمين والرئيس المنتخب، وأدت بالتالى إلى ارتفاع سقف المطالب الشعبية لتصل إلى المناداة بالمطلب الأساسى للثورة «أن الشعب يريد إسقاط النظام»، ومطالبة الرئيس بالرحيل!

ومما زاد فى الاحتقان الشعبى وفجر مزيداً من الغضب الجماهيرى، ذلك الخطاب الذى ألقاه الرئيس متأخراً كثيراً، والذى لجأ كاتبوه إلى استخدام المقولات المعتادة فى خطابات الرئيس المخلوع بالإشارة إلى معلومات واتهامات غير موثقة تشير إلى مؤامرات تحاك ضد الشرعية واجتماعات تتم فى مكتب أحد الذين اتهموا فى جريمة موقعة الجمل بهدف التآمر لإشاعة الفوضى فى البلاد، بل وصل الأمر إلى اتهام رموز المعارضة الوطنية بأنهم يستخدمون ويمولون أشخاصاً من بين المتهمين بجرائم الاعتداء على المتظاهرين يوم موقعة «الاتحادية» محاولاً بذلك إلصاق تهمة العدوان على «الفلول وبقايا النظام السابق» وعناصر تابعة للقوى السياسية الوطنية، مبرئاً بذلك عناصر الميليشيات الإخوانية ومؤكدا أنهم هم المعتدى عليهم!! والسؤال الذى يحق للشعب الحصول على إجابته من الرئيس هو لماذا لم يبلغ الرئيس النائب العام بما لديه من معلومات وطلب التحقيق فيها؟

وعاد الخطاب الرئاسى إلى ترديد نغمة «الحديث المجهل عن الطرف الثالث كما حدث فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وأحداث مجلس الوزراء، ولم يتمكن أحد من أن يصل إلى هذا الطرف الثالث» والسؤال المهم هو: هل حاول الرئيس وأجهزته الأمنية والمخابراتية الكشف عن هذا الطرف الثالث، وهل تمكن من معرفته؟

ويعتبر ذلك الخطاب الرئاسى محاولة غير موفقة وغير مقبولة من جماهير الشعب الثائر لتحويل الأنظار عن الموجة الثانية لثورة 25 يناير، ومن ذلك ادعاء أن تظاهر الثوار أمام «الاتحادية» مساء الثلاثاء 4 ديسمبر هو مساو لجريمة الاعتداء عليهم بواسطة جحافل الإخوان فى اليوم التالى زاعماً أن الثوار قد «اعتدوا على سيارات رئاسة الجمهورية وأصيب سائق إحداها إصابات جسيمة ولا يزال نزيل المستشفى بسبب ذلك»!

ولم يتطرق الخطاب الرئاسى ولو بكلمة إلى ما قام به أعضاء جماعة الإخوان المسلمون من اعتداء على هيبة القانون والشرعية بحصارهم المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من الدخول إليها وعدم تمكينهم من عقد جلسة المحكمة وقطعوا الطريق، وهذا ما قرر الرئيس أنه «لا يمكن أن يكون أبدا.. تظاهرا سلميا مقبولا إنما ذلك مشوب بما نرى ورأينا من عنف من البعض اندس ولن يفلت هذا من العقاب» فكيف قبله الرئيس فى حالة الاعتداء على المحكمة الدستورية العليا؟

وتضمن خطاب الرئيس اعترافاً مهماً بأنه «أراد من هذا الإعلان إنهاء المرحلة الانتقالية والوصول إلى الاستفتاء على الدستور»!!! وقد تعهد الرئيس بأن الإعلان الدستورى محل الاعتراض الشعبى سيتم إلغاؤه وجميع آثاره بعد الاستفتاء على مشروع الدستور سواء كان تصويت الشعب بالموافقة أو الرفض، والحقيقة أن هذا التعهد يحتاج إلى توضيح وتأكيد من الرئيس فى ضوء أن المادة الأخيرة رقم 236 من مشروع الدستور وإن كانت تنص على إلغاء جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ 11 فبراير 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور، إلا أنها نصت على «يبقى نافذاً ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة»!

وأخيراً كانت دعوة الرئيس للحوار الشامل المنتج وجهها إلى القوى والفعاليات السياسية والقانونية للتوصل إلى اتفاق جامع وموحد للأمة للخروج به «من ضيق الفرقة إلى رحاب الاختلاف»، ولكن تلك الدعوة مشكوك فى جدواها وإمكانيات تفعيلها حيث صادر الرئيس على المطلوب من ذلك الحوار حين حصر نقاط الحوار المقترح فى أمور لا تتصل بأسباب الغضب الشعبى، إنما هو يحاول تغييب المتحاورين وإشغالهم بقضايا هامشية وذلك بالقياس إلى المطالب المحورية للثوار، مثال ذلك اقتراح الاتفاق على خارطة طريق أو طرح نظام الانتخاب فى الانتخابات القادمة كمادة للحوار، إذ إن الرئيس يتجاهل حقيقة أن مشروع الدستور الذى دعا المواطنين إلى الاستفتاء عليه قد حسم هذا الموضوع بالمادة 231 فى فصل الأحكام الانتقالية «بأن تكون الانتخابات التشريعية التالية لتاريخ العمل بالدستور بواقع ثلثى المقاعد لنظام القائمة، والثلث للنظام الفردى، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما»!
الخلاصة، أنه لا بديل عن الانصياع لكلمة الثوار ومطالبهم أولاً، ثم يكون الحوار الوطنى بعد ذلك وفقاً لقواعد ومحاور والتزام بعرض نتيجته على استفتاء شعبى حقيقى يشرف عليه قضاة مصر العظام ويتم تحت رقابة دولية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة