أبوبكر عبّاد باذيب

الاستقطاب والانقسام بين صنعاء والقاهرة!!

الأحد، 09 ديسمبر 2012 08:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى 21 مارس 2011 قسم أقوى جنرالات اليمن اللواء على محسن الأحمر ظهر الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح ونظامه بانشقاقه عنه، لتتحول مجريات مشهد التغيير فى اليمن إلى سيناريو دراماتيكى سيطرت عليه القوى التقليدية العتيقة من رجال العسكر والقبيلة التى ساهمت فى طول مدة بقاء نظام صالح فى الحكم على مدى ثلاثة وثلاثين عاما وفى فساد حكمه أيضاً.

بقدر إيجابية القضاء على مشروع التوريث فى اليمن والقضاء على جدلية الرجل الأوحد الخارق، بعد أحداث التغيير، التى يحلو للبعض تسميتها ثورة والبعض الأخر يراها أزمة، إلا ان سلبية الاستقطاب والانقسام الذى سيطر على الشارع اليمنى بكل أطيافه الشبابية والنسائية والدينية والقبلية ومن قبلها السياسية كان له الأثر السلبى الكبير فى الحياة الاجتماعية للمواطن اليمنى، ومازال.

هذا التشظى والاستقطاب الذى عاشوه اليمنيون مبكرا سيطر فيما بعد على التسوية السياسية التى حالت دون دخول اليمن فى ما هو ابعد من النفق المظلم، كما سيطر على تشكيل حكومة الوفاق اليمنية، وعلى توزيع المناصب العسكرية وقيادات الدولة المختلفة، وأيضاً يبدو انه سيسيطر على السلك الدبلوماسي، فكل شى أصبح فى اليمن وفق المحاصصة لطرفى الأزمة الموقعين على المبادرة الخليجية.

الشاهد أن المراقب للشارع المصرى يدرك أن جوهر النجاح الباهر لثورة 25 يناير أنها وحدت الشعب المصرى بكافة أطيافه وانتماءاته الحزبية والسياسية والدينية أمام النظام السابق بكل سلبياته، وأصبح نعت أى شخصية بالفلول كفيل بالقضاء على مستقبله السياسى أو الإعلامى أو حتى الفنى، وعندما أدرك بعض السياسيين فى مصر عودة التعاطف النسبى مع بعض قيادات النظام السابق سعت إلى تمرير قانون العزل لمنعهم أولا من خوض الانتخابات البرلمانية، ومن ثم خوض انتخابات الرئاسة إلا أنهم فشلوا فى ذلك، وكان الأجدر لمن سعوا لذلك، أن يدركوا أن الأخطاء التى ترتكب باسم الثورة وباسم الدين ستكون نتيجتها الحتمية التوجه للطرف الآخر بكل سلبياته، ولهذا حصل أحد رجال الرئيس السابق مبارك ورئيس وزراءه الأخير على نسبة عالية فى انتخابات الرئاسة اقتربت وكادت تتفوق على نسبة الرئيس مرسى .. ومن واقع مشاهدتى عن قرب للشارع اليمنى والمصرى أخرج بالملاحظات التالية:

- فى اليمن رفضت الأطراف السياسية دعوات حوار التسوية السياسية بحجج كثيرة ومبررات أكثر، وكانت دماء اليمنيين وقتلاهم فى تزايد يومى، ولولا الضغط الدولى على أطراف الأزمة وخصوصا على الرئيس السابق ما كانت الأمور وصلت للتهدئة ولتسوية حققت الحد الأدنى من المطالب الثورية، وأخشى على رافضى الحوار فى مصر تكرير هذه المعاناة، التى يتحمل مسئوليتها الطرفين القائم على الدولة والمعارض له.

- فى اليمن قسمت صنعاء إلى نصفين ما بين مناطق نفوذ صالح وعسكره وميادين أنصاره فى ميدان التحرير وساحة السبعين، وما بين ساحة وشوارع معارضيه وشباب التغيير المؤيدين لهم فى شوارع جامعة صنعاء وشارع الستين المحاذيتين لمعسكر اللواء المنشق عن الرئيس صالح، وللعلم لم يكن يفصل بين الجبهتين سوى بضع كيلومترات، وهو ذاته ما يجرى الآن فى القاهرة، فمعارضو الرئيس مرسى يسيطرون على ميدان التحرير والشوارع المحيطة بالاتحادية، والمؤيدون يتنقلون بين ميدان نهضة مصر ومزاحمة المعارضين بل ومواجهتهم بمحيط الاتحادية، وغيرها من الميادين الأخرى جوار رابعة العدوية وجوار مدينة الإنتاج الإعلامى.

- قد يرى البعض أن ملامح الاستقطاب فى مصر بدأت بعد سقوط نظام مبارك مباشرة مع استفتاء مارس 2011 التى انقسمت فيه الآراء والاستقطاب بين (نعم و لا)، هذا صحيح، ولكن حالة الاستقطاب والانقسام الحالى، قسم المزاج السياسى والاجتماعى بتطرف أكبر، وما لم يتم استيعابها بحكمة ستفضى لما لا يحمد عقباه!

- فى اليمن طال استعراض المليونيات وأيام الجمع وتعددت أسماؤها على مدى أسابيع طويلة كان المعارضين يستعرضون حشودهم، وكان صالح يستجدى أنصاره عبر المال والنفوذ واستغلال المسكرات.

- ما يميز التجربة فى اليمن أن الإخوان المسلمين ممثلين فى (حزب التجمع اليمنى للإصلاح) حافظوا على تحالفهم الإستراتيجى مع قوى سياسية اشتراكية وقومية وقوى سياسية ومستقلة أخرى هى أقل تأثيرا منهم، وشكل هذا التحالف تأثيراً سياسياً قوياً خصوصا مع تحالفه مع المنشقين من العسكر ومشايخ القبائل والدين، فى مصر فقد الإخوان كل تحالفاتهم مع القوى الأخرى واكتفوا بإرادتهم أو بغيرها بتحالف الإسلاميين وأحزابهم المعتدلة والمتطرفة.

- ما يميز مصر عن اليمن أن قواتها المسلحة تدرك الولاء للوطن من خلال وحدة صفها وتنظيمها المهنى والعسكرى وضبطتها لقواتها المسلحة تحت قيادة واحدة تؤكد فى كل تصريحاتها على أن الولاء ليس للأفراد وإنما هو للوطن وللشعب، وفى اليمن انقسم الجيش وفق أهواء قيادته التى ادعى الطرف المحسوب على صالح أنه حامى الشرعية الدستورية، وادعى الطرف الآخر انه حامى الشرعية الثورية، مع أن الطرفين معا تبادلا انتهاك الوطن فى تحالفات طويلة.

- ما يسيطر الآن على الشارع فى صنعاء وفى القاهرة حالة من التطرف فى الاستقطاب، فمن ليس معى سيكون بالضرورة عدوى أو خصمى، فأنت كافر إن لم تكن معى، وأنت إرهابى متطرف إن لم تؤيدنى.

- هى وجهات نظر فى النهاية يسعى كل طرف لتبرير نفسه وإقناع أنصاره والتأثير عليهم، قابلة للنقض والنفى أو التصديق بالمنطق والإقناع أو بالعواطف، فلا أحد يستطيع أن يقول إن حرق مقرات حزب الحرية والعدالة والتعدى على بعض قياداته معارضة سلمية، كما أنه لا يمكن أن يصدق أحد أن حشد الإخوان لأنصاره للتظاهر قرب الاتحادية لم يكن يسعى إلى مواجهات دامية.

فى اليمن أدرك فرقاء السياسية المتصارعين على السلطة أن الاستمرار فى مواجهات تسفك الدماء وتزهق الأرواح وتنهى على ما تبقى من اقتصاد يمنى هش وبنية تحتية فقيرة لا جدوى منها والشعب كله مسلحة ومستعد لمواجهات طويلة، فاتجهوا إلى تسويتهم السياسية، ومازالوا يجاهدون، على صعوبة ذلك، للوصول إلى مؤتمر الحوار الوطنى الذى يضم كافة قوى اليمن السياسية والشبابية فى الداخل والخارج، لأنهم أدركوا بقناعاتهم أو بالضغط الإقليمى والدولى أنه لابد من الحوار الذى لابد أن يفضى إلى حلول لمشاكل اليمن فى الجنوب وفى شمال الشمال وغيرها من القضايا الشائكة مثل هيكلة الجيش اليمنى والاتفاق على شكل الدولة وصياغة الدستور الجديد وصولا إلى إجراء انتخابات عامة.

مما لاشك فيه أن الشارع اليمنى يتأثر بشكل مباشر وصريح بما يجرى فى الشارع المصرى، فشباب التغيير والسياسيين فى صنعاء كانت أعينهم على ميدان التحرير فى القاهرة، وما أن تنحى مبارك حتى انتفض الشباب اليمنى لطى صفحات حكم الرئيس صالح، وهذا ما تم باختلاف الآليات.

ويبدو أن ما يواجهه الإخوان المسلمون فى مصر وتونس سيكون له تداعياته بشكل مباشر أو غير مباشر على الشارع اليمنى إما عاجلاً من خلال تظاهرات أو احتجاجات أو آجلاً فى أقرب انتخابات برلمانية أو محلية، وما قد يؤخر هذا أن الإخوان المسلمين فى اليمن مازالوا حريصين على التحالفات السياسية إما فى إطار تحالفهم الإستراتيجى الطويل مع "أحزاب اللقاء المشترك" أو من خلال توافقهم الحالى مع حزب المؤتمر الشعبى العام الذى مازال يرأسه الرئيس السابق على عبد الله صالح فى أطار التسوية السياسية التى تجمع الأحزاب الأكثر تأثيرا فى الشارع اليمنى.

فالإخوان المسلمون فى اليمن ليسوا فى فوهة المدفع كما هم فى مصر وتونس، ويرى محللون أن ذلك يمثل تقدماً فى فكر وسياسية إخوان اليمن.

• كاتب وصحفى يمنى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة