الخلاف فى الرأى سنة من سنن الحياة فى الكون حتى فى وجود الأنبياء بين الخلق جميعا فلم نجد البشر أجمعوا على رسالة سماوية فى حياة الرسل أنفسهم.
والخلاف أنواع فمنه خلاف الشقاق والعناد والكبر كالخلاف القائم حاليا فى مصر حول وثيقة الدستور والاستفتاء عليها، والخلاف الغائب عنا المطلوب حاليا هو خلاف الرحمة خلاف الاتفاق على الأصول والاختلاف فى كيفية الوصول لهدف واحد هو الحفاظ على وطن.
فلابد أن نتفق جميعا أن مصر وطن الجميع وأنها ليست حكرا على جماعة أو طائفة، وأن هناك فرقا شاسعا بين حق النظام الحاكم كسلطة تنفيذيه فى الطريقة التى يدير بها الدولة وفقا لبرنامجه المعلن ويتحمل المسئولية بموجب انتخابه بإرادة شعبية لمدة زمنية محددة وبين حقه المطلق فى وضع نظام دائم للدولة بكل ما فيها من مؤيد ومعارض بموجب انتخابه.
لأن هذا الحق لا يعطى أبدا لنظام حاكم فى فترة انتقالية بعد ثورة ناصعة قام بها جموع وأطياف الشعب المختلفة ولم يقم بها هذا النظام وحده، ليستخدمه فى إرساء قواعد ثابتة دائمة ليبسط يده على كل مفاصل الدولة وكأن الشعب قام بثورته ليبدل نظام حكم شمولى مستبد جسم على قلب الشعب عقود طويلة، ليأتى بنظام حكم آخر شمولى، ولكن فى ثوب جديد وهذه هى الخطيئة الكبرى، لأن من لم يتعلم من أخطاء الماضى لن يستفيد فى بناء المستقبل .
المشهد الحالى يقول إن مصر فى مفترق طرق بها أغلبية حاكمة تسير فى طريق الاستبداد السياسى لا تقتنع إلا برأيها ولا تناقش الآخر ولا تحتويه بل الأخطر من ذلك أنها تدعم سريعا صناعة فرعون آخر فى كرسى الحكم بتأييد كل قرار دون مناقشة والضغط على كافة الفئات المعارضة، فلا تترك لها منفذا للقاء أو التقاء بل تتجاهلها وتنزع عنها ثوب الوطنية والشرف وتتهمها بالخيانة والعمالة وتنقص من قدرها وقدراتها.
كما أن المعارضة نفسها مستبدة بآرائها ولا تريد أن تصل لنقطة التقاء كأن التصعيد الدائم المستمر هو الحل اعتمادا على محاولة تكرار تجربة خلع النظام السابق، بينما الظروف تختلف كليا عما سبق ولا يجب المقارنة بين النظام السابق والحالى وإن تشابهت الأساليب .
لم ينظر أى من الطرفين لمصلحة عليا لوطن ولا لحقوق مواطن بسيط ولو عرض عليهما صراحة لاستقل كل منهما بقطعة من الوطن المتنازع عليه، حسبما تستطيع يده أن تصل إليه بعيدا عن الشعارات الرنانة بالحرص على الوطن و مصالحه العليا .
للأسف فى وسط هذا الصراع لم أجد بعد صوتا عاقلا واحدا يمد يده لوطن غال يستحق أن نحرص على وحدته بكل أطيافه فلم يأت هذا الصوت من مؤسسة الرئاسة المسئولة أمام الله عن كل أبناء الوطن الواحد معارضيه قبل مؤيديه، لأن رأس النظام الحاكم يجمع حوله قائمة لا تنتهى من مستشارين يزينون كل فعل ولا ينصحون لله قبل الوطن وللشعب قبل الجماعة وكل تفكيرهم ينصب فى الصراع والحرب مع طوائف متعددة من الشعب وسلطاته المختلفة بدأوها بالإعلام، ثم انقضوا على القضاء والمعارضة وللأسف لم أجد تصريحا واحدا متزنا يؤلف ولا ينفر ولا وجها واحدا تسعد بحديثه بل أن المتحدث الرسمى للرئاسة بات مقررا يوميا نعانى منه أكثر مما كنا نعانى من الوريث مع اختلاف الأدوار.
كما لم يأت هذا الصوت من الجماعة الحاكمة فلم نسمع صوتا واحدا متزنا معتدلا فيها وهى الأغلبية الحاكمة التى لم تصدق فى كل أحاديث المشاركة لا المغالبة وكل الاتفاقيات التى تمت للحصول على النتائج وهى تعلم كل العلم أنها بمفردها لا يمكن أن تصل لمقعد الحكم الوثير، والمعارضة بكافة أطيافها لم يخرج منها صوت واحد متزن يمد يده بل هى انتهازية الاستفادة من أخطاء قصر الرئاسة ومن حوله .
حتى رجال الدين كانوا وقودا للفتنة وإشعال الحرائق سواء المتشدد منهم بطبعه أو المعروف عنه الاعتدال فلما احتاج الوطن لاعتداله وعدله تناسى كل ذلك أمام الرغبة فى المداهنة والملاءمة والمواءمة رغم محاولات يائسة بائسة مشكورة وضرورية من مؤسسة الأزهر الشريف، والشعب ذاته لا يوجد لديه الصبر ليحصد النتائج وبات منقسما بين مؤيد على طول الخط ومخالف خائف على خط آخر .
هكذا تضيع مصر لغياب العقل والحكمة وهى تئن وتنادى الجميع يا أيها الحريصون على مصالحكم قبل الوطن إتقوا الله قبل أن أضيع بين أيديكم وخلافاتكم بالله عليكم أليس فيكم رجل رشيد؟
