البلد على شفا حرب أهلية فعلية، للمرة الأولى فى تاريخها الحديث، ولا أحد يريد التحرك بجدية لمنع الانحدار إلى هذه الحرب، التى رأينا مقدماتها فى محيط قصر الاتحادية، لا الرئيس ونائبه ومستشاروه وحزبه وجماعة الإخوان، ولا حلفاؤهم من السلفيين والجماعة الإسلامية وسائر التيارات الإسلامية الأخرى، ولا المعارضة بأطيافها الواسعة التى تمثلها جبهة الإنقاذ الوطنى، والحركات الثورية الأخرى.
البلد على شفا حرب أهلية فعلية، والجميع يتحملون المسؤولية عن هذا السقوط المدوى للدولة بأجنحتها الرسمية والمعارضة، لأنه بين أبطال هذا السيرك السياسى نفتقد الرجل الرشيد الذى يستطيع القيادة، باتجاه جمع الشمل المتنافر المتحارب، والوصول إلى لحظة توافق حقيقية بدل العناد والتشبث بالمواقف المتصلبة بحثا عن سلطة تنفلت من أيدى الجميع وتتفرق بين أيدى حاملى الخرطوش والسنج والحجارة فى الشوارع.
«1»
لماذا وقف الرئيس مرسى يتفرج على ردود الفعل الكارثية التى نتجت عن الإعلان الدستورى الباطل الذى أصدره؟ وكيف واتته القدرة على التراجع عن اليمين الذى أعطاه شرعية الرئيس أمام المحكمة الدستورية، وأقسم خلاله باحترام الدستور والقانون؟ وكيف لم يستوعب أنه يشق الصف الوطنى بهذا الإعلان الدستورى الذى أفتى معظم فقهاء القانون، وبينهم من هم محسوبون على معسكره، بالبطلان والفساد؟ ولماذا اختار العناد وهو يشهد بوادر الانفلات ليس فى محيط القاهرة وحدها، بل فى جميع المحافظات التى مازال زخم الثورة وحركتها العفوية فى نفوس شبابها المتحفزين لمواجهة أى درجة من درجات الفرعنة والاستبداد من الحاكم أو محاسبة الحكومة على أى تقصير تقع فيه؟ ولماذا اختار الرئيس العزة بالخطأ بدلاً من التراجع الكريم؟
وهل يليق بمقام الرئيس أن يتحول إلى قائد فصيل من الفرقاء السياسيين فى البلد؟ وهل يليق به أن يقف صامتا والشعب ينجرف إلى حرب الشوارع؟ إن التاريخ لن يرحم ولن يتجاهل ما قمت وما تقوم به سيادة الرئيس، إن لم تبادر فوراً إلى إصلاح الخطأ الفادح الذى قمت به، والمتمثل فى الإعلان الدستورى أو دعوة الشعب للاستفتاء على مشروع الدستور المشوه وغير المتوافق عليه.
«2»
رأينا جميعاً كيف تظاهر المعارضون لقرارات الرئيس فى ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية بصورة غاية فى السلمية، لم يعطلوا المرور، ولم يسعوا لاقتحام القصر، ولم يعتدوا على رجال الشرطة أو الحراسة، وبدلا من ذلك قامت أطقم الحراسة وقوات الأمن بإزالة الحواجز والأسلاك الشائكة التى استفزت المتظاهرين، وفى اليوم التالى للتظاهر، دخلت جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة على الخط، وقررت عبر تصريحات لعدد من قياداتها الدفع بشبابها ناحية المتظاهرين المعارضين أمام الاتحادية، ليشتعل الأمر بين الجانبين فى أسوأ صورة يمكن أن نرى الشعب المصرى عليها.
لماذا دعا قيادات الإخوان شباب الجماعة والحزب إلى مظاهرات تأييد للرئيس أمام الاتحادية فى ظل وجود المعارضين؟ هل كان خافياً عليهم نتيجة قرارهم غير المسؤول، أم إنهم قصدوا فعلاً إيصال الأمور إلى الاشتباكات وحرب الشوارع بين المؤيدين والمعارضين حتى يمكن ساعتها للرئيس إعلان الطوارئ وفق الإعلان الدستورى الباطل؟ وهل درسوا جيداً مثل هذا القرار الأشبه بالمقامرة، ووضعوا احتمال رفضه شعبياً، واتساع موجات كسر قرارات الرئيس والخروج عليه وصولاً إلى مالا تحمد عقباه من الانتفاضة الشعبية الشاملة ضد النظام؟
«3»
يظل حلم تيارات الإسلام السياسى من السلفيين والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، تطبيق شرع الله، وإقامة الدولة الإسلامية، وهو حلم مشروع فى إطار الدستور والقانون، وبحسب الاجتهاد الناصع الذى يقرب الدولة المرجوة، من العصر الحديث بدل أن يجرها جرا ويحشرها حشراً فى جلباب الماضى الضيق، وفق تفسيرات أقل ما توصف به أنها خارج التاريخ والجغرافيا والعقل. من هذا المنطلق تقف تيارات الإسلام السياسى خلف جماعة الإخوان حليفا أساسياً بفضل جهود خيرت الشاطر نائب المرشد، وصاحب الوعود الكبيرة بمشاركة هذه التيارات فى الحكم. لكن كثيراً من قيادات هذه التيارات المتأسلمة والتى خرجت من السجون والمعتقلات قريباً، بعضها فى جرائم قتل وترويع، وبعضها حوسب وعوقب وتعذب ظلما على رأيه وفكره فى عهد الطاغية مبارك، أقول إن كثيراً من قيادات التيارات الإسلامية تقدم الدعم المطلق للرئيس مرسى ولجماعة الإخوان، طمعا فى المشاركة فى كعكة الحكم، وتفعل ذلك بزخم انفعالى وإقصائى يرفض الاختلاف، ويقبل كل ما يصدر عن الجماعة والرئيس باعتباره الحق المطلق، وتوجه أشياعها ومريديها إلى التأييد المطلق لكل ما يصدر عن الجماعة والرئيس والحكومة من قرارات من خلال المشاركة الحاشدة فى المظاهرات، ليس هذا فقط، بل إن هذه التيارات الإسلامية توظف عدتها الفقهية وتوجهها الأصولى لتكفير المخالفين والعدوان عليهم، حتى صار تحقير المخالفين أو شتمهم أو تكفيرهم وصولا إلى الدعوة للتنكيل بهم وقتلهم مسألة مكرورة على ألسنة القيادات الكبيرة والوسيطة لهذه التيارات وعلى شاشات الفضائيات التابعة لهم.
«4»
الرفض الواضح الذى أعلنته جبهة الإنقاذ والحركات الثورية الأخرى فى مواجهة الإعلان الدستورى ومن بعده طرح مشروع الدستور الباطل للاستفتاء، هو موقف صائب تماماً، ويصب فى المصلحة الوطنية التى يهددها وجود رئيس يعطى نفسه سلطات مطلقة.
ووقف كثيرون فى معسكر رموزجبهة الإنقاذ ومعهم آخرون من النشطاء، يواجهون أخطاء الرئيس المتجاوزة للقانون برفع الدعاوى المستعجلة أمام القضاء، الحافظ الأساسى للدستور والقانون، وبالفعل أبطل القضاء قرارات إعادة مجلس الشعب المنحل أو عزل النائب العام، كما وقفوا فى معسكر الجبهة ضد استحواذ الرئيس على السلطة القضائية، بدعوى إبعادها عن السياسة، وتحصين كل ما صدر أو يصدر عنه من قرارات، كما رفضوا شبهة تصفية الحسابات أو تمكين كوادر جماعة الإخوان من مفاصل الدولة، كما وقفت جموع المصريين تدافع عن استقلال السلطة القضائية وحق الشعب فى مراجعة الرئيس ومنع تحوله إلى فرعون، بعدما جربنا الفرعون خلال العهود الماضية، وزاد من التفاف الشعب حول جبهة الإنقاذ، ما رأيناه جميعاً من عناد الرئاسة وتجاهلها مطالب المعارضين، بل وتسفيههم واعتبارهم أقلية عددية لا وزن لها، وهو ما أدى إلى موجات التصعيد المتوالية من جبهة الإنقاذ وجموع الشعب وصولا إلى الاعتصام أمام قصر الاتحادية فيما يشبه الرد على حصار مؤيدى الرئيس للمحكمة الدستورية العليا الذى أصاب المصريين بالحزن والغضب من موقف المؤيدين، ومن الرئاسة وأجهزة الدولة التنفيذية الصامتة على هذا الاعتداء الغاشم.
ومع ذلك، كان على رموز جبهة الإنقاذ تحمل مسؤوليتهم التاريخية وعدم، الانجرار ولو من بعيد إلى الاشتباك مع تيارات الإخوان المتدافعين بهدف الصدام مع المعارضين فى محيط القصر، كما كان عليهم أن يوجهوا النداءات والتعليمات الواضحة بضرورة نقل الاعتصام والمظاهرات إلى أماكن أخرى حفاظاً على الدم المصرى، وتغليبا للمصلحة الوطنية العليا التى يتقدم فيها منع الحرب الأهلية على ما سواها من أهداف ومطالب.
كريم عبد السلام يكتب: الرئيس.. الإخوان.. السلفيون.. جبهة الإنقاذ.. أتهمكم جميعاً بالوصول بنا إلى الحرب الأهلية
الجمعة، 07 ديسمبر 2012 11:43 ص