أخذنا من الأخلاق جوانبها القريبة، فقد نفهم الأمانة على أنها الوديعة، ونرد ما استودعنا الآخرون إياه، أما أن المنصب أمانة، لا يجوز استغلاله لمأرب خاص، ولا يجوز الإخلال بأعبائه الجسام فهذا شأن آخر! ويغلب أن يكون طلب المنصب للاستغناء والاستعلاء، والبحث عن الذات لا البحث عن مصالح الأمـة.
والصدق خلق معروف، ويغلب أن نصدق فى القول لا فى العمل، لأن الصدق فى العمل صعب، إنه إحقاق الحق وإبطال الباطل، والتزام السنن التى قامت عليها السموات والأرض.
وقد يتقاضانا هذا أن ننتخب الأصلح، ولو كان من غير قرابتنا، وأن نؤثر بالوظيفة فقيراً ونطرح غنياً، وليس يقدر على هذا إلا.. الرجال.. وحب النفس من طباع البشر، فإلى أى مدى يهيمن هذا الطبع على مسالكنا؟ إن السيارة تقدم فيسبق الرجل المرأة، ويتخطى الكبير الصغير، ويتحرك هذا الشعور الهابط فى عشرات المعاملات!
الكل يقول: نفسى نفسى! فهل هذا السلوك هو التفسير المنتظر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؟، هل وضعنا تنفيذا عملياً يكفكف شرور هذه الأنانية الصغيرة، ويوارى هذا الإحساس الحيوانى فى دماء الناس؟ إن الله كتب الإحسان على كل شىء، ونكاد نحن نكون قد قررنا التقصير فى كل شىء! والأمراض الخلقية التى تصاب الأمم بها مع انتشار الفساد السياسى، كثيرة، وهى تختلف من عصر إلى عصر ولسنا بصدد إحصائها، وإنما نتساءل فقط: ماذا يعنيه تزوير الانتخابات؟ إن هذا التزوير يحدث دماراً أخلاقياً أوسع من الدمار المادى الذى يحدثه أى زلزال رهيب!
جيش من الرجال ذوى المناصب الكبرى والصغرى يتحول إلى خلية نحل فى مصنع للأكاذيب واسع الدائرة، هادر الآلات، يعاون بعضه بعضاً فى اختلاق الآراء وتسجيلها، وتصعيدها وترحيلها من بلد إلى بلد، ثم تلتقى آخر الأمر شبكة المجارى القذرة لتخبر العالم كله أن فلاناً أحرز من أصوات الناخبين كذا وكذا.. ونجح نجاحاً كاسحا..!! وعندما يمسى الناس ويصبحون على هذا التكاذب المفضوح، أيكون الصدق عملة رائجة أم مزجاة؟ أتستقر فى المجتمع تقاليد الشرف أم تقاليد اللصوصية؟ أيتقدم أهل الأدب والتقوى أم يهال عليهم التراب؟ إن دعائم التربية تحتاج إلى حراسة مشددة بعد أن يتم استنفاذها من هذا البلاء المبين! الأعداء نمو أطماعهم، وتربو ضغائنهم، وتتقارب مسافة الخلف بينهم، والتخلف الحضارى عندنا يثير الأسى، ومع ذلك كله فإن بعض حملة العلم يستحيى من الآراء المدفونة ما يثير الغثيان !وعرض ثقافتنا الذاتية على الناس فى هذه الأيام ينبغى أن يصحبه ما اكتنفها على مر العصور.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة