الدستور ( Constitution هو القانون الأعلى، الذى يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكى أم جمهورى) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات، التى بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
ويشمل الدستور اختصاصات السلطات الثلاث ((السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية))، وتلتزم بالدستور كل القوانين الأدنى مرتبة فى الهرم التشريعى، فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية، وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية.. وفى قول واحد تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة فى الوثيقة الدستورية، ونظرا لأن الدساتير تعيش لفترات طويلة كوثائق للشعوب مهما تغيرت، واختلفت انتماءات السلطة الحاكمة والسلطات جميعا بحكم الدمقراطية فإن الدساتير تكون ليس لها طابع فصيل معين من فصائل الشعب وإلا تكون المسألة فوضى بأن يضع كل فصيل يتولى الحكم المبادئ، التى تناسب مبادئه فترة حكمه، وهو ما يسبب بالقطع فوضى عارمة ويعرض المجتمع لسيطرة فصيل معين يكون بارعًا فى التلون وفى وضع البنود، التى تساعد على استمراره فى الحكم بوسائل ليست ديمقراطية ولا تعرف للشفافية طريق، كما كان يحدث فى عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك.
لذلك فإن الدستور، إنما هو قضية لا يجوز ولا يحق لأحد فى أى دولة من دول العالم المتحضر أن يناور أو يساوم بها أو أن ينتظر الأحداث التلقائية، التى تحدد مصير نصوصه باعتباره كيانا توافقيا يتوافق عليه المجتمع بأسره أفراد وجماعات، ويشترك فى وضع بنوده ونصوصه خلاصة المفكرين فى المجتمع الممثلين لأصحاب المصلحة من ذوى الخبرات الدستورية والحياتية والسياسية، لصالح الأمة والمجتمع ككل دون الانتقاص من حقوق فئة أو فصيل من الفصائل المكونة للمجتمع، ولهذا فالدستور هو حق الأمة، وسلطتها التى تواجه به تغول سلطة على أخرى أو تجاوز هذا الدستور فى مواجهة الشعب ولصالحه، وإلا أصبحت الأمة دون ذلك الدستور عارية من الحماية، ولاتصبح أى أمة (أمة بحق) إلا حين يمارس شعبها سلطاته الدستورية وأهمها اجتماع نواب الشعب المنتخبين منه بشفافية كاملة تحت قبة البرلمان.
وواجب الدفاع عن الدستور، إنما هو فرض عين على كل مواطن من مواطنى الأمة، وهو الحق فى الحياة نفسها، فمن لايدافع عن دستور دولته، فهو لايستحق العيش تحت سمائها بحرية لأن من يعيش فى دولة يستجيب لفطرتها، مستجيبا لجميع الحقوق الوطنية بها، والأمم بذلك تطلب حريتها وتنصر من يدافع عن دستورها.
والقيادة السياسية التى تصر على مخالفة الحقوق التى كفلها الله للأفراد والجماعات من خلقه، تتسبب فى هز النظام من أساسه وتفتح الطريق لتغييره، وهو ما حدث على أيدى الضباط الذين استغلوا المناخ الثورى، الذى ساد مصر فى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات ليستولوا على السلطة، وينكلوا بالذين فتحوا لهم الطريق.
المعركة السياسية أومعركة السيطرة على الدولة دائمًا ما قامت بين عصرين، أو بين ثقافتين، ثقافة عصر ينتهى لواقع مؤلم وتعجز عن الإجابة عن سؤال من الأسئلة المتصلة مباشرة بمصلحة المجتمع فى وقتها، وثقافة عصر حاضر قادم تواجه الأسئلة، وتجتهد فى الإجابة عنها ويكون لديها القدرة على مواجهة تلك المشاكل وتتواصل مع العصر وتأخذ منه وتعطيه، فلابد أن تنتصر، وأن ينتصر معها العقل، ومصر وشعب مصر يعرف الديمقراطية، والدولة المدنية والدستور، وحقوق الإنسان وجميع المبادئ والمثل منذ العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، ولكنها "ومع الأسف" (كما يقول الأستاذ ألفريد فرج وغيره وما جاء فى الدراسات التحليلية للكثيرين عن تلك الحقبة من الزمن، والذين ذكرهم الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى، فى إحدى مقالاته بالأهرام، ذبلت وجفت بعد ذلك، بعد أن سقطت مصر فى أيدى ضباط الانقلاب، الذين انفردوا بالسلطة، وأوقفوا العمل بالدستور، وحلوا الأحزاب، واستولوا على الصحف، وزجوا بالمثقفين المصريين على اختلاف تياراتهم وانتماءاتهم فى السجون والمعتقلات، وفصلوهم من وظائفهم، وجوعوهم وشردوهم وهجروهم، وأوقفوهم محاصرين بين إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات الدينية، التى انفردت بالمساجد والزوايا وبالتعليم الدينى والتعليم المدنى، فضلاً عن استخدامها لأجهزة الإعلام والقوانين المشبوهة الملفقة، مما لم يبق مجالا لتفصيل الحديث فيه، وأننا يجب ألا ننسى أن شعب مصر يملك فى حضارته ووجدانه المعرفة للإجابة عن جميع الأسئلة، التى تمس مستقبله ومصالحه الآنية من عيش- وحرية - وكرامة إنسانسة - وأمن، وعدالة اجتماعية، فأهداف ثورة 25 يناير نبعت من وجدان الشعب أولا، كهدف ومبدأ تسعى إلى تحقيقه وصدقت ما قيل لها عن مشروع النهضة المتوقع، والذى أصبح فى يقين الكثيرين من أبناء هذا الوطن فى حكم المسكن الخادع الذى لا يرقى إلى النهوض بمصر، ولكنه كان كافيا لتغيير قمة القيادة السياسية فى مصر فقط.
وقد تتضمن الأحداث السابقة الإجابة عن السؤال، الذى يطرح مشكلة إطلاق اسم سحرة فرعون على فصيل هام من فصائل المجتمع، وهم ما أطلق عليهم الرئيس السابق محمد أنور السادات "السلطة الرابعة" بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والتى يجب أن تظل حرة تعمل بشفافية مطلقة لكشف الفساد أما كنا نريد خيرًا لمستقبل شعب مصر من أبنائنا وأحفادنا، مع تكرار إبعاد معظم فئات المجتمع أصحاب الدستور عن لجنة وضع الدستور؟، فى الدستور القادم الدائم بإذن الله.
وتضمن الأحداث السابقة أيضًا أسباب تسمية الكثير من الأهداف بأسماء غير قابلة للتطبيق، والنكوص عن الالتزام بوعود قطعت ليلة الانتخابات النهائية للسيد رئيس الجمهورية.
والآن يمكننا معرفة لماذا حلت الفتاوى الدينية محل حقائق العلم، ومبادئ السياسة والأخلاق، وقوانين الاقتصاد، وقواعد النقد الأدبى والفنى؟ وكيف انتقلت الأمة من موقف التضحية بالروح فى سبيل الديمقراطية إلى تصرفات أخرى ليس لها علاقة بالكرامة الإنسانية؟
إن ما نتوقعه من الرئيس مرسى هو أن يكون رئيسًا لجميع المصريين، لقد توسمنا فيه روح الثورة والعدل وصدقنا وعوده بالعدل والنهضة وتحقيق أهداف الثورة، فهل سيتمسك بها جميعا أم سيرضخ لضغوط قد تكون تمارس عليه لتحويله إلى رئيس لفصيل قد يعصف بأحلام وآمال شعب بأكمله لصالح عدد محدود من فصيل معين؟؟؟؟ إن الله سبحانه يسمع ويرى ونحن نثق فى الله وفى إيمان الرئيس مرسى وخشيته من الله عز وجل.
وعلى الله قصد السبيل
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
م.موسي عامر
احسنت