للأسف هناك من ينتسبون إلى الأزهر الشريف ولكنهم يتكلمون فى كل التخصصات على أنهم موسوعة علمية، ومنهم من يكون غير دارس لبقية علوم الشريعة كأصول الدين أو الفقه أو الحديث؛ فتجد الأزهرى خريج قسم دعوة مثلاً لا يعرف شيئاً عن الحديث، كما قال الشيخ محمد الغزالى عن نفسه بل استعان بالشيخ الألبانى وهو ساعاتى المهنة، ولكنه إمام عصره فى الحديث فى تحقيق كتابه فقة السيرة؛ ولا أريد الاستفاضة أكثر.
لكن ما كتبه الشيخ متولى إبراهيم فاق كل وصف، فالرجل وإن كان له شطحات أدت إلى أن حكم عليه الأزهر حكماً قاسياً واعتقل بسبب أفكاره، بل هذا الكاتب ينكر أحاديث تلقتها الأمة بالقبول، ويطعن فى الأئمة الذين أخرجوها كالبخارى ومسلم وغيرهما، فله منهج مخالف لعلماء الأزهر الأجلاء، لذا أجدنى مضطرا أن أوضح للقراء أولاً وله ثانياً إن كان منصفا وصاحب فهم معنى السيادة.
السيد على الإطلاق هو الله عز وجل، وأما لغيره فتكون بالإضافة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (قوموا لسيدكم) لـ"سعد بن معاذ"، بالإضافة، فالرسول هو سيد الناس كما قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، والله تعالى هو السيد على الإطلاق دون إضافة أما غيره فيجب أن يقال سيد من؟
إذا أطلق السيد على الله- تعالى- فهو بمعنى المالك والمولى والرب.
قال الحليمى- رحمه الله تعالى-: "ومعناه: المحتاج إليه على الإطلاق، فإن سيد الناس إنما هو رأسهم الذى إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن رأيه يصدرون، ومن قوته يستمدون".
فالسؤدد كله حقيقة لله، والخلق كلهم عبيده، إذ إن الله- تعالى- هو المالك لعبيده، فنواصيهم بيديه، المتولى أمرهم، القائم على كل نفس بما كسبت، فما من معنى من معانى السيادة إلا ولله- تعالى- أكمله.
وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى: (السيد إذا أطلق عليه- تعالى- فهو بمعنى المالك والمولى والرب، لا بالمعنى الذى يطلق على المخلوق)، ولهذه السيادة آثار منها:
1- إثبات السيادة لله- تعالى- من جميع الوجوه.
2- وجوب إفراده بالربوبية، إذ هو رب كل شىء ومليكه، وخالقه ومدبره، وكل شىء راجع إليه
3- وجوب إفراده- جل وعلا- بالعبادة، فإنه إذا كان سيد كل شىء وربه ومليكه وخالقه ورازقه، وكل شىء تحت تصرفه وتقديره فمن صرف شيئا من أنواع العبادة من توكل ودعاء واستغاثة واستعانة وذبح ونذر وحلف وغير ذلك، فقد خالف مقتضى هذه السيادة، وجعل السيادة لغير الله.
4- وجوب جعل شرعه هو الحاكم والسيد على كل أمر، فالحكم لله- تعالى- وحده، فالأمر أمره، والنهى نهيه، وأما التحاكم إلى غيره، فهو قدح فى هذه السيادة.
فمن جعل غير شرع الله حاكما يتحاكم إليه، فقد اتخذ سيدا غير الله، فالذين يجعلون العقول حاكمة على شرع الله- تعالى- ما قدروا هذه السيادة حق قدرها، والذين يتحاكمون إلى القوانين الوضعية الشيطانية، أعطوا هذه القوانين السيادة، والذين يقدمون آراء الرجال، ويقلدون الآباء والشيوخ والأحبار والرهبان، ما جعلوا الله- تعالى- سيدا، وإنما جعلوا السيادة للمتبوعين.
قال- تعالى- مخبرا عن أهل النار: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا)
وقال- تعالى-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).
وقال- تعالى-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله).
وقال- تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
إلى غير ذلك من الآثار الجليلة التى دل عليها هذا الاسم.
فمما سبق نعلم أن السيادة المطلقة هى لله والسيادة المقيدة يعنى المضافة تكون للبشر
ثم يقول المسكين: الديمقراطية يا سيد أمجد هى أن يحكم الشعب نفسه بما يختار من قوانين، والشعب المؤمن سيختار شريعة خالقه فيكون قولنا الديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بما يختار مساويا لقولنا الديمقراطية أن يحكم الشعب المؤمن نفسه بشريعة الله.
فأقول له، وما حكم الشعب الجاهل أو غير المؤمن أليست هذه المادة جعلت الاختيار للشعب إن شاء حكم شرع الله، وإن شاء حكم شرع العقل والقوانين الوضعية، فهى فضفاضة تخضع لنوعية القائمين على الحكم.
ثم يا أيها الشيخ أنت لم تعرف للأسف الفرق بين سيادة الدولة والسيادة فى الدولة، ودعنى أعلمك، فسيادة الدولة: صفة تنفرد بها السلطة السياسية فى نشاطها الداخلى بحيث تكون آمرة على الأفراد والجماعات؛ والخارجى بحيث تدير علائقها الخارجية دون خضوع لإرادة دولة أخرى، وإن التزمت المواثيق الدولية فبالتزامها، وهذا ظاهر، فلكل دولة حرية فى ممارسة سلطاتها وعلاقاتها، وليست هذه محل الحديث هنا.
وأمَّا السيادة فى الدولة: فهى التى تعنينا، وهى محل الحديث فى موضوعنا، وأول من استخدم مصطلح السيادة هذه فى الفكر السياسى الأجنبى المعاصر، هو المفكّر الفرنسى جان بودان Jean Bodin، فقد ألف كتاباً بعنوان: "ستة كتب عن الجمهورية" نشره عام 1576م، عرّف فيه السيادة بأنَّها: "سلطة عليا على المواطنين والرعايا لا يحدّها القانون"، وفى توضيحه لمعنى السيادة، فرّق بودان بين السيد (صاحب السيادة) وبين الحاكم؛ "فالسيد أو صاحب السيادة، هو من كانت سلطته دائمة، أمَّا الحاكم فسلطته مؤقتة، ولذلك فلا يمكن وصفه بأنَّه صاحب السيادة؛ وإنَّما هو مجرد أمين عليها"، ومن خصائص السيادة لديه: أنَّها مطلقة، لا تخضع للقانون، وأنَّها تُمكِّن سلطة التقنين من وضع القوانين، دون موافقة الرعايا، ومن خصائصها: أنَّه لا يمكن أن يفرض عليها أى إرادة من قبل إرادة أخرى وممن تحدث عن حقيقة معنى السيادة العميد دوجى Duguit فيما عُرف بالقانون الأعلى وسيادة القاعدة القانونية الأعلى، حيث بيّن أنَّها سلطة حاكمة للسلطات، وقد أفاد منه د. عبد الحميد حيث أشار إلى أنَّ السيادة هى: "السلطة العليا التى لا نعرف فيما تنظّم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها "وممن بيّن مفهوم السيادة هوبز، إذ وضح أنَّها: "سلطة عليا متميزة وسامية، ليست فى القمة بل فوق القمة، فوق كل الشعب وتحكم من مكانها ذاك المجتمع السياسى كلّه؛ ولهذا السبب فإنَّ هذه السلطة تكون مطلقة، وبالتالى غير محدودة لا فى مداها ولا فى مدتها، وبدون مسئولية أمام أى إنسان على الأرض "، ومع أنَّ بودان بيّن فكرة السيادة، لكن بيانه لها قد خلا من بيان أساس لهذه السيادة، ولاسيما مع استبعاده للتأسيس على نظرية التفويض الإلهى فى المفهوم الكنسى، وهو ما جعل فكرة السيادة لديه لا ترقى إلى مستوى النظرية؛ مما فتح المجال لتدخل غيره فى استكمال بناء نظرية السيادة وفق الفلسفة الوضعية؛ ثم شاع هذا المصطلح فى الفكر الديمقراطى بعد كتاب "العقد الاجتماعى" للفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو، حين شارك فى استكمال النظرية وفق فلسفته؛ فطبق معنى السيادة الوضعى من خلال نظريتى: سيادة الأمّة، وسيادة الشعب، والذى يهمنا هنا كما أسلفت، هو معنى السيادة وحقيقته المؤثرة فى الحكم المتعلق بديننا ونظامنا الإسلامى، لا بغيره؛ إذْ هو المعيار والحكم على غيره لا العكس؛ لأنَّ الشرعى حين يُبيِّن حكم مصطلح ما، من المصطلحات المحدثة أو الوافدة، فإنَّه يبحث عن معنى المصطلح وحقيقته، سواء وجد فى الواقع أو لم يوجد، وهو لا يرهن الحكم باللفظ والنشأة على حساب المعنى، ولا برؤية من حاول تطبيقه وفق فلسفته.
وعليه فخلاصة القول هنا: أنَّ السيادة فى نظرية الدولة ونظام الحكم، تعنى فى أصل فكرتها: السلطة العليا المطلقة التى تقيٍّد سلطة الأمّة، وسلطة الحكومة بسلطاتها، ومن ثمّ تقيد تبعاً لذلك القواعد القانونية التى يتشكل منها الدستور، والذى تقوم بوضعه سلطة عليا تمثل المجتمع؛ وممن عرفها بلغة الشرعيين، الدكتور صلاح الصاوى، إذ قال: "السيادة هى: "السلطة العليا المطلقة التى تفرّدت وحدها بالحق فى إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال"، وبناء على هذا البيان لحقيقة السيادة الذى خلاصته وجود سلطة عليا مطلقة لا تحكمها سلطة أخرى لا بجانبها ولا أعلى منها؛ فإنَّنا نستطيع أن نقول بكل ثقة ووضوح، تلك حقيقة لا توجد فى غير نظام الإسلام، وهى ظاهرة فى نظام الحكم الإسلامى على وجه الخصوص؛ فإنَّه محكوم باتفاق المسلمين بسلطة عليا مطلقة حقا، تتمثل فى: كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
يقول صديق حسن خان (ت1307)- رحمه الله تعالى-: "ولفظ السيد له معنيان:
أحدهما: أن السيد هو الذى يكون مالكا مختارا بنفسه وحده، ولا يكون محكوما عليه من أحد، بل يكون حاكما مستقلا بذاته كشأن الملوك فى الدنيا، فهذا الأمر إنما هو شأن الله- تعالى- ليس غيره سيدا بهذا المعنى.
وثانيهما: أن السيد رعوى لآخر، ولكن له فضل على عامة الرعايا، ممتاز منهم بالمزايا، ينزل إليه حكم الحاكم أولا، ثم يبلغ إليهم من لسانه وبواسطته.. فالنبى بهذا المعنى سيد لأمته، والإمام سيد أهل عصره.. فإن هؤلاء الكبار يتمسكون بحكم الله- تعالى- أولا بأنفسهم، ثم يبلغونه إلى أصاغرهم ويعلمونهم.
الخلاصة: أننا يجب أن نقول لهذا الدستور نعم إذا كان من سيقومون على الحكم أصحاب تقوى وخشية من الله، ولكن نثبت موقفنا من عدم شرعية هذه المادة وغيرها من المواد حمالة الأوجه؛ حتى إذا تبدل الحال لا قدر الله وحكمنا غير المسلمين فقمنا ورفضنا بعض الأحكام غير الشرعية حتى لو صوت عليها الشعب بالموافقة لا يقال لنا لماذا تغيرتم ورفضتم هذا الدستور الذى وافقتم عليه من قبل.
وأخيراً قال النبى صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن يك سيدا، فقد أسخطتم ربكم) صحيح أخرجه أبو داود فى (4883)، والنسائى فى السنن الكبرى (10073)، وأحمد (5/346- 347) والبخارى فى الأدب المفرد (760).
الشيخ أمجد غانم يكتب: معنى السيادة للشعب وكيف تصحح هذه الفقرة فى الدستور
الخميس، 06 ديسمبر 2012 04:04 م
الشيخ أمجد غانم
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى مش بيخاف
ياراجل