تباينت آراء وردود أفعال القوى السياسية والوطنية، بين مؤيد ومعارض، للإعلان الدستورى الصادر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 22 نوفمبر 2012، حيث يرى بعض المؤيدين أن مصر تدخل بعد هذا الإعلان الدستورى مرحلة تحول ديمقراطى حقيقى على اعتبار أن الإجراء الذى يجب أن يتخذ هو سرعة إنجاز الجمعية التأسيسية لمشروع الدستور، حتى يتم إلغاء كل الإعلانات الدستورية المثيرة للجدل، كما يقرر البعض من الفريق المؤيد أن مصر بعد الإعلان الدستورى تسير فى خطوات منظمة ومتغيرة حيث إنها تسعى لتنظيم مؤسسات الدولة، وأن الرئيس قام بالفعل بأولى خطواته بتطهير القضاء، وأن الفلول ضد هذه القرارات،
وعلى النقيض من ذلك تماماً يرى الجانب المعارض للإعلان الدستورى، أن ما قام به رئيس الجمهورية يؤكد النية المبيتة للإخوان فى الاستيلاء على كافة القطاعات فى الدولة وبذلك تتركز كل السلطات فى يد فصيل سياسى واحد، كما قرر جانب آخر من الاتجاه المعارض للإعلان أن الرئيس مرسى يجب عليه أن يقوم بإلغاء هذا الإعلان الدستورى وإعادة النظر فى مواده وإصدار إعلان دستورى جديد تتفق عليه القوى السياسية واستبعاد المواد المختلف عليها لأننا لا نسعى – على حد قولهم - لصنع فرعون جديد وأن هذا الإعلان سيقودنا إلى حافة الهاوية ويؤدى إلى حدوث حرب شوارع فى البلاد.
وبعيداً عن تحليل هذا الإعلان من الناحية السياسية، فإننا سوف نعقب على هذا الإعلان من الناحية القانونية البحتة وبحيادية وتجرد تام، ومن هذا المنطلق نرى أن هذا الإعلان يمثل خروجاً صارخاً على المبادئ والأصول الدستورية السليمة المتعارف عليها، والمستقر عليها فى معظم الأنظمة الدستورية العالمية وذلك للأسباب التالية:
1- يؤكد الفقه الدستورى أن القواعد الدستورية توضع لتوضيح فلسفة نظام الحكم، والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يجب أن تسود المجتمع، فى فترة زمنية معينة، ويجب أن تكون متوافقة مع معطيات الواقع فى هذا المجتمع، بل يجب أن تكون هذه الفلسفة وتلك المبادئ انعكاساً لهذه المعطيات.
ولا شك أن القواعد والنصوص التى تضمنها الإعلان الدستورى الصادر عن رئيس الدولة قد نظمت مسائل لا ترتقى بأن حال لمصاف القواعد الدستورية، ومن ثم لا تمت بأى صله على الإطلاق بالقواعد الدستورية التى تحتل – بحكم طبيعتها – المكانة العليا داخل البناء القانونى للدولة، نظراً لما تتمتع به هذه القواعد من سمات وصفات وما تتضمنه من أحكام لا تضمنها القواعد القانونية الأخرى داخل الدولة.
2- حصنت المادة الثانية من ذات الإعلان جميع الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو، 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد من الرقابة القضائية عليها بأن صورة من الصور.
والواقع أنه من المعلوم أن مبدأ المشروعية أو سيادة القانون يعنى فى مفهومه العام خضوع الدولة بجميع سلطاتها المؤسسة وهيئاتها العامة فى كل صور نشاطها، ومختلف التصرفات والأعمال التى تصدر عنها، وكذلك الأفراد للقانون، ومن ثم لا تكون الحكومة شرعية إلا إذا كانت تصرفاتها فى حدود القانون، أما إذا كانت الحكومة تستطيع التصرف خارج حدود القانون المرسومه لها فإنها لا تكون حكومة شرعية، بل تكون حكومة استبدادية، وتعد الرقابة على تصرفات الحكام، من أهم القواعد الأساسية فى الحكومة القانونية، ومن ثم لابد فى ظل حكومة عادلة من خضوع الحكام جميعاً – رئيس الدولة والوزارة والبرلمان – لمبدأ شرعية تصرفاتهم.
ومن الأهمية بمكان أن نشير فى النهاية إلى أن الرقابة القضائية بشكل عام والرقابة على دستورية التشريعات بشكل خاص تمثل ضماناً أكيداً لحماية الحقوق والحريات العامة من تعسف السلطتين التنفيذية والتشريعية واستبدادها، وهو الأمر الذى أغفله تماماً الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية
"حفظ الله مصر وشعبها العظيم".
د. أشرف إسماعيل عزب يكتب: الإعلان الدستورى فى الميزان
الأربعاء، 05 ديسمبر 2012 11:03 ص