عندما تسلم الرئيس مرسى مشروع الدستور قال فى كلمته «إن مسار مصر الدستورى العريق بدأ منذ 175 سنة عندما أصدر محمد على أول وثيقة شبه دستورية»، أى فى عام 1837، ولست أدرى من أين أتى بهذه القول، ففى ذلك العام «1837» أصدر محمد على باشا «السياستنامه» بشأن تنظيم العمل فى الإدارات الحكومية التى قسمها إلى سبعة دواوين «وزارات بالمعنى المعاصر»، وهى دواوين شؤون: الخديوى، والإيرادات، والجهادية، والبحر، والمدارس، والأمور الأفرنكية والتجارة المصرية، وسابع الدواوين ديوان الفابريقات «وزارة الصناعة»، ولا علاقة لها بموضوع الدستور من قريب أو من بعيد حتى يقال عنها «وثيقة شبه دستورية»، فليست «السياستنامه» لائحة أو دستورا يقيد سلطات الحاكم وواجباته وحقوقه، ويحدد العلاقة بينه وبين المحكومين، أو مجلسا تشريعيا «برلمان» منتخبا أوحتى معينا يتولى إعداد مختلف التشريعات، وقبل «السياستنامه» أقام محمد على «مجلس المشورة» فى عام 1829 برئاسة ابنه إبراهيم من 156 عضوا من كبار موظفى الحكومة، ومأمورى الأقاليم، والعلماء، والأعيان ودون سلطات، وفى يناير 1847 كوّن المجلس المخصوص والمجلس العمومى أيضا من كبار الموظفين والمقربين لمتابعة أعمال الحكومة.
ولهذا وبدلا من التشبه بإجراء لم يحدث فى زمن محمد على، فالأفضل أن نتشبه بالإجراءات التى قام بها ذلك الوالى دون دستور، ألا وهى إقامته للدولة «الكفيلة» التى حققت مكاسب للمصريين دون أن يقوموا بمظاهرة أو وقفة احتجاجية. فعندما أقام المدرسة المدنية بالمجان، وأرسل البعثات إلى الخارج، وأقام الصناعات الحربية والجيش، ووزع الأرض على الفلاحين بحق الانتفاع لم يكن بناء على مطالب المصريين. ولهذا فإن ولاية محمد على لم تشهد مظاهرات احتجاجية ذات طابع اجتماعى، ولقد استمرت هذه الدولة الكفيلة بدرحات متفاوتة حتى الاحتلال الإنجليزى، حيث جعلت سلطات الاحتلال التعليم برسوم مالية فحدث الفرز الطبقى، ودخل رأس المال الحكم، وهذا يفسر سلسلة المظاهرات والإضرابات التى قامت بها مختلف طبقات الأمة طوال الفترة.
نقطة أخرى فى ثقافة الحكام تتعلق برأى صبحى صالح، عضو لجنة التعديلات الدستورية، التى كان مبارك قد اقترحها قبل أن يتخلى عن الحكم، حين سئل فى فضائية مصرية عن جدوى المادة 212 الخاصة بإيجاد هيئة عليا لشؤون الوقف يكون من مهامها «نشر ثقافة الوقف فى المجتمع»، أجاب قائلا: لأن عبدالناصر صادر أراضى الوقف ووزعها على الفلاحين فى إطار الإصلاح الزراعى «ليرضى طموحاته»، وتلك إجابة غير دقيقة، ولا تستند إلى وقائع التاريخ، مثل مقولة إن محمد على باشا قدم «أول وثيقة شبه دستورية»، والذى حدث أنه فى 14 سبتمبر 1952 وبعد صدور قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر من العام نفسه، صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء «الوقف على غير الخيرات» أى الوقف الأهلى، وكان نظام الوقف الأهلى قد أدى إلى حبس الأعيان الموقوفة عن التداول فحال دون استثمارها، وأصبح عقبة فى سبيل التطور الاقتصادى، وأصبحت عائداته منهبة للنظار المسؤولين عنه، ومحل انتقادات المفكرين وسخريتهم «راجع فيلم سى عمر لنجيب الريحانى إنتاج 1941»، فضلا على أن أراضى الوقف لم توزع على الفلاحين كما قال صبحى صالح، إنما امتلكها المستحقون، فقد قرر القانون «إلغاء كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصا لجهة من جهات البر.. ويعود ملكا للواقف إن كان حيا أو للمستحقين، كل بقدر حصته فى الاستحقاق»، فلماذا الافتراء على التاريخ.. أم أن كراهية الجماعة التى يعبر عنها صبحى صالح تعمى البصر عن الحقائق؟.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق
الشعب يريد تحرير الإسلام!
عدد الردود 0
بواسطة:
salah el gamal
حقا اليس لنا فى التاريخ عبرة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين
الاخوان وقانون الغاب
عدد الردود 0
بواسطة:
امل معتز
اوقفوا التعامل مع الخرفان