محمود جاد

ميدان التحرير.. أمة فى الغار

الثلاثاء، 04 ديسمبر 2012 07:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان ذلك فجر الجمعة، 22 يونيو.. كان يلقبه الإعلام وقتها بـ"مرشح جماعة الإخوان للرئاسة"، ليصبح بعد ساعات حائزاً للقب "مرشح الثورة"، مقابل جملة من الوعود قطعها على نفسه.

أمام فضائيات الإخوان وغير الإخوان.. المسلمين وغير المسلمين، تعهد الدكتور محمد مرسى بحل الجمعية التأسيسية، والحفاظ على مدنية الدولة حال وصوله أروقة القصر. آمن المحتشدون خلف المنصة التى تصدرها على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، بما وعد.

وانتقل مرسى من مرشح جماعة إلى مرشح ثورة. وبعد معارك من الحشد الانتخابى، شارك بها أيضاً الإخوان وغير الإخوان، أصبح للثورة رئيس يحميها.

القصر لا يزال بعيداً.. تحسس الرئيس المنتخب الأرض من تحت قدميه. الجنرالات يتصدرون أركان المشهد، محصنين بإعلان دستورى، والفلول يسيطرون على مفاصل الدولة. صندوق الانتخاب لا يضمن جهازاً استخباراتياً كامل الولاء، ولا إرادة الناخبين كافية لإنتاج جهاز شرطى يحفظ أمن النظام.

مهتدياً بما يوحى إليه من مكتب الإرشاد، خاض الرئيس معارك على مختلف الأصعدة، وداخل العديد من المؤسسات. كان بديهياً أن يدرك منذ يومه الأول، أن القصاص دون صدام، حلماً بعيد المنال.. ولكن كان عصياً على الفهم أن نستوعب نحن أن يكون هناك صدام، دون قصاص! وأن تكسب "جماعة الرئيس" معركة تلو الأخرى، وتؤجل "حقوق الشهداء" لتكون هدفاً ومبرراً لمعركة تالية لا فائز فيها سوى "الأهل" و"العشيرة".

التحركات العابرة للإقليم تصنع الرؤساء، هكذا قال المستشارون. القومية العربية كانت أحد ركائز القوة الناعمة للزعيم جمال عبد الناصر.. النيل من نظام سياسى ينهار غير مكلف، كما أن كسب قلوب المتعاطفين مع سوريا أمر سهل.. أطلق مرسى المبادرات تلو المبادرات، استضاف المعارضة السورية على أراضى القاهرة. الشعب المصرى محباً بطبيعته لكل ما هو عربى، وإسلامى، لكن ود الأشقاء لم يسقط مطالب المصريين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

من دمشق إلى قطاع غزة، تحركت بوصلة اهتمام الرئيس وجماعة الإخوان. فى القطاع رافد إخوانى يحمل السلاح ويقاوم الاحتلال. كان يمكن أن تكسب فلسطين مزيداً من تعاطف المصريين لو أن تحركات الإخوان نحو الأراضى المغتصبة كانت عربية أكثر منها تنظيمية، لكن ديوان الرئاسة ومكتب الإرشاد، لم يريا من محنة فلسطين إلا قطاع غزة الذى تسيطر عليه "الشقيقة حماس"، وغض النظر عما تتعرض له القدس والضفة الغربية اللذين تسيطران عليهما "الغريمة فتح".

لم تلق عشوائيات القاهرة والأقاليم ما لاقته غزة من اهتمام حكومة السيد الرئيس، لا حرج فى أن يبتلى المصريون بالظلام، حتى تضئ غزة سماواتها.. أيقن الرئيس أن التحرك خارج الإقليم وحده لا يصنع "زعامة"، لكن على العكس، جلب سخطاً شعبياً لم تستطع وقفات "دعم غزة" التى نظمتها جماعة الإخوان، أن تواريه، ولم تقلل من وطأته الإشادات الدولية بحكمة وأهمية دور القاهرة.

كحبات عقد منفرط، سقطت وعود الرئيس. عجزت حكومته عن توفير الخبز، ولم تكفل كرامة لوطن أو مواطن، وتجاوزت كافة مراحل الفشل فى اختبارات العدالة الاجتماعية. لم يعد الرئيس تشكيل "التأسيسية" ولم يوف حقاً لشهيد. لم يستطع مرسى أن يكون جسراً يعبر من خلاله المصريون مملكة الشهداء إلى جمهورية الأحياء، بل على العكس، كانت حكومته سبباً فى المزيد من الضحايا.. خرطوش "داخلية" الرئيس يقتل، وقطارات وزارة النقل أيضاً تنتج شهداءً جددا، كانوا فقط طلاب علم، لم يتجاسروا ويطالبوا بإسقاط نظام، ولم تراودهم أحلام الحرية.

أمام حالة "اللا قصاص"، وأمام تزايد أعداد الشهداء، راودت صورة "رجل الدولة" أحلام الرئيس "الثورى".حاول تجاهل الدماء، أمام متطلبات البناء، فالأهل والعشيرة بينهم رجال أعمال أكفاء، لكنه أيضاً عجز. ربما نسى أن رأسمالية رجل الأعمال لا تبنى دولة، فقط تخلق مجتمعاً أكثر ميلاً للاستهلاك..فاجأنا الرئيس بأن تجار "العشيرة" لديهم ما يكفى لاستئجار "هليكوبتر" توثق مليونيتهم، لكنهم لم يستطيعوا التفكير ولو للحظة فى إصلاح مرفقاً عاماً بالدولة، أو رد حقاً لمظلوم.

بيده ويد جماعته، يحكم الرئيس الخناق حوله، يدفع عقارب الساعة نحو 25 يناير جديد. بات واضحاً أن النظم السياسية العاجزة عن ملء محيطها، لا تستحق البقاء. أصبح جلياً أن النظم التى ترى شعوبها ومحيطها الإقليمى ودول الجوار بعين واحدة، ولا تمتلك إلا خطباً معلبة لـ"الأهل" و"العشيرة" لن تمتلك ـ بمنطق الأشياء ـ القدرة على الاستمرار.

فى ميدان التحرير اليوم، مهاجرون بلا أنصار، يقفون منفردين أمام محاولات انفراد الإسلام السياسى بتفسير دين الله وسنة نبيه، وتطبيق شريعة السماء على أهل الأرض. وفى القصر رئيس عليه ألا ينسى، أن من نشأوا أسفل صورة مبارك فى المدارس هم من مزقوها فى الميادين. فى الميدان اليوم، أمة فى الغار.. إما أن تنجو مصر بهم، أو تضيع من ورائهم. وفى السلطة اليوم جماعة رصيدها السياسى يتجاوز 84 عاماً.. إما أن تلتفت إلى أصوات العقلاء، وإما تسطر بأيديها نهاية عقود من العمل العام.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو علي

الله ينور

عدد الردود 0

بواسطة:

بالعربى

ميدان التحرير.. أمة فى الغار

منغير نقطه

عدد الردود 0

بواسطة:

ozabebo

مقال رائع

مقال رائع ووصف شامل لادارة الرئيس للدولة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد كمال

فشل مرسي كان متوقع

عدد الردود 0

بواسطة:

ريم عبد الحميد

الله عليك يا محمود

عدد الردود 0

بواسطة:

mohamed abd elrahman

رائع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة