بامتياز.. سقطت كل القوى السياسية المصرية فى اختبار الوطنية، وأثبتت أن كل همها هو الحصول على أكبر قدر ممكن من الغنائم والمكاسب غير مكترثة بمصلحة مصر التى يجب أن تعلو فوق كل اعتبار.
رفعت هذه القوى شعار "أنا ومن بعدى الطوفان"، فالمصلحة الشخصية هى فقط الأهم ومحاولة التهام الكعكة بأكملها كان الهدف الأعلى والأسمى لهم.
وللأسف الشديد بدا التناحر والصراع بين القوى الإسلامية من ناحية والقوى المدنية من ناحية أخرى وكأنه صراع بين مسلمين وكفار أو صراع بين أشخاص مختلفى المذاهب والأديان واللغة أو بين أعداء وليس بين أبناء الوطن الواحد الذى يُفترض أن الذى يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم.
فقد بلغ الاستقطاب السياسى فى مصر بين الجانبين حداً كبيرا، وأصبح تشويه كل طرف ومحاولة إقصائه وإنزال الهزيمة به هو ضالة الطرف الآخر.
والنتيجة هى تعطيل مصالح العامة وشل حركة المجتمع، وتشويه صورة الثورة المصرية، كل طرف من الأطراف يتصرف وكأنه مالك هذا الوطن ووصى على هذا الشعب يتحدث باسمه ويأخذ قرارات بالنيابة عنه، والشعب المصرى لا يريد وصاية من أحد ولا يريد من أحد التحدث باسمه، فهذا الشعب الذى ثار ضد الطغيان وضد الاستبداد فى 25 يناير على وعى كاف لتقرير مصيره.
الأمر الآخر هو أن كل طرف يتصرف وكأنه مالك لقانون ودستور هذا البلد، كل طرف يقوم بحشد أنصاره ومؤيديه ضد أى قرار لا يعجبه فى تظاهرات ومليونيات حاشدة، أعلم جيدا أن حق التظاهر السلمى مكفول وفقا للدستور والقانون، وهو أيضا أحد الحقوق الأساسية التى نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن لا يمكن أبداً الخروج عن الشرعية باسم حرية الرأى أو حق التظاهر.
فمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى من قبل أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل لترهيب الإعلاميين هو أمر مرفوض، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع القضاة من دخول المحكمة ومباشرة عملهم هو أمر مرفوض، ومحاصرة قصر الاتحادية من قبل القوى المدنية لإسقاط الرئيس المنتخب هو أمر مرفوض، ومحاصرة بعض مقار الصحف المستقلة ومقار الأحزاب ومحاولة حرق بعضها هو أمر مرفوض، ومحاصرة أعضاء النيابة العامة لمكتب النائب العام وإجباره على الاستقالة (قبل العدول عنها بعد ذلك) هو أمر مرفوض، واستباق بعض القوى المدنية إعلان نتيجة الدستور قبل إعلان النتيجة الرسمية من قبل اللجنة العليا للانتخابات هو أمر مرفوض.
لقد أخطأت جميع القوى المدنية فى حق الوطن أولاً وفى حق نفسها ثانيا، فالقوى الإسلامية - على اختلاف توجهاتها سواء كانوا إخوان مسلمين أو سلفيين... إلخ، والتى ظهرت إلى النور بعد ثورة 25 يناير بعد سنوات من العيش فى الظلام تطل علينا وكأنها محتكرة للإسلام والمتحث الرسمى الوحيد باسمه، واعتبرت أى انتقاد لها هو انتقاد للإسلام وهذا غير صحيح.. والقوى المدنية التى فشلت فى ايجاد أرضية شعبية حقيقية لها فى الشارع المصرى، مستمرة فى حشد الشعب ضد كل ما هو إسلامى أو بمعنى أصح كل ما هو إخوانى بصرف النظر عن كونه صحيحا أم خاطئا، وقد تجلى ذلك فى مقاطعة العديد من هذه القوى لجلسات الحوار الوطنى الذى دعا لها السيد رئيس الجمهورية ورفضها الجلوس على مائدة المفاوضات بدون موافقة الرئاسة على شروط مسبقة.
لقد حولت القوى الوطنية والنخبة السياسية فى مصر المشهد السياسى إلى مشهد عبثى، فالكل يضرب فى الكل، والمحصلة فى نهاية المطاف أنه لم يفز أحد فالجميع خاسرون وأولهم الوطن، وأتصور أننا لسنا بحاجة إلى مؤامرة لإجهاض الثورة، لأن صراعاتنا الداخلية ستوفر للمتآمرين جهدهم وتحقق لهم مرادهم.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة