يبدو أن اختلاط المفاهيم عند البعض قد تعاظم بحيث تحولت الحرية إلى فوضى، وتحول التعبير عن الرأى إلى استفزاز الآخرين بدلاً من احتواء جميع الآراء.. وبالتالى تحولت الديمقراطية إلى كائن خرافى نطارده ويطاردنا، ولا نعرف كيف نقيمه، ولا كيف نصل معه إلى تقدير أو إلى معنى حقيقى. أتحدث عن واقعة التراشق بالألفاظ التى لا تليق من بعض وكلاء النيابة ضد النائب العام الجديد المستشار طلعت إبراهيم عبدالله، وفى الطرقات أمام مكتبه بأسلوب أقل ما يوصف ويقال عنه إنه تصرفات غير مسؤولة من فئة المفترض منها أن تعلو فوق هذه التصرفات، غير حضارية، فالمفترض أنها أرقى سلك فى ساحة العدل والقضاء، فكيف تستقيم الأوضاع فى مكان هو منبع القدوة والهيبة، فإذا مس أحد هاتين المفردتين، فإن الأمر خطير ومريب ويدعو للأسى. لقد أحسست بمنتهى الاستقزاز والقرف وأنا أتابع ما حدث أمام طرقات مكتب النائب العام الجديد.. مشهد آلمنى وجعلنى أطالب بإعادة تقييم أنفسنا لأنفسنا، ماذا نفعل وماذا يجب أن نفعل؟ فما يحدث ليس من شيمة أهل القضاء والعدل، وهذه البديهيات كان لابد أن تحسم بعد ثورة 25 يناير 2011، فإذا كنا لا نزال نلف وندور حول مفاهيم وأصول تسيير العمل، فإن الوقت لابد أن يكون فوق رقابنا جميعًا، لإنه ليس من مصلحة الجميع الانسياق وراء ما يعطل عجلة الإنتاج، خاصة فى مجال القضاء الذى هو حجر الزاوية لكل ما يتعلق بمفاصل الدولة فى الوقت الراهن، وما وصلنا إليه من متاهات وتضليل يجعلنا نشعر أن مصر تتفكك، وعلينا أن نكون يقظين تمامًا نحو عودة وطننا إلى وضعه الحقيقى. فى حدث واقعة المستشار طلعت عبدالله، ومحاولة إجباره على كتابة الاستقالة، أسلوب يدعو للريبة، ويؤكد أننا فى مأزق، حيث أدخل هؤلاء المستفزون أهواءهم فى قضايا الدولة المصرية، لأن منصب النائب العام هو من أرفع مناصب الدولة، وليس هناك شىء فوق ميزان العدالة.. والمدهش أن القائمين بهذه المناوشات من المفترض أن يكونوا قمة الالتزام واحترام البروتوكولات والكفاءات.. لقد استفزنى هذا التصرف فى الطرقات كما قلت لأنه يفضح ما بداخل هؤلاء من تدن، ولا أعرف كيف يستقيم سير العمل وسط هذا الجو المتخبط الكئيب. إن هذا التطاول على النائب العام الجديد هو شىء سلبى يتراجع بنا إلى الوراء، ويعطى صورة مشوهة لمصر جميعها.. فالرجل طلعت عبدالله قد قبل الموقف والمنصب فى ظروف صعبة، لإنقاذ البلد من الانقسامات ومروجى الشائعات التى ترددت أن هذا النائب العام غير شرعى، وهم لا يعرفون تاريخ طلعت عبدالله الذى يحمل الشرف والنزاهة والالتزام، وهو برغم علمه الغزير وسعة إنجازاته شديد التواضع، ولديه زهد العلماء، هو فى الرابعة والخمسين من عمره، كان نائبا لرئيس محكمة النقض وأحد أعضاء اللجنة المشكلة من نادى القضاة لتوثيق وكشف تزوير انتخابات عام 2005، وقد قام فى هذه المهمة بإنجاز شهد له الجميع، حيث تمت إعارته بعد تلك المهمة إلى دولة الكويت عام 2007 للاستفادة من خبراته، واليوم وإذ صعد الرجل إلى هذا المنصب كنت أتخيل أن يرحب به الجميع، فهو من ثقات العارفين فى مجاله.. وقد أسعدنى الدور الذى قام به المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، حين قال إن المستشار طلعت عبدالله له تاريخ مشرف فى الدفاع عن استقلال القضاة.. جاء ذلك أمام وفد من نادى القضاة ونوادى قضاة الأقاليم منذ أيام.. وأنا أترقب دوراً كبيراً من الرجل القدوة المستشار أحمد الزند، وأنا أثق فى حكمته وبراعته فى الانحياز للعدل.. أنتظر منه الدور الأعظم فى لم الشمل، وأضع عليه ثقة كبيرة فى تجميع القضاة ووكلاء النيابة على كلمة سواء. نحتاج اليوم إلى مثل هذا الدور لأننا فى مفترق الطرق ولا نزال، وكلما بدأنا العزم فى خوض تجربة جديدة، إذ بنا نواجه المصاعب والعراقيل التى من شأنها العودة إلى نقطة الصفر.. وأنا علمت أن المستشار طلعت عبدالله سيلتقى ببعض وكلاء النيابة للتعرف على المشاكل التى تواجههم، وهى فرصة للتلاقى وتبادل الرأى حول الصواب بدلاً من استثمار الأخطاء والتجاوزات. أتمنى أن يثمر اللقاء عن مزيد من الثقة والتواصل المشرف بدلاً من تفاقم الأزمة، لأننا لو استسلمنا لمثل هذه التظاهرات سوف ندخل فى دوامة الفوضى التى تقودنا إلى انحلال الدولة لا قدر الله. فهذا النائب عين العقل، وقد أعجبنى قراره الأخير فى نقل الرئيس السابق محمد حسنى مبارك إلى مستشفى المعادى، حين وجد أن هذا القرار الإنسانى الجرىء يرضى ضميره مثلما يرضى ضمير المصريين. هذا رجل من روح مصر، ومن قلبها، متهم برىء علينا انتظار دوره، وإتاحة الفرصة له للعمل فى هدوء بدلاً من المزيد من المهاترات والمتاهات. علينا اليوم لم شمل الوطن، ولم شمل الحوار لنصل إلى نقطة التلاقى التى منها يمكننا أن نبنى مستقبلاً واعداً، ونعيد تشكيل الوطن وترتيب البيت الذى يليق بمصر وبحضارتها وبتاريخها، ليبقى القضاء المصرى العمود الفقرى الثابت دائمًا الذى لا يقبل المساومة أو الانهيار أو العبث من خلاله.
محمد فودة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
معك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
نادر
؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
مقال رائع وصادق
التعليق فوق.
عدد الردود 0
بواسطة:
شريف
لازم ان نعمل كلنا من اجل مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
هناء
الى العمل كفاية
عدد الردود 0
بواسطة:
abosere
هل من مستمع لصوت العقل
عدد الردود 0
بواسطة:
اميرة
عين العقل
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء رمضان
هي دي مش من مطالب الثورة اقالة النائب السابق