طارق الزمر

مصر إلى أين؟

السبت، 29 ديسمبر 2012 04:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت مصر خلال الأسابيع الماضية بأكبر حالة احتقان سياسى ربما لم تشهدها على مدى فترات طويلة من تاريخها المعاصر.. احتقان تصور البعض أنه قد يذهب بنا نحو حرب أهلية، وتصور البعض الآخر أننا على حافة الهاوية وأننا قد بلغنا نهاية العالم!

ولأن هذه الأيام تعد بكل المقاييس مرحلة مهمة وخطيرة أيضا فى مسار الثورة المصرية، وجب أن نتعمق فى دراسة أسبابها وأن نحلل كل مكوناتها الرئيسة وأن نقف عند دلالاتها المهمة، وذلك حتى لا تمر دون فهم صحيح لكل أبعادها ودون الاستفادة منها.

بداية، لابد أن نقرر أن مصر قد عرفت فى 25 يناير 2011 ثورة فريدة من أهم الثورات التى عرفتها على طول تاريخها ولا يمكن لدارس لتاريخ الشعب المصرى على مدى سبعة آلاف سنة، إلا أن يقف أمام هذه الثورة مندهشا ومبهورا أيضا.

ولعل من أهم المفارقات التى تستدعى العناية فى ذلك هى تلك التى تنتبه لذلك الخروج الشعبى واسع النطاق والذى أعلن عن غضب عارم -لم تشهد مصر مثله- على ذلك الظلم الفادح الذى استمر خلال ثلاثين عاما.. بل إن غضب الشعب فى هذه الثورة يجعلك تتصور أنه غضب مخزون منذ قرون طويلة، وأن الشعب المصرى الذى خرج بهذا الشكل على مبارك أراد أن يقول إن غضبة اليوم غضبة شاملة لا تقف عند ظلم مبارك والاعتراض على نظام حكمه، وإنما غضبة ممتدة عبر التاريخ واستنكار حاسم لكل صور الاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى والقهر التى تعرض لها.

ويجب ألا يغيب عن عقلية المحلل والدارس لأيام هذه الثورة العظيمة كيف أنها ضبطت أعصابها -رغم مخزون الغضب الهائل- وكيف أنها لم تنجرف إلى عنف تمتلك كل مبرراته أو تخريب غير منطقى تدفع إليه حالات خروج الإنسان عن شعوره فى لحظات الغضب الشديد، وهى فى ذلك إنما تعكس مخزونا حضاريا لدى هذا الشعب يظهر فى أصعب الظروف وأحلك الأوقات.

هذه القواعد يجب أن تكون حاضرة ونحن نحلل ما يجرى بمصرنا اليوم.. وكذلك ونحن نتوقع المسارات التى تحملها الأيام لهذه الثورة الرائدة.. وكذلك ونحن نستبعد كثيرا من التحليلات المتشائمة التى لم تأخذ فى حسبانها ثوابت هذا الشعب التى اختُزنت على مدى القرون والتى تبشر بمستقبل عظيم لثورة هزت الضمير الإنسانى وألهبت المشاعر الجادة والصادقة فى كل مكان فى العالم.

فى ضوء ما سبق يمكن أن نرى ما جرى من أحداث متلاحقة واحتدام للخطاب السياسى هو أمر طبيعى: إذا ما قيس بثورة لا تزال فتية وحالة غضب لا تزال حاضرة وأوضاع فاسدة لم تقتلع بعد، والأهم من ذلك أن النتائج المرجوة من الثورة لم تظهر مؤشراتها، كما أن معاناة الفقراء لا تزال تتزايد وربما بشكل بشع.

لكن ذلك لا يبرر بحال: أن يصل الخطاب السياسى إلى ما بلغه من حدة وتجريح وتخوين تجاوز كل حدود العقل والمنطق السياسى.. ولا يبرر بحال أن يعتمد البعض على أساليب التهييج والإثارة التى تم استخدامها فى مواجهة نظام مبارك الفاسد.. ولا يبرر بحال لجوء البعض إلى العنف المنظم أملا فى أن تمتد آثاره حتى يصبح ظاهرة عامة!! لا يبرر بحال مناشدة البعض للقوى الدولية لكى تتدخل فى أخص شؤوننا الداخلية وهو الدستور.

كل ذلك يدعو إلى وقفة جادة: تستوعب كل القوى السياسية الحية، وتستجمع كل عناصر الرشد فى مجتمعنا الأصيل وتستنهض كوامن الخير فى شبابنا الذى فجر الثورة وتستعين بكل قادة الرأى والفكر فى بلادنا.. وذلك حتى نقوّم تجربة الأسابيع الحرجة الأخيرة ونخرج منها بأهم الخلاصات والفوائد ونبدأ على أثرها حوارا شاملا -لا يقصى أحدا- ولا يستبعد قضية من قضايا المجتمع والثورة.. وذلك فى سبيل الوصول إلى برنامج طويل المدى لتحقيق أهداف الثورة يكون موجها للحكومات المقبلة ومعيارا على مدى نجاحها أو فشلها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة