عادت بى الأيام إلى أكثر من خمسة أشهر تحديدا فى يونيو الماضى وخاصة يوم انتخابات المرحلة الثانية من الرئاسة وكان الاختيار بين "أحمد شفيق" و"محمد مرسى".
كان الطريق طويلا للغاية بالنسبة لى بالرغم من قصره فأنا لن أقل عن نفسى إنى ثائر من الدرجة الأولى، فأنا لم أكن من المرتادين باستمرار للاعتصامات أو المظاهرات ولا أستطيع أن أنعت نفسى من رواد حزب الكنبة لأنى اهتم للغاية بما يحدث فى بلدى بشكل كبير أكثر من أى بلد آخر لاهتمامى الكبير بأن ينتهى هذا البلد من تلك الصراعات كى يشعر الشعب أنه أراد أن يغير وغير بالفعل، ولكن التغير الآن إلى الأسوأ بكل المقاييس ولكن ما كان يشغلنى يومها هو أكثر من موضوع.
لماذا لم يترشح عدد أكبر من أولئك الثلاثة عشر إلى الرئاسة؟
لماذا لم تكن المرحلة الثانية بين مرشحين آخرين؟
ما هى النتيجة النهائية؟
هل "أحمد شفيق"؟
هل "محمد مرسى"..؟
أصارحكم القول إنى لليوم الأخير ما قبل الذهاب للتصويت فى المرحلة الثانية كنت مشوشا بشكل كبير، بعد ما كنت أسمعه وأقرأه فى وسائل الإعلام المختلفة التى حاولت قدر المستطاع أن تكون محايدة ولكنها لا تريد أى من المرشحين بشكل صريح ولكن لاعتبارات مهنية ولدرء شبهة النفاق والضغط فى اتجاه ضد آخر أو التمييز ما قبل التصويت كان من الواجب على الإعلاميين أن يتحدثوا عن كافة المرشحين بمبدأ مميزات وعيوب من وجهة نظر كل إعلامى وصاحب رأى، ولكن كان المضمون يقول إن أحد المرشحين يرفضه الثوار لرأيهم بأنه لم ينقذ الموقف حينما كان فى خضم الأحداث والمسئولية والآخر كان هناك شبه ارتياح مشوب بالحذر من وصوله إلى الحكم.
سرت إلى أن وصلت إلى اللجنة وزاد التشوش أكثر داخل رأسى بمئات الأفكار والسيناريوهات..
أعلم أن اليوم هو يوم الحسم ونهاية المطاف الذى طاف به بلدنا العظيم بعد معاناة اقتربت من السنتين عانى منها الشعب بكامل طوائفه وأفكاره الأمرين من الانقسامات والاعتصامات والمظاهرات السلمية والحناجر التى علت أصواتها مطالبة بالحرية وغيرها من المطالب الفردية والجماعية.
أرى أناسا يملأ وجوههم الهم ولا تعتلى الابتسامة أعينهم فى الشارع أو حتى أمام المدرسة التى ذهبت لأصوت بها وبرأسى أكثر من سؤال ومن حولى يتكلمون وفاجأنى أن لديهم نفس الشعور الموجود بداخلى.
للمرة الأولى منذ بدء الانتخابات التى شملت مجلسى الشعب والشورى التى رأيت فيها فرحة واضحة أو خفية فى عيون الناس قبل وبعد التصويت لم أر أيا منها فى ذلك اليوم.
مر ما يقرب من ساعة ووجدتنى أدخل إلى طابور آخر أمام الفصل الدراسى محل لجنة التصويت وزادت ضربات قلبى بدون سبب محدد وددت أن أعود للمنزل بلا تصويت يذكر، وهو ما عدلت عنه سريعاً فأصولى "الصعيدية" تمنعى من التراجع وتنشئتى فى "الإسكندرية" نالت قسطا كبيرا من التأثير على ولا بد من أن أقول كلمتى أنا مهما كانت.
جاء دورى ودخلت إلى اللجنة واستلمت ورقة التوصويت وحانت اللحظة وما أن اقترب القلم من الورقة كنت اتخذت القرار النهائى والبات وقمت بوضع علامة "خطأ" على كلا المرشحين وكتبت أٍسفل الورقة "الثورة مستمرة" وطويت الورقة، وأنا أشعر بفرحة غامرة بالرغم من أنى أبطلت صوتى ولكنى وجدت راحة غامرة تملأنى، وأنا أسير فى الشارع، أبتسم دون غيرى ممن حولى الذين سادهم التجهم لا أعلم هل من المجريات الحالية؟ أم من حرارة الجو فى ذلك اليوم؟! أم من شىء آخر؟
جالت فى رأسى عدة أسئلة وكان على رأسها: لماذا لم أختر أى منهم؟؟
وجدتنى أقول لنفسى إنى أستطيع تحمل مسئولية ما أقوم به.. وليس ما يقوم به غيرى.
هل إن انتخبت أحدهم ومرت الأيام وأخطأ فى إدارة البلاد.. هل سأكون سببا فى ذلك؟؟
بالطبع نعم لأن صوتى أمانة وإن أعطيت صوتى لمن أساء استخدامه بعد مرور الوقت من وقت التصويت سأكون مسئولا عن ذلك بلا أدنى شك وارتاحت نفسى إلى تلك الإجابة ومرت الأيام وبدأت أسمع عن قرارات خاطئة وأشباه قرارات تصنع سريعا وتمحى بشكل أسرع وأن الحركات يعلوها التوتر والتخبط والانقسام بات سيد الموقف بعد أن كان الشعب وأطيافه يدا واحدة ومن بعده الشعب والجيش يد واحدة إلى أن وصلنا الآن إلى ما يحدث
الشعب بات فريقين يفصلهما حواجز خرسانية.
الدماء تسيل وأصوات الرصاص فى كل مكان.
اتهامات من هنا وهناك بالخيانة والعمالة والاستقواء بالخارج والكثير من الادعاءات.
حدث ما خشيت من حدوثه بعد أن كان الشعب وجها واحدا أمام الظلم بات الظلم باسم الدين والشريعة التى لا تمت إلى أى من معانى الهوان والظلم بصلة.
الشريعة تدعو إلى الاتفاق لا الاختلاف وإن حدث الاختلاف يكون هناك أسلوب وحلول تحيط وتحتوى كل ضامر يأتى من كل فج عميق من محافظات مصرنا المحروسة وليس ما يحدث الآن.
لهذا لم أحزن على ما فعلت منذ ستة أشهر.
لهذا لم أندم على ما كتبته على ورقة الاستفتاء بخط قوى "الثورة مستمرة".
لهذا لم أعطك صوتى.
