يوسف عوف

مجلس الشورى.. أكذوبة الاستقرار

الجمعة، 28 ديسمبر 2012 02:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كيف نحدد موقفنا من مشروع دستور جديد؟ كان ذلك سؤالا ملحا فى مصر على امتداد الأسابيع الماضية قبل، وخلال عملية الاستفتاء على مشروع الدستور. كان يردد البعض، فى سياق دفاعه عن الدستور المصرى الجديد، أن هذا الأخير مقبول فى مجمله وأن ما انطوى عليه من مواد مرفوضة، أو محل نظر، هو عدد قليل للغاية لا يمثل مشكلة كبيرة بالنظر لمجمل الدستور. والحقيقة، فيما أعتقد، أن مادة واحدة مرفوضة كانت، وما زالت، تكفى لرفض الدستور برمته وتستوجب إعادة النقاش حوله مجدداً. لا أجد مثالاً أفضل من المادة رقم 230 من دستور مصر "الجديد" للتدليل على ما تقدم قوله. قررت هذه المادة أن "يتولى مجلس الشورى القائم سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد".

كثيرة هى الأسباب التى تدعو لرفض ذلك النص على النحو المتقدم، غير أن مسألتين جوهريتين هما ما يثيرا، بالأساس، هذا الحجم من الرفض. المسألة الأولى تتلخص فى أن نقل سلطة التشريع كاملة لمجلس الشورى يصطدم اصطداماً شديدا بمبدأ "التمثيل النيابى". ذلك أن الأخذ بنظام "الديمقراطية النيابية" كشكل للحكم فى الدولة يقتضى الالتزام بمبادئ ذلك النظام و أولها أن النيابة عن الشعب (التى يمثلها مجلس منتخب) إنما تكون لتمثيل الشعب فى حدود ما انتخب النائب من أجله. ولذلك فحين ينتخب المواطن من "يمثله" أو من "يوكله" لينوب عنه فإن الأمر يقتضى الالتزام بأمر لا فكاك منه هو الوظيفة التى وكل أو انتخب من أجل أدائها المجلس المنتخب، و هى الوظيفة المعلومة مقدماً وتعد أساساً جوهريا للاختيار.

لما تقدم، لا يصح بحال، بشأن مجلس الشورى، أن ينتخب الشعب مجلساً استشارياً بصلاحيات محددة (محلها المادة 37 من إعلان مارس 2011 الدستورى) ثم يتحول ذلك المجلس إلى برلمان له كامل الصلاحيات التشريعية، وهو ما يعد اعتداء على الإرادة الشعبية وخروجاً عليها. ولا يقبل الاحتجاج فى هذا المقام بالقول إن الإرادة الشعبية هى من منحت، بالموافقة على الدستور الجديد، مجلس الشورى هذه المهمة التشريعية، ذلك أن "إرادة الانتخاب" تختلف عن "إرادة إنشاء سلطة جديدة" فالإرادة الأولى تتجه لاختيار نائب لأداء وظيفة معلومة سلفاً، أما الإرادة الثانية فتتجه لإنشاء سلطة جديدة يتحتم معها إعادة انتخاب من سيقوم بها و ذلك حتى يكون المواطن على بيّنة من أمره حين الاختيار.

أما المسألة الثانية فهى أن أمر منح مجلس الشورى هذه السلطة التشريعية يعد إخلالاً جسيما بتكافؤ الفرص وإهدارا كاملا لقواعد العدالة فى مجال الممارسة السياسية. فالمعلوم أن تيار الإسلام السياسى هو من يشغل أغلبية مقاعد مجلس الشورى، ويتضح ذلك من التذكير أن أحزاب الحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية والأصالة حصدوا 147 مقعدا من أصل 180 مقعداً للأعضاء المنتخبين. ومن المعلوم أيضا أن قراراً صدر من رئيس الجمهورية بتعيين 90 عضوا جديداً بمجلس الشورى وهو العدد الذى يشكل ثلث أعضاء المجلس مجتمعا، وبتلك التعيينات ارتفع عدد الأعضاء المنتمين لتيار الإسلام السياسى إلى ما يزيد على 180 عضواً (من أصل 270 عضواً) أى ما يزيد على ثلثى أعضاء المجلس. أى ديمقراطية هذه التى يتحكم معها تيار سياسى معين فى مجلس انتخب على أساس كونه مجلساً استشارياً (مجلس الشورى) فقرر هذا التيار نفسه، بأغلبيته التى سيطرت على الجمعية التأسيسية، أن يمنح سلطة التشريع كاملة للمجلس الذى يسيطر هو (نفس التيار) على أغلبيته؟ ثم أى ديمقراطية هذه التى يستبد فيها بسلطة التشريع مجلس ثلث أعضائه ــ لا عشرة أعضاء مثلاً ــ جاءوا بالتعيين من رئيس السلطة التنفيذية الذى ينتمى لنفس التيار السياسى الذى سيطر على الجمعية التأسيسية ويسيطر على مجلس الشورى الآن؟ أهناك إخلال بقواعد العدالة وإهدار لتكافؤ الفرص أشد من ذلك؟؟

فوق كل ما تقدم، لا ينبغى أن نغفل عن التذكير أن مجلس الشورى هذا انتخَب "ثلثى" أعضاءه أقل من سبعة بالمائة من الناخبين فحسب (لما استقر فى أذهان المواطنين، حين الانتخاب، من أن هذا المجلس لا قيمة له)، ولا أن نغفل عن التذكير أن هذا المجلس نفسه انتُخب على أساس قانون غير دستورى، وقد مُنع القضاء من القيام بوظيفته فى هذا الشأن، منعٌ "قانونى" بإعلان 21 نوفمبر الاستبدادى حين حصّن مجلس الشورى من الطعن عليه، ومنعٌ مادى بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل "متظاهرين".

بعد كل ما تقدم، سيمضى مجلس الشورى فى مهمته غير الشرعية نحو إصدار قوانين جديدة سيكون لها أبلغ الأثر على ما هو قادم من أيام مصر، وأخطر هذه القوانين المزمع صدورها هو قانون مجلس النواب. يعنى ذلك ـ من بين ما يعنى ـ استمرار تحكم التيار السياسى نفسه فى قواعد اللعبة السياسية جميعها، كما يعنى الإجهاز على ما تبقى من فكرة التوافق الوطني، نتيجة ذلك كله ضياع الأمل الذى من أجله قال القائلون "نعم" للدستور الجديد؛ أمل الاستقرار.

• باحث دكتوراه فى القانون الدستورى والنظم السياسية-جامعة القاهرة .






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة