أصبح أمل مصر مفقودًا فى استعادة أموالها التى تم تهريبها إلى الخارج بأيدى رجل الأعمال الهارب حسين سالم، صديق الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا بإسبانيا قرارًا بإلغاء تسليمه للجهات المصرية، مؤكدة فى حيثيات حكمها، بعد الطعن المقدم منه، أن المتهم يحمل الجنسية الأسبانية منذ عام 2008، ويكون بذلك مواطنا أسبانيا يحظر القانون تسليمه إلى أى دولة سوى الدول التى تعقد أسبانيا معها اتفاقيات دولية ثنائية فى مجال تسليم المتهمين.
رفض المحكمة العليا فى أسبانيا تسليم حسين سالم لمصر لم يكن مفاجئا، وإنما سبقه مؤشرات تؤكد أن "سالم" لم يتم تسليمه إلى مصر وذلك لعدة أسباب، أهمها أنه يحمل الجنسية الإسبانية، فضلا عن وجود مصالح اقتصادية مشتركة بينه وبين أسبانيا مما يجعل أمر تسليمه فى غاية الصعوبة، خاصة وسط الأزمة الاقتصادية التى تعيشها أسبانيا.
وكان الكاتب الأسبانى خافيير جونزاليس قد أكد فى مقال له، نشرته صحيفة الموندو الأسبانية بتاريخ 27 سبتمبر الماضى، أنه على الرغم من قرار القضاء الأسبانى فى ذلك الوقت بقبول الطلب المقدم من إدارة الكسب غير المشروع فى مصر بتسليم على إفسن، التركى الجنسية وشريك "سالم"، إلى السلطات المصرية لاشتراكه فى جرائم غسيل الأموال وتهريب أموال عبر شركاته، إلا أن هذا لا يعنى أن القضاء الأسبانى سيقرر تسليم "سالم" للجهات المصرية، لأن هذا الأمر مستبعد، خاصة أنه يحمل الجنسية الأسبانية، كما توجد مصالح مشتركة بينه وبين أسبانيا بسبب استثماراته فى تلك الدولة الأوروبية.
وأشار الكاتب إلى أن حمل "سالم" للجنسية الأسبانية، فضلا عن وجود ممتلكات له فى أسبانيا، جعله مستفيدا من مكوثه فيها، وعدم تعرضه للقضاء المصرى مثل رجال رئيس مصر المخلوع حسنى مبارك، كما أن "سالم" يستثمر أمواله فى أسبانيا مما يجعل أمر تسليمه صعبا لأنها تستفيد منه اقتصاديا.
أما الكاتب الأسبانى كارلوس جارثيا فقد أشار، فى مقال بصحيفة الإكسبانسون بتاريخ 23 أكتوبر، إلى أن مصر طالبت السلطات الإسبانية بتسليم "سالم" أكثر من 4 مرات، ولم تدرك أن جميع المؤشرات كانت تؤكد أن "سالم" لن يعود إلى مصر مرة أخرى، إلا أن الجهات المصرية لم تيأس من هذا الطلب، لافتا إلى أن الجهات المصرية بعثت برسالة للسلطات الأسبانية تطلب فيها تسليم "سالم"، وتتضمن اتهامه بالاستيلاء على أراضى الدولة بدون وجه حق، وذلك من أجل إعادة محاكمته، ويتزامن ذلك الطلب مع المساعى التى بذلها فى هذا الصدد "على المرى" النائب العام القطرى ورئيس المنتدى العربى، لاسترداد الأموال العربية المهربة للخارج، حيث توجه إلى مدريد لبحث استعادة الأموال العربية المهربة إليها، خاصة فيما يتعلق بحسين سالم، ومتابعة إجراءات تسليمه لمصر.
وأوضح الكاتب أن "سالم" لن يعود إلى مصر، وتساءل: "لماذا عليه أن يعود؟؟"، مشيرا إلى أن "سالم" تنتظره فى مصر العديد من القضايا، فضلا عن عدم امتلاكه لأى أموال، أما فى أسبانيا فإن لديه الجنسية الأسبانية التى تمكنه من المكوث فى البلد دون أى مشاكل، فضلا عن وجود استثمارات له فيها تجعله يستفيد منها بأموال جديدة، و"سالم" يعرف جيدا أن أسبانيا لن تسلمه، وذلك لوجود مصالح مشتركة بينه وبين أسبانيا.
وأضاف الكاتب أن مصر أرسلت 3 طلبات إلى أسبانيا لتسليم "سالم" بوصفه متهمًا فى 3 قضايا، الأولى غسيل أموال، والثانية خاصة بتصدير الغاز لإسرائيل، والثالثة متعلقة بالتربح واستغلال النفوذ ومنح عقارات لنجلى "مبارك" كرشوة.
وأضاف الكاتب أن ما أكد أن أسبانيا تحتاج إلى استثمارات "سالم"، فى أزمتها الاقتصادية، أن دخول "سالم" إلى البلاد كان يشوبه بعض الشكوك، حيث تضاربت الأنباء فى وسائل الإعلام الأسبانية حول كيفية دخوله مدريد، وأكد موقع "تيرا" الإخبارى الأسبانى فى شهر يوليو الماضى أن السلطات الأسبانية عندما صادرت جواز السفر الخاص بـ"سالم" اكتشفت أنه "غير مختوم" بختم دخول البلاد بمطار مدريد، ما يعنى أنه دخل بطريقة غير رسمية، مضيفا أن توقيت دخوله أسبانيا غير محدد.
وعلى الرغم من هذا، يقول الكاتب، فإن عدة مواقع إخبارية أسبانية أخرى أفادت بأن "سالم" يعيش فى أسبانيا منذ 10 سنوات، وأنه تم سحب جواز سفره خلال إلقاء القبض عليه، ولكنها لم توضح وجود أى خطأ فيه خاص بختم دخوله الأراضى الأسبانية، وإن أسبانيا منحت "سالم" الجنسية لأنه عاش بها بصفة دائمة لمدة 10 سنوات، مضيفا أن السلطات الأسبانية اعتقلت ابن سالم "خالد" مرة أخرى، بعد أن أفرجت عنه مقابل دفع كفالة.
وبذلك فإن محاولات جهاز الكسب غير المشروع، برئاسة المستشار يحيى جلال فضل مساعد وزير العدل، لاستعادة حسين سالم أصبحت مستحيلة، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لم يفقد الأمل حتى الآن، وأصدر أمر ضبط دولى لـ"سالم" وأبنائه الهاربين فى أسبانيا، وذلك باسم "حسين سالم فوزى" بدلا من حسين كمال الدين إبراهيم سالم، على ذمة القضايا المتهم فيها على الأراضى المصرية، وذلك قبل أن تصدر المحكمة الدستورية بأسبانيا قرارها برفض تسليمه، وأبنائه، إلى السلطات المصرية.
ووفقا لحيثيات المحكمة الدستورية العليا بأسبانيا، والتى جاءت فى 16 ورقة، لم تعقد مصر مثل هذه الاتفاقية، كما أن الظروف الحالية لمصر غير مستقرة لما يحدث من تغييرات سياسية، فضلا عن الاعتداء على استقلالية السلطة القضائية من محاصرة المحكمة الدستورية العليا، وإرغام بعض القضاة على تنفيذ بعض التعليمات نتج عنها مقاطعة القضاة للعمل وتعليقه، سواء فى المحاكم أو النيابات، وبحسب ما ورد فى حيثيات الحكم، فإن "سالم" أكد فى دفوعه بأن السجون المصرية غير آدمية ولا تصلح، حيث أنها غير مجهزة بغرف عمليات وعناية مركزة، وهو ما حدث مع الرئيس السابق الذى لم يجد عناية صحية، كما أن اتهامه من قبل القضاء المصرى بغسيل الأموال له طابع سياسى وليس قانونيا.
وقالت المحكمة إن حسين سالم تجاوز عمره السبعين عاما، وهو ما يعنى أنه يعانى أمراض الشيخوخة ولا يستطيع التحرك، كما أن هذه الظروف الصحية التى يمر بها، بناء على التقارير الطبية، تؤكد أنه لا يمكن تسليمه إلى مصر.
وكانت مصر تقدمت إلى المحكمة الأسبانية بطلب تسليم حسين سالم بعد موافقتها على الشروط التى وضعتها المحكمة الوطنية الأسبانية لتسليمه، وتتضمن الشروط محاكمة "سالم" أمام محكمة تتكون من أعضاء غير الذين حكموا عليه غيابيا من قبل، ولا يكون الحكم، أيا تكن الجريمة، بالسجن مدى الحياة، أما الشرط الثالث فهو أنه فى حالة إدانة "سالم" فى الجرائم الأخرى الجارى التحقيق فيها الآن، فسيكون من حقه أن يطلب نقله إلى أسبانيا، التى يحمل جنسيتها، لقضاء العقوبة هناك.
وكان "سالم" طالب المحكمة العليا بالنظر إلى الأحوال الحالية التى تمر بها مصر من تغييرات سياسة، وأن تضع فى اعتبارها الاضطرابات القضائية التى تحدث الآن وفى مقدمتها إضرابات القضاة وحصار المتظاهرين للمحاكم، وإن الدائرة الثانية للمحكمة اتخذت هذا القرار على اعتبار أن "سالم" لديه الجنسية الأسبانية منذ عام 2008، وبذلك فإن هناك قانونًا يحظر تسليم أسبانيا مواطنيها إلى أى بلد آخر، حيث إن تسليم المجرمين المصادق عليه من قبل المحكمة العليا تكون باطلة لأن "سالم" تخلى عن جنسيته المصرية، وبذلك يكون السماح لمصر بالاستفادة من قانون تسليم المجرمين "سلبية".
وكانت المحكمة الدستورية قضت قبل 3 أيام بعدم تسليم نجلى سالم "ماجدة" و"خالد"، ووفقا للقناة الأسبانية فمن المستحيل إجراء طعن على هذه القرارات أمام أى جهة قضاء أسبانى أخرى، حيث إن هذه "الدستورية" هى الأعلى فى القضاء الأسبانى.
يذكر أن "سالم" تم اعتقاله بأسبانيا فى 16 يونيو 2011، عقب مذكرة اعتقال دولية صادرة عن النائب العام المصرى، اتهمه بعدة تهم منها غسيل الأموال وتلقى الرشوة والنفوذ المالى، وجمدت أسبانيا حساباته لديها، والبالغة 45 مليون يورو، منها ممتلكات فى مدريد وساحل "صول" فى ماربييا تبلغ قيمتها 10 ملايين يورو.
مصر تفقد الأمل فى استعادة أموال صديق "المخلوع".. كتاب أسبان يكشفون: استثمارات حسين سالم تنقذ أسبانيا من أزمتها الاقتصادية.. حكومة مدريد ترفض تسليم رجل الأعمال للقاهرة بسبب "الجنسية" وحصار "الدستورية"
الخميس، 27 ديسمبر 2012 12:04 م