إن التفاوض وتقارب المصالح من أساسيات بناء مجتمع يقوم على لغة الحوار، ويكون أساساً لبناء مؤسسات الدولة فهل شاهدنا كلاباً تتفاوض على عظمة؟ الإجابة لا إنها تتصارع حتى يكون هناك غلبة، وتتحارب لكى تحافظ على مكاسبها.
لكن الإنسان أعطاه الله القدرة على التفكير والتبادل فى المنفعة فلا يمكن لعاقل أن يعمل دون الآخرين فلن يكون هناك تبادل لمنافع إنسانية ولكن منافع لا عقلانية.
فوثيقة الدستور هى عقد اجتماعى فعندما تخرج وثيقة لا ترضى أطياف الشعب بنسبة تتعدى 90 % فإن القائمين على السلطة مغامرون على مستقبلهم.
لابد من النظر إلى جموع الشعب المصرى نظرة شمولية ولا يكون النظر من ميكروسكوب ذى عدسة محددة لفئة أو جماعة لأن النظرة الشمولية هى الباقية وهى الأوقع.
إن اتخاذ القرار من الحاكم فى بعض الأحيان يمكن أن تؤجل لو أن المصلحة العليا للوطن تقتضى تأجيله والتأجيل لا يعتبر ضعفا ولكن قوة للمفاوض الذى يجد أزمة أو معضلة أوعدم الوصول لاتفاق مرض لأطياف الشعب وحتى لا يكون المفاوض بلغة السياسة (ميكافيليا).
فصندوق الانتخابات ليس هو الديمقراطية، وإنما أحد وسائلها فتفوق جماعة فى التنظيم والحشد لا يعنى أن هذه الجماعة تحكم كيفما تشاء، وتقصى الآخرين لكن الحكمة تستوجب نظرة العقل ونظرة التوافق، وليس نظرة الغلبة والمغالبة، وصندوق الانتخاب لأن ميزان العدالة أن النخبة هى التى ترفع من شأن الكتلة، وأقصد بالنخبة المثقفين والمبدعين والعلماء والمفكرين، والكتلة باقى طوائف الشعب، وفى زمن تحارب فيه النخبة فسنجد فى النهاية أن طوائف عديدة من الشعب المصرى يعيش حالة من عدم الرضى والخوف على المستقبل ولا يوجد لديهم رؤية واضحة عن مستقبل أبنائهم مما يجعلهم يفكرون فى مغادرة البلد ولكن هل هذا فى مصلحة الوطن؟
إن خروج المثقفين ورجال الأعمال والمبدعين والعلماء من الوطن لن يجنى خيراً، ولكن سيؤثر على باقى طوائف الشعب فالفقير بخروج رجال الأعمال سيزداد فقراً والجاهل بخروج المبدعين والمثقفين سيزداد جهلاً.
فالتفاوض على الوثيقة أو العقد الاجتماعى والقانونى لإرضاء طوائف الشعب المختلفة يكون بالاتفاق والتراضى لاشك أن نسبة 80 % من البنود متفق عليها، ولكن الـ20% الأخرى تعتبر أساسيات لابد من مراجعتها والحوار بشأنها حتى بعد أن تم الاستفتاء على الدستور والموافقة عليه من جانب الشعب.
د. هيثم فتح الباب يكتب: شتان بين الفوضى والتفاوض
الخميس، 27 ديسمبر 2012 01:06 ص