أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى بيان أصدرته اليوم الخميس، عن نتائج تحقيقاتها فى الجرائم التى وقعت عقب هجوم مجموعات تابعة للحزب الحاكم على اعتصام سلمى أمام قصر الاتحادية الرئاسى.
وأكدت المبادرة المصرية أنها تحمل رئيس الجمهورية وأجهزة الأمن المسئولية الكاملة عن الأحداث التى اندلعت فى يوم 5 ديسمبر 2012 واستمرت أكثر من 12 ساعة أمام القصر الجمهورى- أى على بعد أمتار من مكتب رئيس الجمهورية- وتحت مرأى قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية والحرس الجمهورى الذين فضلوا عدم التدخل، بل انحازوا أحيانا إلى جهة مؤيدى الرئيس الذين بدأوا بالهجوم على الاعتصام.
وقالت المبادرة المصرية، إن أجهزة الدولة المختصة لم تقم بالتحقيقات اللازمة التى تشمل كل من حرض أو تقاعس عن أداء وظيفته لحماية أرواح المواطنين، رغم مرور ثلاثة أسابيع على وقوع الجرائم.
وأدانت المبادرة تقاعس النيابة العامة عن التحقيق فى وقائع القتل والإصابة والاحتجاز غير القانونى والضرب المبرح للمتظاهرين- بينهم خمسة من القُصّر- من قبل مجموعات تابعة لحزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، تنفيذًا لأوامر صريحة من القيادات الحزبية التى ينتمى إليها رئيس الجمهورية، بحسب شهادات باحثى المبادرة المصرية الذى تواجدوا فى محيط الأحداث لرصد التجاوزات والانتهاكات.
ولم تقم الشرطة بالتدخل والقبض على من قاموا باحتجاز وتعذيب عشرات المتظاهرين، وهو ما كان يجب عليها فعله فورًا طبقا لقانون الإجراءات الجنائية، باعتبار أن هؤلاء الأشخاص كانوا متلبسين بجريمة احتجاز غير قانونى وضرب مبرح، كما كان يجب على الشرطة فى قسم مصر الجديدة التحفظ على من يقوم بتسليم مصابين ظهرت عليهم آثار تعذيب واضحة، لوجود دلائل كافية على ارتكابهم جرائم الاحتجاز والضرب، وليس الاكتفاء باستلام المجنى عليهم كمتهمين دون تسجيل أسماء وبيانات من قاموا بالقبض عليهم وسلموهم لقسم الشرطة.
وأسفرت هذه الأحداث عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 748 طبقا لوزارة الصحة. وأكدت تقارير الطب الشرعى أن الوفيات ـ التى وقعت فى صفوف كل من المؤيدين والمعارضين ـ جاءت نتيجة الإصابات بالرصاص الحى والخرطوش.
وقالت ماجدة بطرس، مديرة وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية: "عجز قوات الأمن عن منع أفراد مسلحين من الاعتداء على الأرواح وفشلها فى الحفاظ على أرواح وممتلكات عشرات من المعتصمين ومئات من أهالى منطقة مصر الجديدة، هى نتائج طبيعية لتجاهل المطالب المتكررة بإصلاح وزارة الداخلية وإعادة هيكلة الجهاز الأمنى بما يضمن ممارسة مهامه بشكل محترف وفى الوقت ذاته بعيدًا عن أى استخدام للقوة المفرطة أو انتهاك لحقوق الإنسان. فما يحدث حاليا هو استمرار التعامل مع المظاهرات والاضطرابات العامة بالنهج القديم، ما بين عدم التدخل لوقف الاشتباكات، أو التدخل بعنف مفرط يؤدى لتفاقم الموقف."
ولفتت المبادرة المصرية إلى خطورة ما صاحب فض الاعتصام من خطاب تحريضى صدر من قيادات نافذة فى حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين ضد المعتصمين المعارضين لرئيس الجمهورية. وقال عمرو غربية، مدير وحدة الحريات المدنية بالمبادرة المصرية: "مرت علينا منذ بداية الثورة أحداث جسام تجاهلت فيها النيابة العامة اشتراك المحرضين على الاعتداء خصوصا المسئولين منهم فى الدولة، وهم من تزداد مسئوليتهم بازدياد نفوذهم وقدرتهم على التأثير. وفى هذه الحالة، فإن لدى حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين من النفوذ الآن ما لا يقل عن نفوذ من تجب ملاحقتهم قضائيا من أعضاء المجلس العسكرى لمسئوليتهم عن الأرواح التى أزهقت. وعلى النيابة العامة إثبات استقلاليتها بملاحقة المعتدين جميعهم."
وفيما يلى تسلسل الأحداث وفقا لنتائج المبادرة:
بناء على دعوة عدد من الأحزاب والقوى السياسية، انطلقت يوم الثلاثاء 4 ديسمبر مسيرات من مختلف مناطق القاهرة متجهة صوب القصر الرئاسى بمصر الجديدة، ترفع شعارات ضد الإعلان الدستورى الصادر من الرئيس محمد مرسى فى يوم 21 نوفمبر، والذى حصن قرارات الرئيس بما فيها الإعلانات الدستورية الصادرة عنه من الطعن أمام أية جهة قضائية، وأعطى الرئيس الحق للجوء لأية إجراءات استثنائية يراها ضرورية. كما أدانت مسيرات الثلاثاء مشروع الدستور الذى استفتى عليه المواطنون لاحقا فى يومى 15 و 22 ديسمبر، من حيث المضمون والطريقة الإقصائية التى شكلت بها الجمعية التأسيسية والمنهجية التى اتبعتها أثناء صياغة وإقرار مواد الدستور.
ومع تزايد الأعداد بشكل عفوى، كان مفاجئًا لمنظمى التظاهرات أنفسهم، اضطرت قوات الأمن للتراجع وفتح الحواجز التى كانت قد أقامتها فى الشوارع المؤدية للقصر الرئاسى. واحتشد مئات الآلاف حول أسوار القصر مرددين هتافاتهم دون أن تُرصد أى مظاهر عنف أو محاولة لاقتحام القصر الرئاسى حتى عقب انسحاب قوات الأمن التى كانت قد أعادت انتشارها بمحاذاة أسوار القصر.
وبحلول الفجر وتناقص أعداد المتظاهرين عادت حركة المرور فى الشوارع المحيطة بالقصر إلى طبيعتها، فيما قرر عشرات المتظاهرين بدء اعتصام أمام بوابة القصر المطلة على شارع الميرغني. واتسم الوضع بالهدوء التام إلى أن تواترت الأنباء بحلول ظهر الأربعاء 5 ديسمبر عن قيام مجموعات من أنصار الرئيس محمد مرسى (أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين وجماعات أخرى) بالاحتشاد للتوجه إلى مقر القصر الرئاسى. وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا يدعو أعضاءها للتظاهر أمام القصر من أجل "حماية الشرعية"، بينما صرح الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة أن "الحزب سيشارك فى التظاهرة التى تنظمها القوى الشعبية للتظاهر أمام مقر قصر الاتحادية عصر اليوم لدعم الشرعية التى انتخبها الشعب المصرى".
وشهد باحثو المبادرة المصرية الذين تواجدوا بموقع الأحداث لرصد التطورات أنه بحلول الساعة الثانية ظهرًا بدأ توافد المتظاهرين المؤيدين للرئيس بأعداد كبيرة، إلا أنه خلال الساعة الأولى وقف الجمعان، كل يطلق هتافاته ولا تفصلهما سوى أمتار قليلة، ولم تحدث اشتباكات إلا بعض المناوشات اللفظية والمشادات بالأيدى والتى حاول الطرفان فى البداية السيطرة عليها. وفى حوالى الساعة الثالثة والنصف – وبعد تجمع الآلاف من مؤيدى الرئيس- بدأ مؤيدو الرئيس مرسى بمهاجمة خيام الاعتصام وضرب المعتصمين والصحفيين الموجودين بمكان الحدث ضربًا مبرحًا باستخدام العصى والشوم والحجارة مما أدى إلى إصابتهم بجروح، فى غياب تام لقوات الأمن. وأفاد عدد من شهود العيان أنه كان هناك ما يكفى من الشواهد بأن التعليمات التى تلقاها المتظاهرون المؤيدون للرئيس كانت "بإزالة الاعتصام المعارض" بأى وسيلة ممكنة، وهو ما يتسق مع تصريحات القيادى فى حزب الحرية والعدالة عصام العريان فى اليوم ذاته بأنه "إذا كانت أجهزة الدولة ضعيفة ومثخنة بجراح الفترة السابقة، فإن الشعب قادر على فرض إرادته، وسيكون أعضاء الحزب إن شاء الله فى مقدمة الصفوف"، ما يحمل فى طياته تهديدا باستخدام قوات غير نظامية لقمع المعارضين.
ومع غروب الشمس كان أنصار الرئيس مرسى قد سيطروا تمامًا على محيط القصر الرئاسى طبقا لرصد المبادرة المصرية. وبدأت مجموعة من المعتصمين الذين انضم لهم مئات من المواطنين- كانوا قد هبّوا لنجدة المعتصمين المعتدى عليهم- فى الاحتشاد للتوجه لمحيط القصر الرئاسى مجددًا. الا أنهم أثناء توجههم لمحيط القصر – حوالى الساعة السابعة- فوجئوا بمدنيين يحملون أسلحة خرطوش يصوبون عليهم، كما تعرضوا لإطلاق قنابل الغاز بشكل كثيف من قبل نفس المجموعات من المدنيين.
بدأت قوات الأمن فى الظهور فى حوالى الساعة السابعة مساء، حيث قامت تشكيلات من قوات الأمن المركزى بالانتشار كحواجز بشرية على أغلب مداخل الشوارع المؤدية للقصر الرئاسى ماعدا شارع الخليفة المأمون وامتداد شارع الميرغنى، حيث كان العدد الأكبر من المتظاهرين المؤيدين متواجدًا من بعد فض الاعتصام مما منع توافد المتظاهرين على محيط القصر، وأدى لتركز الاشتباكات فى شارعى الخليفة المأمون والميرغنى.
وباءت محاولات الأمن الضئيلة بالفشل، وشهد باحثو المبادرة المصرية على استمرار الاشتباكات برغم انتشار قوات الأمن وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالى، مع تمركز المتظاهرين المؤيدين للرئيس مرسى خلف صفوف قوات الأمن، والتى سمحت فى بعض الأحيان للمتظاهرين المؤيدين بالعبور إلى الجانب الآخر. وتبادل الجانبان التراشق بالطوب وإطلاق الخرطوش، ثم عاد المتظاهرون المؤيدون للرئيس إلى التمترس خلف جنود الأمن المركزى. وأفاد شهود عيان ومقاطع فيديو، أن عددا من المسلحين كانوا يطلقون الرصاص فى وجود قوات الأمن التى لم تحاول القبض عليهم.
وأفاد شهود العيان من باحثى المبادرة المصرية أن قوات الأمن كانت تقوم أحيانا بإطلاق قنابل الغاز تجاه المتظاهرين المعارضين للرئيس، ولكن فى معظم الوقت كانت تقف ساكنة فيما تمركز المتظاهرون المؤيدون خلفهم. ولم تتدخل القوات إلا مرة واحدة قامت فيها بالمرور عبر الفواصل إلى منطقة متوسطة بين الطرفين، وأطلقت قنبلة غاز واحدة قريبة من مكان تمركز المؤيدين ثم تبعتها بإطلاق قنابل غاز بكثافة شديدة على المتظاهرين المعارضين مما دفعهم إلى الركض فى الشوارع الجانبية الخلفية.
وأفاد الدكتور كريم سيدراك، الطبيب بمستشفى القصر العينى الفرنساوى- والذى تواجد بدءًا من الساعة السابعة من مساء الأربعاء فى المستشفى الميدانى التى أقيمت فى الكنيسة الإنجيلية وعند سور نادى هيليوليدو- أن أغلب الإصابات كانت بطلقات خرطوش فى منطقة الرأس والرقبة، وأشار إلى أنه عالج بنفسه 20 حالة كان نصفهم على الأقل مصابين بطلقات خرطوش. وأكد أن معظم الإصابات كانت فى صفوف المتظاهرين المعارضين، بينما تعرضت المستشفى الميدانى التى أقيمت لدى سور نادى هيليوليدو إلى تهديدات بالاعتداء على المستشفى الميدانى والأطباء من المتظاهرين المؤيدين.
وحسبما أفاد بيان جمعية أطباء التحرير الصادر فى 9 ديسمبر 2012، والتى تواجد عدد من أعضائها فى نقطة الإسعاف التى أقيمت فى تقاطع شارع الخليفة المأمون وشارع الميرغنى (أمام محطة وقود موبيل)، فإنه بدءًا من الساعة الثامنة مساءًا سُمع دوى إطلاق نار كثيف، تلقت نقطة الإسعاف عقبه عددًا كبيرًا من الإصابات وتم نقل عدد من المصابين إلى مستشفى منشية البكرى ومستشفى الدمرداش. وأشار الدكتور محمد فتوح رئيس جمعية أطباء التحرير إنه بحلول منتصف الليل بدأت نقاط الإسعاف فى تلقى مصابين بطلقات رصاص حى.
وذكر الدكتور محمد فتوح أنه فى أثناء تواجده هو وزملاؤه فى مستشفى منشية البكرى، استقبلت المستشفى حالتين لشخصين توفيا فى المستشفى يوم الأحداث، وهم هانى محمد سند، مصاب برصاصة فى الصدر استقرت قرب القلب، ومحمد السنوسى، مصاب برصاصة فى البطن اخترقت الكبد، والذى توفى فى غرفة العمليات. كما استقبلت الصحفى الحسينى أبو ضيف مصابًا بطلق نارى فى الرأس، والذى توفى يوم 12 ديسمبر. وأضاف د. فتوح أن المستشفى استقبلت حالات أخرى بإصابات خطرة، منها حالة أ. ف. وكان مصابًا برصاصة دخلت من ذقنه وخرجت من رقبته، والذى تلقى عملية جراحية لوقف النزيف فى الشريان الرئيسى، و م.ع.، والذى كان مصابا برصاصة فى الصدر.
وطبقا لما صرح به الدكتور أيمن البغدادى مدير مستشفى الدمرداش، فقد استقبلت المستشفى 35 مصابًا بطلق رصاص حى فى أماكن متفرقة بالجسم.
وقد نجم عن هذه الأحداث وفاة 10 أفراد، استطاعت المبادرة المصرية التأكد من أسماء ثمانية منهم: محمود محمد إبراهيم (35 عاما) ومحمد ممدوح الحسينى (30 عاما) ومحمد خلاف (35 عاما) وهانى محمد سند الإمام (32 سنة) ومحمد محمد سنوسى على (22 عاما) وعلاء محمد توفيق (28 سنة)، والحسينى أبو ضيف (32 عاما)، وخالد طه أبوزيد (25 عاما). بينما أضافت مصادر حزب الحرية والعدالة اسمى ياسر محمد إبراهيم (34 عاما)، ومحمد سعيد سلام (42 عاما).
وانتهت المبادرة فى تقريرها إلى ما يلى:
تؤكد أحداث 5 ديسمبر على ضرورة التحقيق فى انتهاكات جسيمة ارتكبها أفراد مدنيون، تشمل التعذيب والاحتجاز غير القانونى بحق المتظاهرين. كما تؤكد الأحداث على تقاعس الأجهزة الأمنية عن أداء دورها، بل والتحيز التام أحيانا من قبل هذه الأجهزة لصالح بعض المؤيدين للرئيس مرسى على حساب معارضيه.
ولذلك، توصى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الجهات المعنية بالآتى:
1- توسيع نطاق التحقيق الذى تجريه النيابة العامة فى الأحداث ليتضمن الأفراد الذين قاموا باستخدام القوة لفض الاعتصام السلمى والاعتداء على المعتصمين والأهالى والاحتجاز غير القانونى واستخدام التعذيب لانتزاع اعترافات منهم.
2. التحقيق فى إهمال وتقاعس الشرطة والحرس الجمهورى عن وقف العنف فى محيط القصر والحفاظ على الأمن وحياة وسلامة المواطنين، ومحاسبة القادة المسئولين.
3. ملاحقة المحرضين جنائيا باعتبارهم شركاء فى جرائم القتل والإصابة والاحتجاز والضرب المبرح.
4. الإعلان الفورى عن خطة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، بما فى ذلك حل قطاع الأمن المركزى ووقف سياسة التحاق مجندى الخدمة العسكرية بجهاز الشرطة، واستبدالها بقوات محترفة لحفظ الأمن العام ومواجهة أعمال الشغب فى حدود القانون، على أن تتضمن هذه الخطة برنامجًا زمنيًا وأن تشمل التدريب والتأهيل المناسب لأفراد القوات الجديدة.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعلن نتائج تحقيقات أحداث الاتحادية.. مرسى وأجهزة الأمن يتحملون المسئولية.. ومصدر بالطب الشرعى: الوفيات جاءت نتيجة الإصابات بالرصاص الحى والخرطوش
الخميس، 27 ديسمبر 2012 02:12 م