«عام إعلامى سئ» هكذا أجمع عدد كبير من خبراء الإعلام، وكذلك إعلاميون عند سؤالهم عن حال الإعلام المصرى والقنوات الفضائية فى 2012، فيبدو أن ما شهدته الثورة من نكبات وانكسارات انعكست على الإعلام المصرى بشقيه الخاص والرسمى هذا العام، ليبدو متخبطا فى أحيان، وأحيانا أخرى يكون مستهدفا من السلطة الحاكمة أيا كانت سواء المجلس العسكرى أو الرئيس محمد مرسى.
نكسات عديدة تعرضت لها الفضائيات الخاصة هذا العام بدأت مع وقف برنامج معتز مطر على قناة مودرن حرية أثناء خروجه لفاصل، وتوقف البرنامج فجأة على الهواء، وكان المجلس العسكرى وقتها يدير شؤون البلاد، وترددت أنباء عن أن معتز تلقى تهديدات وأوامر بوقف البرنامج، وبعدها لم يظهر البرنامج للنور على القناة، وانتهت علاقة معتز بالقناة نهائيا، واستمر التضييق على القنوات الفضائية فى ظل الحكم العسكرى للبلاد وتصاعد أسهم الإسلاميين الذين قاموا بتهديد أكثر من قناة فضائية، كان أولهم قناة ON TV التى وصل إلى رئيسها ألبير شفيق خطابا من إحدى الجماعات الإسلامية تهدده باستهداف المذيعين وخطفهم، وعقب انتخاب محمد مرسى رئيسا للجمهورية كانت الفراعين أكثر القنوات حدة وهجوما على الرئيس المنتخب، حيث كان الهجوم بقيادة صاحب المحطة توفيق عكاشة الذى عرف بهجومه المستمر على الثورة والثوار وانحيازه الشديد للمجلس العسكرى والمرشح السابق للرئاسة أحمد شفيق، ولكن عقب فوز مرسى بكرسى الرئاسة تحولت دفة هجومه ضد الإخوان المسلمين والرئيس شخصيا، وكانت القناة عرضة فى أكثر من مرة للإغلاق للعديد من الأسباب، ولكن مع تصاعد حدة الهجوم من عكاشة تم غلق القناة بتهمة إهانة الرئيس والتحريض على الفتنة وفى الخامس والعشرين من سبتمبر الماضى قامت مجموعات من الألتراس باقتحام مدينة الإنتاج الإعلامى وقناة مودرن، وتم منع برنامج شوبير من الظهور لأكثر من يوم كذلك برنامج مدحت شلبى «مساء الأنوار» بسبب سياسة مقدمى البرامج فى تقديم برامجهما وتعارضها مع الألتراس وهجومهما الشديد عليهم.
ولكن تأتى أكبر نكبات الإعلام فى عام 2012 بقطع البث عن قناة دريم بحجة أنها تخرج من خارج أسوار مدينة الإنتاج الإعلامى، برغم أن استوديوهات دريم تبعد أمتارا قليلة من مدينة الإنتاج، الأمر الذى تضامنت معه معظم الفضائيات، ولم تنته مشكلات الإعلام الخاص لهذا الحد ولكنها استمرت لتصل لحد الاستقالات على الهواء مباشرة، وهو ما حدث مع الإعلامى خيرى رمضان حينما ألغيت حلقته مع المرشح السابق حمدين صباحى وقيل وقتها إنها بسبب ضغوط على القناة ليعترض رمضان على ذلك ويعلن استقالته على الهواء قبل أن يعود لها مرة أخرى بحوار لنفس الضيف. وحظيت مدينة الإنتاج الإعلامى بنصيب من الهجوم حيث تعرضت مؤخرا لحصار من قبل «أولاد أبوإسماعيل» وبإيعاز من الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل بسبب ما أسموه بتطهير الإعلام واستمر الحصار لأكثر من أسبوعين، وعلى الرغم من تلك العثرات الإعلامية للإعلام الخاص ومدى الضغوط التى يتعرض لها من قبل الإخوان المسلمين كنظام حاكم، فإن عام 2012 أبى أن يرحل دون أن يترك لنا نقطة واحدة إيجابية تتمثل فى باسم يوسف مقدم برنامج «البرنامج»، والذى أصبح بمثابة فاكهة البرامج بأسلوبه الساخر، وانتقاده اللاذع للإخوان والسلفيين، وكذلك من الرئيس مرسى، الأمر الذى جعله يحظى بنسبة مشاهدة ضخمة وغير مسبوقة.
سياسات ماسبيرو كما هى.. لكن بـ«حجاب»
مر عام 2012 على التليفزيون المصرى وكأن شيئا لم يحدث، فالتغير الذى تمناه الكثيرون فى المبنى لم يتعد ارتداء بعض المذيعات للحجاب فقط وظهورهن فى نشرات الأخبار، ولكن تظل نفس السياسات قائمة رغم اختلاف الأسماء، فبرحيل أسامة هيكل تولى أحمد أنيس، وعقب تشكيل الحكومة بقيادة هشام قنديل، تم تعيين صلاح عبدالمقصود وزيرا للإعلام، وهو الذى قوبل باستياء شديد ليس لأنه ينتمى لجماعة الإخوان فقط بل لأنه ليس من الأبناء الشرعيين للمبنى العريق.
المتأمل فى حالة البلاد بعد الثورة ومدى المطالب الفئوية التى طفحت على السطح يدرك جيدا أن ماسبيرو لا يمكن أن يخلو من هذه الاحتجاجات، حيث يضم بداخله أكثر من 45 ألف عامل ما بين إداريين وبرامجيين وفنيين، وتزايدت حدة الوقفات الاحتجاجية داخل مبنى ماسبيرو منذ بداية الثورة وحتى الآن، ولكن أغلب هذه الوقفات تكون للمطالبة إما بزيادة الأجور أو صرفها إن وجدت، وهو ما خلق حالة من الارتباك داخل أروقة المبنى وبالأخص فى مكاتب المسؤولين، حيث تم تغيير القيادات أكثر من مرة نتيجة الاعتذارات والخوف من المسؤولية.
ورغم أن تطهير ماسبيرو كان من أهم الأهداف لثورة يناير فإن العاملين بالمبنى يؤكدون أن أيام أنس الفقى وزير الإعلام الأسبق كانت أفضل بكثير مما يشهده التليفزيون حاليا من تردى الأوضاع سواء كانت المهنية أو المادية.
ومع تعيين صلاح عبدالمقصود وزيرا للإعلام بدأت بوادر الأخونة تظهر على الساحة الإعلامية من حيث اختيار الضيوف والتضييق على المذيعين، كذلك احتكار تليفزيون الحكومة لإعلانات وزارات الدولة من خلال صوت القاهرة، وهو ما أحدث نوعا من القطيعة بين التليفزيون الرسمى والقنوات الفضائية، كل هذا يأتى مع تصريحات الوزير أنه آخر وزير إعلام ستشهده مصر لندخل بعدها فى مرحلة مجلس الإعلام الوطنى. ومع ذلك لم تشفع وعود وزير الإعلام بالحفاظ على المهنية والحيادية له عند كثير من المذيعين، حيث بدأ التمرد يضرب فى المبنى على يد مجموعة ممن يحملون لواءات المعارضة فى الاتحاد، وكان أولهم الإعلاميتين بثينة كامل وهالة فهمى اللتين تهاجمان الإخوان فى برامجهما بالتليفزيون المصرى، ومع تحويلهما للتحقيق بدأ الكثير من زملائهما فى التضامن معهما، وتبع ذلك وقفة احتجاجية لمجموعة من المذيعين والمذيعات أمام المبنى بعنوان لا لتكميم الأفواه يعترضون فيها على سياسة إدارة المبنى ومنع بعض الضيوف والتضييق عليهم، كذلك قدم بعض القادة عقب أحداث الاتحادية استقالتهم اعتراضا على الطريقة التى تدار بها البلاد.
ومؤخرا اتخذ على سيد الأهل رئيس القناة الأولى بالاتفاق مع رئيس قطاع التليفزيون شكرى أبوعميرة بوقف واحد من البرامج المهمة على القناة الأولى وهو «ستوديو 27» لإبعاد عدد من مقدميه، منهم الإعلاميون عاطف كامل وكامل عبدالفتاح بسبب تمردهما على أخونة المبنى.
خبراء: أسوأ عام للإعلام الخاص والحكومى ولابد من مجلس وطنى لإدارته
أجمع مجموعة من الإعلاميين وخبراء الإعلام على أن الإعلام المصرى فى العام 2012 تعرض لضغوط وممارسات لم تحدث له فى ظل نظام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، حيث بدأت تغلق قنوات وتصادر صحف ويتم التعدى على إعلاميين بعد ثورة نادت فى شعارها بالحرية.
الإعلامى نصر القفاص قال لـ«اليوم السابع» إن عام 2012 مر بحدثين فى منتهى الخطوة أولهما تأميم الصحافة المصرية من جانب مجلس الشورى، وتعيين أضعف من يمكن أن يتولوا مسؤولية تحرير صحيفة ومجلة، ثم بعدها تعيين رؤساء مجلس الإدارات لهذه الصحف، أما المحاولة الثانية فتتمثل فى محاولة هدم القضاء المصرى فى عملية غير مسبوقة تتجلى فى محاصرة المحكمة الدستورية والنيابة الإدارية.
وأشار القفاص إلى أن الإعلام الخاص والقضاء استطاعا أن يقفا وقفة حقيقية ضد الإخوان المسلمين، على الرغم من الحرب الشرسة التى يتعرضان لها من قبل النظام الحاكم.
الدكتور سامى الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، قال إن الإعلام هذا العام تعرض للعديد من الانتكاسات ويمكن اعتباره عاما كبيسا على الإعلام المصرى، فبعد ثورة 25 يناير ازدادت القنوات الفضائية والصحف الخاصة بشكل غير مسبوق وسط حالة من الانفلات، وراحت القنوات الفضائية تلعب دورا سياسيا لصالح السياسيين، وبالتالى حدث نوع من الصراع الذى جاء على حساب الموضوعية والمهنية.
وأضاف الشريف: عند وصول الإخوان لسدة الحكم عصف النظام بحرية الإعلام وبدأ الإعلاميون يتعرضون للمساءلة وغلق القنوات الفضائية وبالأخص التى تخالف رؤية النظام، كذلك وصل الإعلاميون للمحكمة بتهمة انتقاد الإخوان، وأشار الشريف إلى أن القنوات الدينية قامت بتحويل مسارها وهدفها الرئيسى، وهو الدعوة إلى أمور الدين وتحولت إلى أداء دور سياسى أدى لاهتزاز صورة رجال الدين، الذين أصبحوا يتطاولون على من يخالفهم الرأى مثل الفنانين والإعلاميين.
وأضاف الشريف أن مواد الدستور المتعلقة بالصحف والإعلام لم تعبر عن حرية التعبير والرأى، ونجد أنها تنص على إمكانية حبس الصحفيين وهو ما كانت المعارضة وقت مبارك تنادى بإلغائه، فكلما كان الواقع قويا أصبح الإعلام قويا، ونحن الآن نعيش حالة من المرض انعكست بطبيعة الحال على الإعلام.
الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة قال: لا يمكن أن نصف ما مر به الإعلام فى هذه السنة، ولكن يمكن أن نقول إنه تأثر كثيرا بالانقسامات السياسية وغابت عنه البوصلة التى كان يعتمد عليها، كذلك غابت الرؤية الحكومية وتصاعدت حدة القنوات المتطرفة فى الوقت الذى بدأنا فيه نرى ظواهر إعلامية جديدة تتمثل فى الإرهاب الفكرى للممارسة الإعلامية أهمها حصار مدينة الإنتاج، موضحا أن هذا العام كان به نواة جيدة لمجلس الإعلام الوطنى تمثلت فى لجنة تقييم الأداء الإعلامى فى انتخابات الرئاسة الماضية، وأضاف العالم أنه إذا كان عام 2011 قد شهد حالة من الارتباك فهذا العام أصبح الارتباك مزمنا.
الإعلامى والصحفى محمد الغيطى قال معلقا عما مر به عام 2012 من أحداث إعلامية: إنه يعتبر أسوأ عام يمر علينا لما يحدث فى الإعلام الخاص، وهو لم يحدث منذ نشأته والسبب فى ذلك هو الرغبة فى احتكار الحقيقة.
وأضاف الغيطى أن هذا الإعلام كان نافذة للإخوان المسلمين ليعبروا عن حريتهم فى القنوات والصحف الخاصة، وشدد الغيطى على أن ما حدث لمدينة الإنتاج الإعلامى يعد إهدارا للاستثمارات يحدث على مرآى ومسمع من قادة الحرية والعدالة.
واختتم الغيطى حديثه بأننا بحاجة إلى مجموعة من القوانين لضمان حرية الإعلام والإعلاميين، رغم أن هذه القوانين ستصطدم بمواد الدستور، وعلى الإعلاميين فى الفترة المقبلة أن يتكاتفوا ويدافعوا عن حريتهم خوفا من أن تدخل مصر نفقا مظلما.
الدكتورة ليلى عبدالمجيد عميد كلية الإعلام سابقا، قالت إن العام الذى يتعرض فيه الإعلاميون للضرب والاغتيال والاعتداء والضغوط يعد عاما إعلاميا سيئا من الدرجة الأولى، ولم يحدث فى التاريخ ما يراه الإعلام حاليا، وأضافت عبدالمجيد أن ماسبيرو الآن يشهد حالة من الارتباك بسبب الوقفات الاحتجاجية والاستقالات الجماعية.
وللخروج من المأزق الإعلامى الحالى قالت عبدالمجيد لابد من توحد الإعلاميين، وأن ينتقدوا أنفسهم ذاتيا ويعترفوا بأخطائهم وأن يضعوا ميثاق شرف، فلابد من وجود ضمانات للإعلاميين ليتمكنوا من تأدية دورهم فى نزاهة، الأمر الآخر هو ضرورة خوض معركة فى العام المقبل من أجل إنشاء هيئة أو مجلس وطنى، الذى سيدير الإعلام فى مصر المرحلة المقبلة فلابد من الضغط لتفعيل هذا القانون.
صلاح عبد المقصود
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
سياسة الأخوان
أن لم تستحى فأفعل ما شئت