عمرو وجدى يكتب: الدستور الجديد.. وحقوق الإنسان

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012 06:55 م
عمرو وجدى يكتب: الدستور الجديد.. وحقوق الإنسان الجمعية التأسيسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم الموافقة على الدستور إلا أن هذا لن يمنعنى وبعد قراء متأنية لمسودة الدستور، نجد أن الدستور الجديد أعطى بعض الحماية لحقوق الإنسان، ولكنه على الجانب الآخر تناسى وقوض حقوقا جوهرية وغض الطرف عنها، بالإضافة إلى أن كثيرا من المواد المرتبطة بشكل أو بآخر بحقوق الإنسان جاءت مطاطية وفضفاضة وتحتمل التأويل، وتعتبر انتهاكا حقيقيا لحقوق الإنسان.

وهذه هى الملاحظات التى أوردتها – على سبيل المثال - على الدستور الجديد فيما يخص الجانب الحقوقى :

- فى البداية، لم يشر الدستور الجديد إلى التزام مصر بالمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتى صادقت عليها مصر كالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم يشير بوضوح الى أسبقية تطبيق القانون الدولى على القانون الوطنى الداخلى وذلك لمنع القوانين الوطنية اللاحقة أو الحالية من تقويض القانون الدولى أو التعارض معه، بالرغم من أن جمهور الفقهاء والعلماء أجمعوا على أن قواعد القانون الدولى تعلو على قواعد القانون الداخلى، حتى لو كانت تلك الأخيرة من قواعد النظام العام الداخلى.

- المادة 10 والتى تنص على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها على النحو الذى ينظمه القانون، وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها العام، وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.

هذه المادة تسمح بتدخل المجتمع لحماية القيم والأخلاق والآداب العامة والأموال والأعراض ويمكن أن تفتح الطريق على مصراعيه لإنشاء جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أما النص على خدمات الأمومة والطفولة فى نطاق الأسرة فهو قاصر ولا يلبى الحد الأدنى المطلوب للتماسك الأسرى أو لحماية المرأة والطفل، كما أن النص يجب ألا يقتصر على حماية دور الأم وإنما أيضا دور الأب الذى لا يقل أهمية ويتكامل مع دور الأم فى الحفاظ على الأسرة المصرية، كما تسمح هذه المادة بتدخل الدولة فى شئون المرأة واختصاصاتها واختياراتها الأسرية والعملية.

- الفقرة الثانية من المادة 31 تنص على أن "ولا يجوز بحال إهانة أى إنسان أو ازدراؤه.

هذه الفقرة مطاطية جداً، لأن إهانة أى إنسان أو ازدراؤه من الممكن أن تستخدم كذريعة لانتهاك الحق فى حرية الرأى والتعبير ، فهذه الفقرة لم تضع أسس الإهانة أو الازدراء، كما أنها لم تفرق بين النقد البناء وبين الإهانة أو التشهير.

- المادة 33 تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء؛ وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك".

بالرغم من أن هذه المادة تمنع التمييز بين المواطنين ، ولكنها لم تشير الى الأسس التى يجب عليها منع التمييز وهى على سبيل المثال (الجنس، اللون، الدين، النوع الاجتماعى..الخ)، كما أنها قصرت التمييز على المواطنين المصريين فقط دون غيرهم وتجاهلت المهاجرين واللاجئين وطالبى اللجوء.

- المادة 43 تنص على أن "حرية الاعتقاد مصونة وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".

كان يجب التفريق بين حرية ممارسة الشعائر الدينية ، وحرية اقامة دور العبادة.. فلا غبار على إقامة دور العبادة للأديان السماوية الثلاث (الإسلام، والمسيحية، واليهودية)، ولكن حرية ممارسة الشعائر الدينية يجب ألا تكون مقتصرة فقط على هذه الأديان السماوية لأن هناك بعض الأديان الأخرى "غير السماوية" فى مصر لها الحق فى ممارسة شعائرها كالبهائية مثلا وذلك كما تنص المادة (18) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

- المـادة 51 تنص على أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، ولا يجوز حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائى، وذلك على النحو المبين بالقانون".

المادة فى مجملها جيدة ، ولكن يعيب عليها أنها لم تشر إلى حظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس دينى أو جغرافى، كما لم تشر إلى حظر إنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات أهلية يكون نشاطها سريا أو ذا طابع عسكرى أو استنادا لأى مرجعية تتعارض مع المقومات والمبادئ الأساسية والحقوق والحريات الواردة فى هذا الدستور.

- المـادة 55 تنص على أن "مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء. وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب، متى توافرت فيه شروط الناخب، وتكفل الدولة سلامة الانتخابات وحيدتها ونزاهتها، وتدخل أجهزتها بالتأثير فى شىء من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون".

لم تشر المادة إلى حق كل مواطن فى مقاطعة الانتخابات دون عقاب ، فالمشاركة حق والمقاطعة أيضا حق.. كما لم تشير هذه المادة إلى حظر استخدام دور العبادة فى الأغراض السياسية أو الحزبية أو الدعاية الانتخابية ضماناً للممارسة الديمقراطية السليمة وحماية لدور العبادة من العبث السياسى.

- المادة 70 تنص على أن "لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية".

لم يضع الدستور تعريف محدد للطفل وهو كل مادون الثامنة عشر، مما سيفتح المجال إلى زواج القاصرات والزواج المبكر، كما تتيح هذه المادة للأطفال فى مرحلة التعليم الأساسى حرية العمل، وذلك بالمخالفة لاتفاقية حقوق الطفل، ولقانون الطفل المصرى فى سنة 196 وتعديلاته فى سنة 2008.

- المادة 73 تنص على أن "يُحظر كل صور القهر، والاستغلال القسرى للإنسان، وتجارة الجنس، ويُجرم القانون كل ذلك".

هذه المادة لم تشر إلى حظر أو تجريم الإتجار بالبشر، بالرغم من إصدار قانون خاص للإتجار بالبشر فى أبريل 2010 وينص على منع التعامل بأى صورة على أى شخص طبيعى رجلا كان أو امرأة أو طفلا، أو الاستغلال بما فى ذلك الاستغلال الجنسى أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة أو التسول أو استئصال أعضاء بشرية أو أنسجة أو جزء منها.

- المادة 80 (الفقرة الثانية) تنص على أن "وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل فى الدعوى المدنية منضما إلى المضرور، وأن يطعن لمصلحته فى الأحكام".

بالرغم من كونها مادة جيدة ، ولكن كان لابد من النص على المجلس القومى لحقوق الإنسان ( وهو خط الدفاع الأول عن حقوق الإنسان فى مصر بجانب منظمات المجتمع المدنى) كجهة مستقلة ومحايدة لا تتبع أى جهة حكومية كما جاء فى مبادىء باريس لعام 1993 والخاصة بإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فى العالم.

- المادة 145 الفقرة الثانية تنص على أن " لا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور".

هذه المادة ستفتح الباب أمام التنصل من أى التزامات دولية لمصر بحجة مخالفتها للدستور وخاصة الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ، مع العلم أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية لها الأسبقية والعلوية على التشريعات الداخلية.

- المادة 198 والتى تنص على أن "لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون تلك الجرائم ، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى".

هذه المادة ستعيد مأساة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية التى طالما عانينا منها منذ بداية ثورة 25 يناير (تمت محاكمة حوالى 12 ألف مدنى أمام المحاكم العسكرية منذ اندلاع الثورة) وستترك السلطة التقديرية للعسكريين لتحديد ما هى الجرائم بالضبط الذى سيحاكم عليها المدنيين بموجب قانون الأحكام العسكرية ، وأمام المحاكم العسكرية والتى تفتقر الى الحد الأدنى للمحاكمات العادلة والمنصفة.

- المادة 232 والتى تنص على "تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان، فى الخامس والعشرين من يناير 2001، عضوا بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة".
هذه المادة ستمنع أو تحرم قطاع عريض من المواطنين من التمتع بحقوقهم السياسية التى نــص عليها الدستور، ولا يمكن أن يتم منع أى مواطن من حقوقه السياسية إلا بصدور حكم قضائى نهائى، وكل قيادات الحزب الوطنى التى تتحدث عنهم هذه المادة ليسوا مذنبين بأى جريمة أو جنحة خطيرة تبرر استبعادهم من المشاركة فى الحياة العامة.. كما أن قانون العزل السياسى الذى سعى البرلمان الى إقراره ثبت عدم دستوريته من جانب المحكمة الدستورية العليا.

- يعيب على الدستور أيضا الإحالة فى الكثير من مواده إلى عبارة "وينظمه القانون" الواردة فى ختام عشرات المواد ما قد يتيح للقوانين المنظمة اللاحقة الالتفاف على الحقوق والحريات.
أخيرا، يؤسفنى أن يقوم المصريون بالموافقة على هذا الدستور الذى يقيد الحقوق والحريات، وينتهك حقوق الإنسان فى شهر ديسمبر.. ذلك الشهر الذى يحتفل به العالم فى اليوم العاشر منه باليوم العالمى لحقوق الإنسان فى ذكرى إقرار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى 1948 والتى كانت مصر أحد الدول التى قامت بصياغته!!!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة