بعد موافقة الشعب على الدستور الجديد وهو أول لبنة سنبنى عليها الاستقرار السياسى بإطلاق قطار إعادة بناء مؤسسات التشريع والمراقبة، مازالت أزمتنا السياسية تسير فى نفق ضبابى وشبه مظلم بين نخب سياسية متعددة ومتصارعة وكل نخبة تريد تفصيل مصر على مقاسها وشباب مازال يدفع الثمن بالرغم من أنه هو من قام بالثورة ودفع الثمن غاليا فى سبيل نجاحها، نخب سياسية محنطة جاءتنا من متاحف الرئيس المخلوع وجماعات إسلام سياسى مازالت متقوقعة فى أيدولوجياتها وآفاقها الضيقة ولم تخرج بعد من سجون الرئيس المخلوع والجميع يلهث وراء السلطة بأى ثمن ومصلحة مصر العليا حائرة بين ذلك وذاك.
هذا الوضع السياسى المتأزم والإفراط فى المظاهرات والاعتصامات والعنف والاعتداءات وغياب لغة النقد البناء والحوار الحقيقى والتمسك بأساليب الرفض والاعتراض فقط من أجل الحصول على مكاسب سياسية لا تغنى ولا تثمن من جوع. هذا الوضع السياسى المتازم فى ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة تجتاح أوروبا وأمريكا حيث توجد اقتصادات تقترب من حافة الهاوية. هذا الوضع السياسى المتأزم فى ظل أزمة اقتصادية حقيقية يعانى منها الاقتصاد المصرى المدمر بفعل النظام المخلوع وما أصابه فى فترة عامين من الاضطراب السياسى الذى تميزت به المرحلة الانتقالية الخطرة .
من حكومة الدكتور عصام شرف إلى حكومة الدكتور الجنزورى إلى حكومة الدكتور هشام قنديل تحركنا من فشل إلى فشل إلى فشل آخر، لم ينجح أحد فى وقف تدهور عجلة الاقتصاد حتى وصلنا إلى وضع خطير جدا جدا. دق ناقوس الخطر الاقتصادى بقوة ينذر ويحذر ويقول: زيادة فى عجز الموازنة، مع زيادة معدلات الإنفاق فى كل أبواب المصروفات، زيادة الدين المحلى، ووصل صافى الدين المحلى العام إلى 57% من الناتج المحلى, كل ذلك مع ارتفاع معدل البطالة، انخفاض أرقام الاستثمار من 14 مليارا فى عام 2007 إلى 2 مليار فقط، مع عجز فى الميزان التجارى المعروف بسبب عدم القدرة على زيادة الصادرات.
كل ذلك مع فشل الحكومات فى استرجاع العافية للمجال السياحى. ووقف تراجع الجنيه المصرى أمام الدولار الذى اختفى من الأسواق, وارتفاع الأسعار الفاحش, والفشل فى ترشيد وإصلاح منظومة الدعم المذرية التى لا يستفيد منها إلا القطط السمان وتجار السوق القذرة, وعدم القدرة على تطبيق الحد الأدنى المتدنى والحد الأقصى.
فى ظل هذا الوضع السياسى المتقلب وفى ظل اقتصاد لا يتقدم ترتفع وتيرة العنف والتمرد الاجتماعى مع الفشل فى استعادة دولة القانون والحفاظ على هيبة الدولة.
مازال طريقنا إلى الاستقرار السياسى والنهوض الاقتصادى طويلا جدا, لكن المشكلة ليست فى ذلك المشكلة أننا لم نبدأ بعد ولا نعرف من أين نبدأ، المشكلة هى فى غياب أى خطط أو برامج للخروج من الأزمة. لا توجد قدرة على وضع خارطة طريق لسنة كاملة, لا نملك خارطة طريق لعام واحد كعام 2013 مثلا، خططنا تكاد تكون ارتجالية يومية أو أسبوعية أو بالكاد شهرية وهى فى نفس الوقت غير مجدية.
مصر فى حاجة إلى مؤتمرين للانعقاد الدائم لحين الخروج من عنق الزجاجة, المؤتمر الأول للتوافق والحوار السياسى لوضع خارطة طريق سياسية هدفها الاستقرار السياسى والأمنى ومتابعة تنفيذها والالتزام بها. المؤتمر الثانى اقتصادى لوضع خارطة طريق لوقف التدهور الاقتصادى وخارطة طريق لدفع عجلة الاقتصاد فى كل المجالات وخارطة طريق لتطبيق العدالة الاجتماعية والحد الأدنى والحد الاقصى. لن ينصلح حال مصر بدون مصارحة ومسامحة ومكاشفة ووضع الأيدى فى الأيدى بمعنى مصافحة.
مصر فى حاجة لحكومة جديدة وقوية لها عدة أجنحة قوية الجناح السياسى والجناح الاقتصادى والجناح الامنى والجناع التشريعى وعلى راس كل جناح نائب لرئيس الوزراء. مصر فى حاجة إلى إعادة هيكلة كاملة لكل الوزرارات ولكن الأولوية فى الهيكلة لوزارات الخدمات التى أحب أن أسميها وزارات الفشل والحرمان مثل الصحة والتعليم والحكم المحلى والتموين والتأمينات. وخاصة أن الدستور الجديد يقلص سلطات الرئيس لصالح رئيس الوزراء، الوزارة ستعمل بدون توجيهات من الرئيس، الوزارة تحتاج الى رجال دولة يتحملون المسئولية أمام الشعب.
مصر على وشك الإفلاس والانهيار الاقتصادى وتعانى من إرهاصات العنف المجتمعى وغياب دولة القانون وتقلص هيبة الدولة. هناك من يحذرنا من فبراير القادم ولا نعلم ماذا ينتظرنا فى أول يوليو القادم. لابد من مضاعفة المجهودات المبذولة إلى أربعة أضعاف ما يبذل الآن، لا بد من استدعاء المشاركة المجتمعية واستنفار الشعب للمشاركة فى خطط النهوض وترشيد الدعم والسيطرة على الاسعار ومساعدة الفقراء على ايجاد حلول لمعانتهم من الفقر والبطالة.
مصر مليئة بالخيرات والبركات وتربة أرضها كريمة ونيلها يفيض ولكن المشكلة فى بعض نخبها السياسية واستبعاد نخبها العلمية وعدم اللجوء إلى طبقة التكنوقراط لرسم الخطط ووضع خارطة طريق يعلمها الشعب ويصبر على مابها من مرار ومعاناة.
بالرغم من نجاح ثورتنا فى اختيار رئيس منتخب ووضع دستور جديد يلبى الكثير من الطموحات إلا أننى وكثيرين مثلى نشعر بالتفاؤل المشوب بالحذر ونحس بفرحة النجاح ولكن بنكهة وروائح الخوف من الفشل. لذلك نصرخ من على هذا المنير الحر ونقول لجميع المصريين المخلصين لهذا البلد اتحدوا وتوحدوا وانطلقوا الى العمل الدؤوب واتركوا عجلة الانتاج تدور باقصى سرعة ممكنة هبوا للقضاء على البيروقراطية وغلق صنابير الفساد الادارى والمالى وانبذوا العنف بكل أشكاله المعنوية والمادية وحافظوا على مصالح الوطن العليا.
مصر لكل المصريين مصر أكبر من أى حزب أو فصيل مصر فى حاجة إلى شعارات رفعناها سابقا، مشاركة لا مغالبة، الحمل ثقيل والهم كبير لا يقدر عليه إلا الجميع، لا يقدر عليه أى فصيل مهما كانت قوته. أهداف ثورة مصر واضحة "عيش حرية عدالة كرامة" مازالت الأهداف فى حالة التجمد وتحتاج إلى مجهودات جبارة لتحقيقها تحتاج إلى تصميم وإرادة صلبة واستنهاض كل الهمم من كل أفراد المجتمع. اللهم اجعل مصر بلدا آمنا مطمئنا يا أرحم الراحمين.
علم مصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحمن السعيد
تطهير .. فنمو .. فتنمية