فجر الحجر الذى ألقى بوجه المستشار أحمد الزند مساء أول أمس الأحد، على أعتاب نادى القضاة لغماً كبيراً داخل السلطة القضائية، خاصة وأن الحجر لم يصب فقط وجه الزند بقدر ما لطخ ثوب السلطة التنفيذية وكشف النقاب عن تهديد حقيقى مادى لاستقلال القضاء فى مصر، والذى لم يكن متوقعاً أن يخرج هذا الحجر من يد أشخاص مصريين بل أيضا بينهم فلسطينيين، الأمر الذى يجر الأزمة من الداخل فقط إلى الخارج أيضا، ويضع حماس ضمن اللعبة الداخلية لسياسية المصرية، خاصة وأن العشرات من المصريين رددوا هتافات معادية للحماسيين بعد إلقاء القبض على فلسطينيين فى واقعة الاعتداء على المستشار الزند.
أزمة النائب العام وحصار المحكمة الدستورية العليا ونقل المستشار مصطفى خاطر وقبلهم الإعلان الدستورى.. أربع وقائع حركت المياه الراكدة وأشعلت غضب القضاة وأخرجتهم من غرف التحقيق بالنيابات ومن على منصات المحاكم فى ساحات العدالة إلى سلالم دار القضاء العالى، لتنظيم وقفة احتجاجية للتعبير عن اعتراضهم الشديد على التحرشات التى تقوم بها السلطة التنفيذية لسلطة القضائية.
واللافت للنظر فى تلك الأزمات وما حدث فى عام 2005 يجد أن النتيجة واحدة لكنها اختلفت، فمن يقود الأزمة إلى الحل؟، ففى عام 2005 تصدى تيار الاستقلال ضد تحرشات النظام السابق وتزوير الانتخابات البرلمانية، وكان معظمهم من شيوخ القضاة إلا أنه فى الأزمتين الأخيرتين استقالة النائب العام وعدوله عنها ونقل المستشار مصطفى خاطر تصدى لهما شباب القضاة الذى تولدت بداخلهم روح تيار الاستقلال ولكن لم يسيروا على ضرب شيوخهم فى حل تلك الأزمتين.
بداية كان الإعلان الدستورى وما ترتب عليه من تعدى صارخ على السلطة القضائية فى أن رئيس الدولة الدكتور محمد مرسى، نصب نفسه قاضياً وحاكماً ومحكوماً، حيث منع أى جهة أو هيئة بالطعن على قراراته كما تدخل فى حق التقاضى بسحبه دعوتى الحل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى علاوة على بعض المواد التى تضمنها الإعلان الدستورى وأصابت الجميع بالصدمة، وقد حاول شيوخ القضاة التصدى لهذه الأزمة إلا أنهم فشلوا فى حلها حتى الآن رغم لجوئهم لتعليق العمل بالمحاكم ومطالبتهم بأن يقوم الرئيس مرسى بإلغاء هذا الإعلان.
وبالرغم من قيام المستشار أحمد مكى، وزير العدل بالتدخل والتوسط بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى وبين رئيس الجمهورية، إلا أن ذلك الموقف أظهر المجلس بأنه لا يستطيع الدفاع عن حق السلطة القضائية، حيث تضاربت الأنباء حول موقف المجلس من قبول أو رفض الإعلان الدستورى، ثم ما تبعه من إصدار تعديل للإعلان الدستورى كان أسوء من الإعلان الدستورى نفسه بحسب رأى الخبراء، وهو ما دفع القضاة إلى التصعيد ومقاطعة الإشراف على استفتاء على الدستور الجديد إلا أن هذه المقاطعة لم تجدِ كثيراً، حيث تمكنت اللجنة العليا للانتخابات من المرور بالاستفتاء إلى "نعم"، من خلال دمج اللجان الفرعية مع بعضها البعض، بحيث يغطى نقص عدد القضاة والذى ولد العديد من الانتهاكات الصارخة لعملية الاستفتاء.
وفى المقابل نجد أزمة المحكمة الدستورية العليا ومحاصرتها على أرض الواقع من خلال تجمع العشرات من أنصار مؤيدى قرارات الدكتور محمد مرسى لمقرها الواقع على كورنيش المعادى ومحاصرتها معنويا بالدستور الجديد وإقصاء أعضائها، حيث تسبب إعلان المحكمة الدستورية العليا بأنها ستصدر حكماً فى دعوتى حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى بالحل وعدم دستورية القوانين التى شكلت عليهما غير مبالية بالإعلان الدستورى الذى يحصنهما حتى قامت الدنيا ولم تقعد، حيث تجمع الآلاف من أنصار الدكتور محمد مرسى أمام المحكمة وقاموا بمحاصرتها ومنعوا أعضاءها من الدخول أكثر من مرة والهتاف ضدهم عن دخولهم وخروجهم، كانت تلك إشارة واضحة إلى ضياع السلطة القضائية وإرغامها على الوضع الجديد، ورغم محاولات أعضائها وبعض القضاة الرافضين لإهانة المحكمة الدستورية، والتصدى لذلك إلا أن الوضع بقى على ما هو عليه، وازداد الاحتقان بعد إقصاء أعضائها فى الدستور الجديد انتقاما منها على إصدارها حكم بحل مجلس الشعب.
وجاءت التعديلات الدستورية التى أقرتها الجمعية التأسيسية للدستور، على تعديل النص الخاص بتشكيل المحكمة، وقصر أعضائها على 11 عضواً، وفقا لأقدمية تعيينهم بالمحكمة، وكانت نتيجة ذلك النص الجديد هو استبعاد سبعة قضاة من أعضائها على رأسهم المستشارة تهانى الجبالى، والتى تعد المحرك الأول لهذه الأزمة بعد تدخلها فى العمل السياسى ودفاعها عن القوات المسلحة ضد جماعة الإخوان المسلمين وباقى الأعضاء الذين أقل فى الأقدمية وهم المستشارين رجب سليم، وحمدان فهمى، ومحمود غنيم، وحاتم بجاتو، وبولس فهمى وحسن البدراوى.
وبموجب هذا التعديل يبقى فى المحكمة المستشار ماهر البحيرى رئيسا، وعضوية كل من المستشارين عدلى منصور، وأنور العاصى، وعبد الوهاب عبد الرازق، وحنفى الحبالى، ومحمد عبد العزيز الشناوى، وماهر سامى، وسيد عبد المنعم حشيش، ومحمد خيرى طه، وسعيد مرعى، وعادل عمر الشريف.
أما أزمة نقل المستشار أشرف خاطر محامى عام نيابات جنوب القاهرة إلى نيابات بنى سويف بسبب عدم خضوعه لطلبات النائب العام الجديد، كما جاء فى مذكرة المستشار خاطر إلى القضاء الأعلى فى مطالبته له بحبس متهمين الاشتباكات التى وقعت أمام قصر الاتحادية فإن هذه الأزمة تصدى إليه شباب القضاة الذين هددوا بالاعتصام فانصاع النائب العام إلى مطالبهم وقام بإعادة زميلهم ولكن تطورت الأزمة واعتصم أعضاء النيابة العامة أمام مكتبه حتى قام بتقديم استقالته إلى مجلس القضاء الأعلى والتى اعتبر الجميع أن صغار القضاة هزمه، لتدخل النائب العام فى شئونهم.
وما أن مر عليها ثلاثة أيام حتى فوجئ الجميع بعدول النائب عن استقالته ثم قيام حركة حازمون المناصرة لشيخ حازم أبو إسماعيل المرشح المستبعد من الرئاسة بمحاصرة النيابة العامة فى مدينة نصر للمطالبة بالإفراج عن أحد أعضاء الحركة الناشط أحمد عرفة وبسبب التجمهر اضطرت النيابة الإفراج عنه بكفالة وهو ما رفضته الحركة بأن يخرج بكفالة ليكون هو الاعتداء الرابع على السلطة القضائية الأمر الذى فجرت الأزمة الأخيرة وهى قيام أعضاء النيابة العامة ونادى القضاة بتنظيم وقفة احتجاجية على سلالم دار القضاء العالى وفى مقدمتهم كان المستشار أحمد الزند وبرغم وقفتهم الصامتة إلا أن هذا الأمر لم يرضِ أنصار جماعة الإخوان المسلمين وتجمع عدد منهم أمام دار القضاء العالى أثناء الوقفة ورددوا هتافات معادية لزند والمطالبة بتطهير القضاء.
وفور فض الوقفة الاحتجاجية وعودة أعضاء النيابة العامة المطالبين برحيل النائب العام واستقلال القضاة إلى نادى القضاة، عقد المستشار أحمد الزند مؤتمراً صحفياً اعتقد البعض أن سبب الاعتداء على المستشار الزند هو ذلك المؤتمر الذى جاء فيه تحذيرات كثيرة لمن يعتدون على السلطة القضائية.
ومن أبرز ما أكده الزند فى المؤتمر وأشارت المصادر إلى أنه كان سبباً فى الاعتداء عليه هو الرسالة التى وجهها المستشار أحمد الزند للرأى العام بأن القضاة امتنعوا عن العمل كان لأمرين، الأول هو العدوان على السلطة القضائية واستقلالها، والثانى، لأننا "ماشيين فى سكة البلطجة"، وحيث هناك بلطجة شعبية وبلطجة أخرى، ودخلنا حاليا فى طريق صعب، فعندما يكون هناك متهم وتحاصر نيابة مدينة نصر ليفرج عنه بالقوة، فهذا أشد أنواع البلطجة، فتضطر النيابة إلى أن تفرج عنه بكفالة، وحتى المتجمهرين كانوا مستاءين من قرار الإفراج بكفالة، وهذا ليس جو عمل"، فى إشارة إلى الناشط السلفى أحمد عرفة.
ثم أضاف الزند، أن الرسالة التى يوجهها إلى القائمين على أمر البلاد ومن بيدهم هى،" حرام أن تظل المحاكم مغلقة لمدة قاربت الشهر، وحرام أن تحمل وكالات الأنباء إلينا حكم المحكمة الجنائية السويسرية التى رفضت الكشف عن حسابات رموز النظام السابق، تأسيساً على اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وعدم كشفها إلا بعد وقف الاعتداء وإلا إذا باتت السلطة القضائية مستقلة استقلالاً تاماً وكاملاً".
وتابع،" الأمر الأخطر أننا نخرب بلدنا بأيدينا، فالمواثيق الدولية والمعاهدات تنص على أنه فى حالة الفراغ القضائى لأى سبب من حق أى شخص طالما القضاء معطل أن يلجأ للقضاء الدولى، وهذه إهانة لمصر كلها لن نقبلها، وتابع،" لا تضطرونا إلى اللجوء للقضاء الدولى حال تعطيل مؤسسات القضاء فى مصر أو الجور عليها".
وكان المستشار شادى خليفة، ممثل النيابة العامة بمجلس إدارة نادى قضاة مصر، طالب مجلس القضاء الأعلى، فى مؤتمر الزند بالانضمام إلى صفوف المدافعين عن القضاء، قائلا، لن نرضى بنائب عام ينتمى لأى فصيل سياسى أو أى تيار داخل القضاء لأنه لا يصلح أن يكون نائبا عاما، وإننا لن نقبل أن يرشح النائب العام الحالى للمنصب مرة أخرى.
وقصد خليفة فى كلامه المستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية، الذى استقال مؤخراً وترددت أنباء قوية عن تجهيزه ليتولى منصب النائب العام خاصة وأنه كان يتمتع بسيرة طيبة إلا أن عدداً من القضاة وأعضاء النيابة يراه وشقيقه الأكبر المستشار أحمد مكى وزير العدل المتسببين فى الأزمات التى تتوالى على السلطة القضائية رغم محاولاتهما التوسط بين الرئاسة والقضاة فى حل الأزمة بينهما.
وكشف المستشار أشرف ندا، الرئيس بمحكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة جنوب سيناء، عن أن الاعتداء على المستشار الزند هو ليس هجوماً عادياً وإنما هو محاولة اغتيال فاشلة مدبرة وجريمة يجب التوصل إلى فاعلها الحقيقى بالاشتراك مع من تم القبض عليهم، حيث من غير المعقول أن تصيب المستشار الزند حجر واحد برغم من أن جميع من كانوا حوله لم يصابوا وهو ما يؤكد أن المقصود هو الزند وليس أحداً غيره.
وأوضح ندا أن الاعتداء على السلطة القضائية يجب أن يتوقف سريعا، حيث إن الاعتداء على القضاة يعد جريمة لابد من التصدى لها بكل قوة وحزم، مستنكرا ما كشفته التحريات عن مرتكبى الحادث بأنهم فلسطينيين.
وقال المستشار خالد محجوب، رئيس محكمة مستأنف الإسماعيلية عن تلك الأزمة، إن المسبب فيها الأساسى هو رأس السلطة التنفيذية، حيث إن الإصرار على الإعلان الدستور منذ البداية والذى يعتدى على السلطة القضائية بشكل واضح كان دلالة على تفجر الأزمة تباعه ما حدث فى الدستور من إقصاء لأعضاء المحكمة الدستورية العليا.
وأضاف محجوب أن إصابة المستشار الزند تعد من أخطر الأمور التى لا يجب السكوت عليها، حيث إن إهانة القضاة والاعتداء عليهم أمرا لا يفعله إلا البلطجية وأن القضاء سيظل عالياً لا يكسره أحد رغم محاولات البعض التعدى على السلطة القضائية.
من ناحية أخرى، كشف مصدر قضائى بأن مجلس القضاء الأعلى سيصدر قراره فى طلب استقالة النائب العام خلال ساعات بعد الاعتداء على المستشار أحمد الزند، وذلك بعد أن يرفض المستشار أحمد مكى نظر طلب عدول النائب العام عن استقالته وذلك لعدم اختصاصه، مشيرا إلى أن مكى لن يقوم بالبت فى الطلب وسيقوم بإعادته مرة أخرى إلى مجلس القضاء الأعلى، وذلك لعدم اختصاص الوزير بنظر هذا الطلب لأن الفقرة الثانية من المادة 70 لا تنطبق على حالة النائب العام وإنما تنطبق على القضاة الذين يقدمون استقالتهم بشكل نهائى من السلطة القضائية ويكون الوزير مختص بتسوية معاشهم وأن ما ينطبق على حالة النائب العام من المادة 119 بذات القانون فقرة 2 والتى تنص على أن يكون المجلس هو صاحب الكلمة فى نظر طلب الاستقالة المقدمة من النائب العام لإعفائه من منصبه والعودة إلى المنصة كقاضٍ طبيعى وليس الاستقالة بشكل نهائى من القضاء.
وأوضح المصدر أن مجلس القضاء الأعلى سيرشح ثلاثة قضاة لمنصب النائب العام لكى يقوم رئيس الجمهورية باختيار واحد منهم، موضحا أن من أبرز الأسماء المرشحة هى المستشارين عادل السعيد، رئيس المكتب الفنى للنائب العام وعاصم عبد الجبار، نائب رئيس محكمة النقض ومجدى دربالة، نائب رئيس محكمة النقض فضلا عن اسم المستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية المستقيل مؤخرا بدلا من واحد من هؤلاء الثلاثة.
التعدى على رئيس نادى القضاة يفجر لغماً جديداً بين السلطتين القضائية والتنفيذية.. ووزير العدل يرفض نظر طلب عدول النائب العام عن استقالته.. و"القضاء الأعلى" يبت فيه خلال ساعات
الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012 07:05 ص