بدايةً.. من أين بدأت أو كيف وجدت نفسك أمام "الفيل الأزرق"؟
فكرة الرواية مختلفة، وإن لم تخرج من المنطقة التى أكتب فيها، ولم تكن لدى بعدما انتهيت من روايتى الثانية "تراب الماس"، فبعد الانتهاء من كتابة الرواية يكون لدى الكاتب فترة ما بعد المخاض وخلال هذه الفترة كانت فكرة الطبيب النفسى تحوم وتلح على، خاصةً وأنا دائما ما أبحثُ عن البطل غير التقليدى المعروف لدى القارئ، وعادة لا أنشغل بالنمط الدرامى للرواية، بقدر ما أهتم بدراسة الشخصية جيدًا، وخلال هذه المرحلة تتوالد الأحداث، وهو ما دفعنى لاقتناء العديد من الكتب حول الطب النفسى، وكأننى طالب علم نفسى فقمت بعمل دراسة كاملة حول الشخصية، وخلال حديثى مع أحد الأصدقاء عن علم النفس، تعرفت على طبيب بالمستشفى العباسية بالصدفة البحتة "فشعرت أنها علامة"، فبدأت أدرس وأشوف هيحصل بعد كده إيه؟، حتى انتهيت من كتابة ملف شخصى كامل لـ"يحيى"، ثم أتت فكرة الجريمة ولكن فكرة الطب النفسى كانت هى الإطار العام، وقبلها كانت فكرة العالم الآخر، السحر، هى التى تشغلنى.

وإلى أى مدى أيضا تقترب شخصية "يحيى" من الواقع؟
لا توجد شخصية تشبه "يحيى" ما حدث واقعيا، هو أن أحد أقاربى، ممن اعتز بهم جيدا، بدأ يصاب بحالة من فصام قوى، أثر على شخصيته وخلال سنوات قليلة، أصبح معزولاً عن المجتمع، حتى انتهى الأمر بوفاته بشكل مأسوى وغريب، وكانت حادثة قاسية جدًا علىَّ، وظلت تلح على من وقت لآخر، وكنت أرغب فى معرفة ما حدث له، ومعرفة ما يدور فى العالم الآخر، والذى يحمل "شعرة" ما بين العلم والخرافة، وتتبعت بجوار خط الدراسة عوالم أخرى، مثل لغة الجسد، الخمور، العالم السفلى، وهو ما تسبب لى فى أن نصف مكتبتى الآن كتب علم نفس.
ما هو تفسيرك لمجىء غلاف الرواية مخالفا لاسمها فلم يتضمن صورة لـ"فيل أزرق" كما رأينا فى الدعاية للرواية عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو لون الغلاف أيضا الذى ربما يفسر على أنه مرتبط بـ"السرايا الصفراء"؟
كان لابد وأن أفاجئ القارئ بأن يعرف أن عالم الرواية مختلف عن الجريمة السياسية، فكانت حالة من التشويق لمعرفة العالم الجديد الذى سيعرفه، وحتى لو بحث القارئ على تفسير "الفيل الأزرق" على مواقع البحث الإلكترونية فلن يجد لها إلا فيلم كرتون أو مطعم، ولكنه سيجد لـ"DMT" وهو ما يشبه مثلاً تصنيفات أنواع الحشيش سواءً أكان مغربى أو صعيدى مثلا.

إلى أى مدى يتطابق عنبر "8 غرب" فى العباسية مع الرواية؟
كما هو بالضبط من حيث الهيكل البنائى والإدارى، ولكن الشخصيات ليست مستوحاة من العنبر، فالرواية ليست عن عالم المستشفى، ولكنها عن حالة جريمة تعالج داخلها فقط.
وإلى أى مدى يقترب أحمد مراد من شخصيات "الفيل الأزرق"؟
يضحك.."الفيل" ثم يكمل هى دائما شخصية البطل، ولكن أنا "مابشربش" ولا حتى سيجارة ولكنى تعلمت لفّ السجائر جيدا، وليست لدى علاقات "يحيى"، ولكنى لا أكتب عن شىء دون معرفته، والخمور أيضا معروفا تأثيرها وما تفعله، والتركيز الشديد فيها ربما يشعرك بحالة سُكر، بدليل أننى موجود داخل "الفيل الأزرق" هذا العالم الفنتازى، فالإنسان أعطاه الله سبحانه قدرة كبيرة على التخيل، فلماذا لا يستخدمها؟، ولكنى أعتقد لو أن الكاتب سيقدم نفسه فى كل عمل روائى، كما ظن البعض أننى قريب من شخصية "أحمد كمال" فى رواية "فيرتيجو" فمن المؤكد سوف يفلس قريبا.
على مدار ثلاث روايات اعتمدت على اللغة العامية بدلاً من الفصحى فى الحوار واعتمدت على أسلوب الراوى، ولكنك فى "الفيل الأزرق" اعتمدت على أسلوب المتكلم بشكل كبير.. فلماذا؟
أولا "الفيل الأزرق" كتبت سبع مرات، وتحديدا فى المرة الخامسة قررت كتابتها بهذا الأسلوب، وهو ما جعلنى أستغرق ثلاثة أشهر لأتعود على كتابته، فهو أسلوب السهل الممتنع، ثانيا، أسلوب المتكلم لديه فوائد كثيرة، ومنها أنه يجعل القارئ يلتصق بالشخصية وينسى تماما شخصيته هو، فيصبح هو "يحيى"، كما أنه لا يعطى فرصة للقارئ بأن يسبقنى فى الأحداث، فيصل لحالة من التوحد بالبطل "فيتخض معايا" ويعطل تفكيره، ويتلقى الصدمات ويتحملها، و"ده كان هدفى هو محاولة الحصول على حالة توحد القارئ مع البطل"، فكنت متعمد إرباك القارئ وإلزامه بالسير معى خطوة بخطوة.

ما هى المناطق الجديدة التى دفعتك "الفيل الأزرق" لمعرفة تفاصيلها؟
أهم منطقة هى العلاقات الإنسانية ببعض، فسوف تندهش حينما تعرف أن أكثر منطقة كانت تشغلنى هى "العشق"، وليست "البوكر" مثلاً، فمن الممكن أن تعرف مثل هذه الأشياء فى فترة قصيرة، فشخصيات الرواية تبحث عن عشق لم تحصل عليه، فأعقد الأشياء فى الحياة من وجهة نظرى هى العلاقات، فكلما تتعمق بداخلها تكتشف المزيد، وتعرف أن تركيبتها أصعب، بالإضافة إلى علم النفس والعالم السُفلى "البوكر".
هل تلعب "البوكر"؟
تعلمته من أجل الرواية، ولكنه ليس من هوايتى المفضلة.
و"لغة الجسد"؟
علم قراءة حركة الجسد، مختلف بعض الشىء عن علم النفس، وهو مذكور فى القرآن الكريم، مثل "نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" فقد وصفت "الناصية" بمقدمة الرأس، فالإنسان الذى يكذب ينفع الدم فى تلك المنطقة التى تحقق الكذب، فحينما يكذب يندفع الدم فى تلك المنطقة، ووقتها ترى الشخص يحرك يديه بتلك المنطقة، ودراسة لغة الجسد كانت مذهلة جدا بالنسبة، وخاصة على مستوى الممارسة حينما تكتشف أناس قريبين جدًا منك ويكذبون، أو تعرف أن من تحدثه مل من حديثك، لا شك هو علم مفيد جدا ويساعد فى التعامل مع الآخرين.
من بين شخصيات الرواية وصفت "مايا" بأنها "لا دين لها".. فلماذا؟
الوصف ليس له علاقة بالدين إطلاقا، فهو فقط وصف لشىء أنت أعجبت به جدا، فتقول "ده جاحد"، "ده كافر" فهو كان تعبيرا يشبه "الإرهاب لا دين"، بالمثل كان جمالها وأنوثتها لا مثيل لهما.
على مدار السرد تدفع الأحداث للمزيد من التساؤلات.. فهل تعمدت إرهاق القارئ للوصول للإجابة؟
نعم تعمدت أن أجهد القارئ معى جدا، ولكن دعنى أضرب لك مثلاً، فى القرآن الكريم، أنت تأخذ وقتا طويلا جدا لتستوعب قصة سيدنا عيسى عليه السلام، وتفهم قوله تعالى "وما صلبوه وما قتلوه" فتسأل نفسك "طيب اختفى إزاى؟"، وهل رفع جسديا أم روحيا فقط؟، وفى القرآن دائما دعوة للتفكير "أفلا تتفكرون"، "أفلا تعقلون"، فالقرآن الكريم نفسه يعطيك تساؤلات بلا إجابات، ويدعوك للبحث عنها، فهل تنتظر من رواية لا يفترض أن نضعها فى مقارنة مع القرآن الكريم أن تجيب لك على كل شىء، وبرأيى أنه من الأفضل أن يبحث القارئ بنفسه عن الإجابة التى ترضيه، بدلا من أن يجد نهاية يفرضها عليه الكاتب، فكل الأفلام والروايات الناجحة تنتهى بتساؤلات بدون إجابات، تترك اللغز للقارئ يبحث له عن إجابة ترضيه هو، وفى النهاية إذا عرف السبب بطل العجب.

ولكنك لم تضع هذا اللغز بمثل هذه الطريقة فى "تراب الماس"؟
على العكس، تركت القارئ أمام إجابات عديدة حول مصير طه، ومن كان يقول لى بأن النهاية سعيدة كنت بضحك، وكنت برد على السؤال بسؤال فى رواية "الفيل الأزرق" فكنت أسأله "طيب إيه النهاية اللى أنت متخيلها".
كيف تمكنت من الكتابة عن العالم السفلى؟
قابلت شخصيات على دراية بهذا العالم، ووجهت لهم الشكر فى نهاية الرواية، وكانت جلسات مفيدة جدا، ووجهنى لقراءة العديد من الكتب التى لا يوجد منها فى الأسواق، حتى أتمكن من معرفة طريقة حديثهم، لأتعمق فى هذا العالم أكثر.
والقراءة فى هذا العالم لم ترهبك؟
إطلاقا كلما تعمقت فيها قلت درجة الخوف، ولدى حالة الثبات الانفعالى التى وصل لها "يحيى"، فدائما نحن نخاف مما لا نعرفه.
على مستوى السرد أشرت إلى حادثة انفلات أمنى ولم تعرج كثيرا على أحداث الثورة.. فلماذا وهل ستكتب عن الثور؟
كانت حادثة عادية من أجل مجريات تسلسل الأحداث داخل الرواية، ومن الممكن أكتب عن الثورة بعدما تتضح لنا الصورة بشكل يمكننا من فهم ما يدور.

هل تعتقد أنك تطور من الروايات البوليسية أو التى تحمل طابع الإثارة فى أعمالك؟
أطور كلمة كبيرة علىَّ، كل ما أحاول فعله هو أن أكتب فى منطقة ليست مستهلكة، نحن فى مجتمع شرقى، ومعرض للدخول فى مرحلة إرهاب لا قدر الله، ولكننا مستمرون فى الكتابة فى اتجاه واحد، لماذا لا نجدد ونقدم نماذج متعددة، ومسألة التطوير يحكم عليها القارئ.
هل تأثرت برواية "شفرة دافنشى" فى أسلوبك الروائى واستفدت من تقنياتها الفنية؟
هى رواية مختلفة عن أسلوبى تماما، فهناك فرق بين رواية قائمة على عمل باحث فى علم الرموز، يبحث فى جريمة قتل، وبين رواية تعمل على نقل حالتها ومشكلتها داخل القارئ ليكون أحد شخوص العمل، وهو ما حدث مثلاً فى "الفيل الأزرق"، أنا أحب "دان بروان" ولكن أسلوبه مختلف تماما عنى كتاباتى.
كيف تقييم حركة النقد فى تعاملها مع أعمالك؟
لا يمكننى أن أصفها بالممتازة، وللأسف لدينا فى مصر أن الحركة النقدية تفقد منبرا، أو مجلة نقدية مثل موقع "imdb" المتخصص فى الأفلام، نعم لدينا "goodreads" ولكن لا توجد لجنة نقدية تقوم بالعمل فيه، فقط القراء.
ثلاث روايات الأولى رأيناها مسلسلاً والثانية والثالثة يجرى الإعداد لرؤيتهم سينمائيًا.. فهل تكتب وعينيك على السينما أو المسلسلات التليفزيونية؟
هى فكرة ناجحة، ولكنها لن تستمر دائما، ولو كنت بهذه الطريقة، فلماذا لا أكتب السيناريو منذ البداية، أنا أحب فن الرواية وستظل رقم واحد، ولو كانت عينى على السينما لما خرجت "الفيل الأزرق" بهذه الفانتازيا.

ما هو التحدى أو العائق الكبير الذى يقف أمام أحمد مراد فى كتابة سيناريو "الفيل الأزرق"؟
أنت أجبت عن السؤال، هو تحدى بالفعل بأن أحافظ على الرواية كما قرأت.
من هو مثلك الأعلى فى الكتابة؟
نجيب محفوظ فى الكتابة والحياة، مصطفى محمود فى الجرأة والبحث، يوسف إدريس فى التكثيف وإحساس اللحظة، وغيرهم من العظماء يحيى حقى والعقاد وطه حسين.
هل من الممكن أن نقرأ رواية لـ"أحمد مراد" لا تحتوى على جريمة قتل؟
أى شىء ممكن، مفيش عندى قاعدة.
من ''فيرتيجو'' لـ''تراب الماس'' ثم "الفيل الأزرق".. ما الذى اختلف عند "أحمد مراد"؟
أترك هذا الجواب للقارئ، أتمنى فقط دائما أن أكون عند حسن ظنّه.
لمعلوماتك
"أحمد مراد"، كاتب مصرى من مواليد القاهرة 1978، تخرج من مدرسة "ليسيه الحرية" قبل أن يلتحق بالمعهد العالى للسينما قسم التصوير السينمائى، تخرج عام 2001، ونالت أفلام تخرجه "الهائمون – الثلاث ورقات – وفى اليوم السابع" جوائز للأفلام القصيرة فى مهرجانات بإنجلترا وفرنسا وأوكرانيا، بدأ كتابة روايته الأولى "فيرتيجو" فى شتاء عام 2007، ونشرت فى العام نفسه قبل أن تترجم للإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وتم تحويلها لمسلسل تليفزيونى فى رمضان 2012، ثم أصدر روايته الثانية "تراب الماس" فى فبراير عام 2010 لتحتل قائمة أكثر الكتب مبيعا قبل أن تترجم إلى اللغة الإيطالية.
