بعيدا عن الجدل القائم حاليا حول الضرائب الجديدة التى أعلنتها الحكومة الأسبوع الماضى وقررت رئاسة الجمهورية تأجيلها لحين إنهاء الحوار المجتمعى حولها، فإن هناك مخاوف اقتصادية من أن تؤدى هذه الضرائب إلى أزمة اقتصادية فى مصر شبيهة بما يحدث فى الدول الأوروبية التى تنهار بسبب اتباع حكوماتها إجراءات تقشفية، وفرض ضرائب جديدة، ومن الممكن أن تؤدى تلك الضرائب إلى انهيار مصر اقتصاديا، وأن يثير حالة من الفوضى العارمة مثلما فعلت الإجراءات التقشفية فى إيطاليا وأسبانيا واليونان، فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعيشها الدول الأوروبية، خاصة مع تشابه الأسباب والظروف فى الجانبين إلى حد كبير.
وأعلن مرسى الذى معه السلطة التشريعية بناء على الإعلان الدستورى الذى تم إصداره فى أغسطس الماضى لحين انتخاب مجلس شعب جديد تنتقل إليه سلطة الرئيس التشريعية، قانونا جديدا للضرائب يتم تطبيقه فى الفترة القادمة شمل الضرائب على الكحوليات والسجائر والكهرباء والماء والغاز الطبيعى، بالإضافة للضريبة العقارية، وفرض هذه الضرائب فى ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة سيؤثر بشكل سلبى على الاستثمار فى مصر، كما فعلت فى أسبانيا، ففى مصر وضح أن عجز الموازنة تفاقم لأكثر من 140 مليار جنيه، وهو ما يؤكد الحاجة إلى ضخ استثمارات أجنبية فى مصر، لكن هذه الاستثمارات ستقل بعد رفع الضرائب، كما أن فرض الضرائب سيجعل السلع التى تأتى من الخارج أرخص من السلع المصرية وستكون المصانع المصرية غير قادرة على المنافسة مما يعنى إغلاق كثير من المصانع المصرية، كما أنها ستتسبب فى زيادة الأعباء على المواطن المصرى.
وتسببت الأزمة الاقتصادية فى اليونان وأسبانيا وإيطاليا والبرتغال فى فرض إجراءات تقشفية، والتى منها فرض الضرائب على المواطنين والتخلص من بعض العمال وتوفير ميزانيات كانت تنفق على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، ويرجع هذا وفقا لبعض المحللين إلى العلاقة بين الأزمة المالية والمشاكل المتأصلة المتمثلة فى غياب الشفافية فى مجال النفقات الحكومية فيها وهفوات وسوء استغلال الوظيفة فى مجال إدارة شئون تلك الدول وهى ظواهر لا تخضع للتحكم ولا يعاقب عليها، كما أن بعض الساسة والموظفين الكبار ورجال الأعمال غير النزيهين يخلقون تربة خصبة للفساد فى البلدان المذكورة وكل البلدان الأوروبية عمليا.
وتعد أزمة الرهن العقارى والضرائب هى البداية الحقيقة لأزمة الاقتصاد فى أوروبا وكانت جرس إنذار لم يسمعه الاقتصاديون ولا السياسيون فبعدما بدأت فى الولايات المتحدة ظهر تأثيرها واضحا فى الاقتصاد الأوروبى وبدا واضحا أن نظام التعاملات البنكية غير سليم لاعتماده على مجرد المستندات فى الإقراض دون ضمانات حقيقية.
وأدت الإجراءات التقشفية التى فرضتها أسبانيا إلى الحصول على قرض من الاتحاد الأوروبى، مما أدى إلى وجود احتجاجات شعبية عارمة، حيث إن الإجراءات تستهدف توفير مبلغ 65 مليار يورو من خلال خفض الرواتب بنسبة 5%، وإلغاء العلاوات، وزيادة ضريبة القيمة المضافة بمعدل 3 نقاط، غير أن مثل هذه السياسة أدت إلى نتيجتين سلبيتين، الأولى هى زيادة الركود الاقتصادى، وتقليص معدلات النمو نتيجة تراجع القدرة الشرائية، وما يعنيه من انخفاض الطلب على الاستهلاك، والذى يقود بدوره إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، أما الثانية فهى مضاعفة الأزمة الاجتماعية من خلال تحميل الفئات الوسطى، والمحدودة الدخل العبء الأساسى، وهو أمر سيؤدى إلى زيادة حدة التفاوت الاجتماعى، واحتدام الصراع الطبقى، وهو ما جرى التعبير عنه فى نزول الناس إلى شوارع المدن بمئات الألوف، رفضا لتخفيض رواتبهم وزيادة الضرائب، وهذا ما سيحدث فى مصر بالضبط، حيث إن مصر فى طريقها إلى قرض صندوق النقد الدولى وفى حال فرض هذه الضرائب ستكون هناك احتجاجات شعبية عارمة ستؤدى إلى انخفاض البورصة المصرية مثلما حدث فى ذلك البلد الأوروبى.
"التقشف ليس حلا لعجز الموازنة".. الدرس الذى لم تتعلمه مصر من الأزمة الأوروبية
الأحد، 23 ديسمبر 2012 03:06 ص
ممتاز السعيد وزير المالية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة