د. طارق النجومى يكتب: داستور أم مجاهد

رفع أبو مجاهد رأسه ونظر من تحت زجاج نظارته وهو متربع على الكنبة ممكسا بالجريدة فى يده.. ماتقومى يا حاجة تعمليلى كباية شاى.. نظرت إليه أم مجاهد نظرة لم يرتح إليها وهى تقوم متثاقلة.. لحظات وكانت تضع كوب الشاى أمامه.

انتى عاملالى شاى فتلة.. أمال فين الشاى بتاعى اللى فى الخمسينة.. وما كاد أبو مجاهد ينتهى من كلمته إلا وكانت أم مجاهد تنفجر فى وجهه.. خمسين.. خمسينة إيه ياحاج.. دى عاشر كباية شاى تشربها وأنت مربع على الكنبة.. هو أنا مكنه.. أنا ركبى باظت من كتر القيام والقعاد.. الرحمة حلوة ياحاج.. اتسعت عينا أبو مجاهد من دهشة المفاجأة.

من أمتى الكلام ده ياحاجة..!! وبقالنا صوت نتكلم.. كل زمن وله أدان ياحاج.. المرأة دلوقتى لها حقوق لازم تاخدها وعلشان كده أن قلت لأ للداستور.. هو أنتى قلتى لأ للدستور..؟؟ وأنت أيش عرفك فى الدستور.. وقعتك سودة.. هو أنا ماليش كلمة فى البيت ده ولا إيه.. أنتى متأمرة مع الواد الزفت أبنك..؟؟

متأمرة إيه ياحاج..؟؟ أنت اللى راجل داكتاتور.. نظر إليها أبو مجاهد شذرا وهو يقول.. داكتاتور..!! والله وعرفتى تنطقيها ياحاجة من إمتى الكلام ده..؟؟ من هنا ورايح ياحاج.. الضغط يولد الانفجار.. هو يعنى علشان كنت ساكته وباسايرك وأقول يابت خديه على قد عقله عايز تتغول على حقوقى.. الله..الله.. وكمان تتغول عرفتيها.. أنا شامم ريحة مش كويسه.. فين الزفت مجاهد..؟؟

فى خروج مجاهد من غرفته وهو يفرك عينيه.. ليه الغلط بس ياحاج.. إيه لازمته الكلام ده.. لازمته ونص يازفت أنت عملت إيه فى أمك.. هو أنت لاخيرك ولاكفاية شرك.. مش كفاية قاعد لاشغلة ولامشغلة واكل شارب نايم طول النهار وأخرتها تعصى أمك عليا..!!
يعنى ياحاج لما المرأة تعرف حقوقها يبقى عيب.. نظر أبو مجاهد لأم مجاهد نظرة متفحصة ذات معنى وهو يقول.. مرأة أيه ياسى مجاهد.. يومكم أنتوا الأتنين مش معدى.. شوفى ياحاجة داستورك ده مايسمعش معايا وخلى الواد مجاهد ينفعك.. وكل واحد يدور على مصلحته بقى وكل واحد يشوف طريقه.

رفعت أم مجاهد حاجبيها وهو تقول شوف أنت طريقك ياحاج.. الشقة من حق الزوجة الحاضنه وده على كفالة الداستور.. كانت قهقهة أبو مجاهد تملأ الأرجاء وهو ينظر لمجاهد من أعلى لأسفل وهو يقول حاضنة مين ياحاجة..!! والله هم يضحك وهم يبكى.
ابتسم مجاهد وهو يحاول أن يلطف الجو.. اقعد بس ياحاج.. الحاجة بتهزر هى لها بركة إلا أنت.. أقعدى ياحاجة واستهدى بالله.. أنتوا نسيتوا أنكم ولاد عم.. سمعت همهمة أبو مجاهد وهو يقول لنفسه وأنا كان مصبرنى إلا ده.. نظرت إليه أم مجاهد نظرة غاضبة ولزمت الصمت.

لحظات صامتة مرت قطعها أبو مجاهد وهو يوجه السؤال لابنه.. يعنى مش كفاية إنك قلت لأ للدستور تضحك على أمك كمان وتقولها حقوق المرأة.. يا أخى اتقى الله.. إلا أنت قريت الدستور يامجاهد..؟؟ لأ وأيه لازمة القراية.. الإخوان هما اللى حطوه وده كفاية ويسقط يسقط حكم المرشد.. نظر إليه أبو مجاهد نظرة غاضبة وهو يقول.. هو أنت فاكر نفسك فى الاتحادية اللى سهران فيها كل يوم وهتاكلنى بالشعارات دى..!! يابنى أنا داير ولافف والسياسة لفتها من أول الإخوان لغاية حزب التجمع.

كانت علامات الدهشة والتعجب تكسو وجه مجاهد وهو يقول.. إيه الكلام ده..!! أول مرة أسمعه منك.. رجع أبو مجاهد للوراء وهو يستند على ظهر الكنبة.. جلس متربعا ثم مال للأمام وبصوت ونبرة كأنه يحدث نفسه بدأ فى تذكر ماكان.

لما كنت شاب واحد صاحبى خدنى على الإخوان قعدت معاهم وحضرت اجتماعاتهم ومؤتمراتهم والصراحة لقيت نظامهم شديد والصغير لازم يسمع وأنا كان دايما كلامى من دماغى.. فكرت قلت ياواد أيه اللى هيحشرك فى الناس دول..دول سكتهم من البيت للمعتقل ومن المعتقل عالبيت.. الطيب أحسن.

رحت على جماعة الوفد.. لقيت برضه الصغير لازم يسمع الكلام ولكن بأسلوب تانى.. طفشت.. رحت على بتوع حزب العمل برضة مالقتش تغيير كتير برضه الصغير لازم يسمع الكلام.

قلت لنفسى مالكش إلا حزب التجمع.. قعدت معاهم.. الصراحة فيه حرية عندهم.. لقيت فلسفة وكلام كبير.. المشكلة أنى مافهمتش حاجه من كلامهم.. قلت ياواد عليك وعلى الوطنى.
رحت هناك لقتنى جاى أبيع الميه فى حارة السقايين.. مليون واحد سبقنى وطبق الفته ملحوس كله أبيض من الصينى.. فى الآخر عرفت طريقى.

رحت على حزب الأمة.. لقيت نفسى هناك.. لاسياسة ولا وجع دماغ.. رئيس الحزب كان راجل طيب.. الله يرحمه.. نقعد قعدة حلوة كل أسبوع فى مقر الحزب.. ونتعشى عشوة حلوة ونحبش بالشاى أبو نعناع وسلملى على السياسة.

أول مرة أعرف أنك اتمرمطت فى السياسة كده ياحاج.. أمال بتعيب عليا ليه..!! هذا الشبل من ذاك الأسد.. تنهد أبو مجاهد وهو يقول شبل وأسد..!! طيب قول حمار وجحش.. يامجاهد يابنى إحنا ناس غلابة.. الكبار راكبين فوق ظهورنا ومدلدلين رجولهم وشيه وهس.. بس بالشعارات وبالحقن وبالشحن هو ده اللى طلعت بيه من مشوار السياسة.. وفى الآخر إحنا اللى بندفع التمن وكله بيلعب لمصلحته.. وأهى أمك الغلبانة كانت هتروح فيها فى لعبة مش فهماها.

التفت أبو مجاهد لأم مجاهد وهو يقول بلهجة حازمة.. قومى أعملينا كبايتين شاى ياحاجه.. قامت أم مجاهد قبل أن يكمل أبو مجاهد كلامه وهى تقول.. أمرك ياحاج.. شاى فى الخمسينة والعشا هيكون جاهز.. وأعملينا سلطة طحينة بالتوم وأشوى لنا كوزين درة نحبس بيهم.. بدون أن تلتفت.. اللى تشوفه ياحاج.