بعدما عاد إلى أمريكا اللاتينية بدأ اليسار يشق طريقه بقوة للسيطرة السياسية على أوروبا، خاصة فى الدول الرئيسية داخل الاتحاد الأوروبى.. البداية كانت فى فرنسا مع وصول اليسارى فرانسوا هولاند إلى قصر الاليزيه على حساب اليمينى نيكولا ساركوزى، بدأت ألمانيا تعد العدة حاليا لاستقبال زعيم حزب اليسار المعارض بير شتاينبروك، الذى ينافس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منافسة شرسة فى الانتخابات التشريعية الألمانية المقررة فى 2013، بعدما أطلق حملته الانتخابية تحت شعار "المساواة والعدالة الاجتماعية" بعد أن اختاره مندوبو الحزب الإشتراكى الديمقراطى مرشحا لهم.
هناك توقعات بوصول اليسار والفوز فى الانتخابات، رغم أن مواجهة ميركل مهمة بالغة الصعوبة لكونها "المرأة الأكثر نفوذا فى العالم"، والشخصية التى تتمتع بأكبر شعبية فى البلاد وتحظى بالتأييد أيضا لسياستها الاقتصادية، وهذا ما اعتبره شتاينبروك تضليلا للرأى العام الألمانى، متهما الزعيمة المحافظة باستغلال الإصلاحات التى بدأها الاشتراكيون الديمقراطيون مطلع الألفية الثانية تحت قيادة المستشار السابق جيرهارد شرودر لصالحها، وقال شتاينبروك إن "ميركل تلقى بالتأكيد تقديرا لكن هذا لا يكفى للفوز فى الانتخابات"، مشيرا إلى أن الحزب الاشتراكى الديمقراطى وضع العدالة والحرية والتضامن فى الواجهة.
الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها عدة بلدان أوربية قد تكون هى الدافع القوى لفوز الأحزاب اليسارية، خاصة أن هذه الأحزاب تطرح برامج تقوم على إيجاد مشاريع وحلول حاسمة للمشاكل العالقة خاصة الحياة الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة، ولذلك فأن ما يرجح فوز الحزب اليسارى المعارض بألمانيا فى الانتخابات المقبلة فى 2013 هو شعار ذلك الحزب وهو "تحقيق العدالة الاجتماعية"، كما أن شتاينبروك وعد اليسار بتعزيز مراقبة الأسواق المالية، ووفقا للكثير من المحللين فإن شتاينبروك "يحلل الأوضاع باعتدال ويفهم كل شىء بسرعة كبيرة ويملك روح فكاهة لا تخلو من التهكم أحيانا"، ووفقا لتعبير جيرو نوجباور الخبير السياسى فى الجامعة الحرة فى برلين فإن شتاينبروك مختلف عن ميركل التى توصف غالبا بأنها مترددة.
كما أن حزب اليسار المعارض فى ألمانيا انفرد من بين الأحزاب الألمانية بالترحيب بقرار الأمم المتحدة بمنح فلسطين صفة دولة مراقب، ورأى أن هذا القرار رسالة واضحة من المجتمع الدولى لإسرائيل تطالبها بتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين، واستغل نقطة أن حزب ميركل امتنع عن التصويت بالأمم المتحدة لجمع تأييد من شتى أنحاء العالم ليصبح هو الحزب الإيجابى، معتبرا امتناع أن حزب ميركل عن التصويت أظهر لإسرائيل أن سياساتها الخاطئة فرضت حدودا لتضامن أقرب حلفائها معها، وكان حزب اليسار قد تقدم بطلب عاجل للبرلمان الألمانى (البوندستاج) طالبه فيه بإصدار توصية تحث الحكومة على التصويت بالجمعية العامة لصالح منح فلسطين وضع دولة مراقب، وحاز طلب الحزب تأييد نوابه ونواب حزب الخضر المعارض، ورفضه نواب حزبى الائتلاف الحاكم المسيحى الديمقراطى والديمقراطى الحر.
وانتقد اليسار امتناع ألمانيا عن التصويت على الطلب الفلسطينى بالجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتبر هذا الموقف "مغامرة ستؤدى لتراجع مصداقية ألمانيا بالشرق الأوسط".
ويقوم الحزب اليسارى المعارض بالتركيز على قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتضامن لتصبح توجهات الحزب الاشتراكى الديمقراطى، وهذا ما جذب انتباه العديد من الألمان الذين خاصة فى قضايا مكافحة الفاشية والمساواة بين الرجل والمرأة، وعلى الرغم من ذلك فإن شتاينبروك تنتظره مهمة صعبة تتمثل فى هزيمة من يعتبرها قسم كبير من الألمان "إمبراطورة أوروبا" وهى فى أوج شعبيتها بعد سبع سنوات فى السلطة.
وكشفت استطلاعات الرأى مؤخرا تفوق ميركل على منافسها الاشتراكى الديمقراطى فيما لو تم انتخاب المستشار أو المستشارة بالاقتراع المباشر، لكن الأمر ليس كذلك بما أن المستشار ينتخب من قبل البرلمان وقال استطلاع للرأى نشرت نتائجه صحيفة "بيلد ام سونتاج" الشعبية الواسعة الانتشار، إن 41% من الألمان يعتبرون الاشتراكى الديمقراطى أهلا ليكون مستشارا، فيما عبر 52% عن عدم ثقتهم به لتولى هذا المنصب.
وكان الفرنسيون لجأوا إلى اختيار فرانسوا هولاند ليكون رئيسا لفرنسا ويجعل فرنسا فى أيدى حكومة يسارية وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية أيضا وتدهورها على أيدى اليمنيين برئاسة نيكولا ساركوزى، ومن أهم أسباب فوز هولاند فى الانتخابات الفرنسية هى أيضا شعاره "التغيير" ورغبته فى إنعاش الإنتاج وبالتالى إيجاد حلول الأزمة الاقتصادية.
وفى هولندا يقود الاشتراكيون الحكومة برئاسة مارك روته الذى يؤكد أن لحكومته هى مزيج بين الاشتراكية والليبرالية الجديدة.
ومن ناحية أخرى فقد بات اليسار يسيطر على الجزء الأكبر من القارة اللاتينية حيث اختار شعوبها وفى ظل عملية ديمقراطية نزيهة قادة وزعماء يميلون أكثر نحو الاشتراكية واليسار، وهو توجه بالضرورة يخالف ما تشتهيه الولايات المتحدة، ولا تخفى بعض تلك القيادات التى لم تتول الحكم عن طريق البندقية والانقلابات كما كان سائدا فى القرن العشرين عداءها ضد السياسات الأمريكية، وجاءت نقلة أمريكا اللاتينية اليسارية منذ وصول الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز إلى الحكم و من ثم أكملت مع رؤساء جدد فى البرازيل والأرجنتين وأوروجواى وتشيلى وبوليفيا والإكوادور وجواتيمالا ونيكاراجوا.
والأسباب التى تقود نحو اختيار الحكومات اليسارية فى أمريكا اللاتينية مختلفة عن نظيرتها فى أوروبا، لأن من أهم الأسباب التى تؤدى لاختيار حكومة يسارية هى الاختلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية،وفى كوبا قبل تولى راؤول كاسترو، شقيق الزعيم الكوبى التاريخى فيدل كاسترو، كان الأخير النجم اليسارى الأبرز فى أمريكا اللاتينية، وكان الزعيم الوحيد فى نصف الكرة الغربى الذى التزم الخط الماركسى، إلى جانب أنه رمز مناهض للولايات المتحدة منذ توليه السلطة فى العام 1959، مع زميله الثورى الأرجنتينى تشى جيفارا، بعد إطاحة نظام الديكتاتور الكوبى السابق، فولجينسيو باتيستا، وكان كاسترو ألد أعداء الولايات المتحدة، التى سعت جاهدة للتخلص منه، غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل ولعل عملية خليج الخنازير بعد وقت قصير على تولى كاسترو السلطة فى كوبا تشكل أكبر فشل أمريكى فى هذا المجال.
ويعد الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز خليفة كاسترو فى العداء للولايات المتحدة ولا شك أن شخصيته الكاريزمية الطاغية تساعده فى ذلك، وذلك إلى جانب الثروة النفطية التى تتمتع بها بلاده، وكثيرا ما ينسق شافيز مع خصوم الولايات المتحدة، ويحاول كسب أعدائها إلى جانبه ودعمهم، مثل إيران وسوريا، ويروج شافيز للاشتراكية، متجنبا اللجوء إلى أسلوب كاسترو فى الحكم، مثل إغلاق وسائل الإعلام المستقلة وحظر الأحزاب المعارضة والقطاع الخاص.
أما فى بوليفيا فيتولى الحكم الرئيس إيفو موراليس وهو اشتراكى مثل شافيز، ويعد موراليس أول زعيم فى أمريكا الجنوبية من السكان الأصليين، وكثيرا ما عبر موراليس عن شكوكه حيال التحركات الأمريكية واصطدم مع واشنطن فى قضايا مثل سياسة المخدرات كما أقام علاقات وثيقة مع كاسترو وشافيز، لكنه كان أقل عداء منهما تجاه الولايات المتحدة، أما فى الأرجنتين فيقود الحكومة الأرجنتينية الرئيسية كريستينا فيرنانديز زوجة الرئيس السابق نيسترو كيرشنر وكلاهما يميل نحو يسار الوسط.
الأزمة الاقتصادية تنعش آمال اليسار للسيطرة على أوروبا..
مرشح يسارى ينافس ميركل فى ألمانيا ويحاول السير على خطى هولاند
الخميس، 20 ديسمبر 2012 05:37 م
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة