على مدار عامين كاملين من عمر الثورة المصرية ظللًنا نعزو كل مصيبة أو كارثة تحيق بنا إلى عامل واحد، وهو ما عرف بالطرف الثالث أو اللهو الخفى والذى ظل شبحه يطاردنا، فأصابنا بفزع ورعب، وكأننا نتعامل مع عالم الأشباح الذى نسمع عنه الكثير وكثير منه يبعد عن الحقيقة، ولا يقترب منها إلاً قليل.
تناوبت على مصر أحداث جسام أودت بحياة مئات من أبنائها فى ظل تكرار وتطابق لظروف نراها ونعايشها ونطلع عليها دون أن نعيها أو نتجنبها، فتُطبق علينا كأنها صاعقة نزلت من السماء على رؤسنا وكأن الزمن يستنسخ من فصوله فصولاً هى بعينها نكتوى بنيرانها ولا مغيث.
ظلت ومازالت عقولنا غير مدركة لما يحدث، وإن مالت إلى تصديق أكذوبة لكثرة ترديدها، فأصبحت واقع تعايشنا معه وارتمينا فى أحضانه واستسلمنا لمقدراته وسلمنا بنتائجه دون الاستفادة من دروسه بعدما عجز الجميع فى إيجاد سبيلاً للخروج من ذلك النفق المظلم الذى حبسنا فيه أنفسنا.
اختلفت التأويلات فى تحديد وتفسير الطرف الثالث، فمنهم من سماه بالجهات السيادية، وهى لاشك حاولت أن تجهض مسيرة الثورة بعد انطلاقها، خوفاً من مغبة رياح قد لا تشتهيها سفنهم، وأضاف أخرون أن الطرف الثالث هم الفلول وذيول النظام البائد وسدنته والتى حاربت وتحارب بكل شراسة لعودة مملكة الفساد التى التحفوا بظلمها واستظلوا بفسادها وقهروا شعباً ظل حبيس آمال بالتحرر من تلك العصابة الآثمة.
والحقيقة التى لابد أن نعترف بها، أننا نحن جميعاً الطرف الثالث الذى نبحث عنه وعلقنا عليه تقصيرنا وعجزنا، فمسئوليتنا عن ما حدث كاملة، ودم الشهداء فى رقابنا، فلقد ساهمنا فى تحقيق أحلام الشياطين وتنفيذ مخططاتهم، وما عمدوا وعهدوا إليه بتصرفاتنا الحمقاء فى ظل غباء سياسى وأنانية سيطرت على كل أطراف المعادلة.
انغمس الجميع فى تحقيق أحلامهم الأحادية والتى سعوا لتحقيقها حتى لو كان على حساب شركائهم فى الثورة دون هاجس يمكن أن يمنعهم من الإبحار فى تنفيذ تلك المصالح، حتى لو أدت إلى التصارع والتناحر والاقتتال دون النظر إلى مستقبل وطن يتوق شوقاً إلى غدٍ انتظره كثيراً، ولم يدفع ثمنه إلاً شهداء ضحوا بأنفسهم دون انتظار لمقابل.
نعم نحن الطرف الثالث بخلقنا لصراعات ومهاترات وخلافات واختلافات حتى تصارع الجميع على كل شئ، وأى شئ بداية من صاحب فكرة الثورة ومن شارك ومتى، ثم ادعاء ملكيتها مروراً بالمتاجرة بدماء الشهداء والاقتتال على التظاهرات والميادين.
بعد كل هذا مازلنا نبحث عن الطرف الثالث، ونضرب كفاً بكف ونذرف دموع التماسيح على كل ضحية مصرية تسقط، وهى ما سقطت إلاً من جراء أفعالنا.
يا سادة لابد من وقفة صادقة مع أنفسنا تكن خالصة لله ثم لوطن ظُلم بأنانية أبنائه، بعدما آثروا أنفسهم على مصلحة الوطن.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
الطرف الأحمق هو الذى لايريدها ديمقراطية