انفض المولد بخيره وشره، والحمد لله تعالى جاء بقاعدة أخف الضررين فلم نفقد فيه أرواحا جديدة، ولكنه أعطى مؤشرات عديدة لما دار فى الصراع بين فريقين.
فريق التيار الإسلامى والنظام الحاكم جميعهم خلف التصويت بنعم، وقد استعدوا وخططوا للحدث مبكرا بكل الوسائل، والتيار المدنى والليبرالى جميعهم خلف لا، وقد دخلوا السباق متخلفين عن بداياته بعد تردد طويل بين المقاطعة والمشاركة، وجاءت النتائج شبه الرسمية النهائية للتصويت فى المرحلة الأولى لتعلن حصول فريق "نعم" على نسبة 56.5% من إجمالى الأصوات الصحيحة للمصوتين فى عشر محافظات، منها أكبر محافظتين القاهرة والإسكندرية.
هذه النسبة ستتغير حتما فى المرحلة الثانية بالزيادة لفريق "نعم"، حيث الدعم المطلق فى الصعيد الذى يعتمد على الحشد العائلى والعصبية، ومن ينظر للنتيجة نظرة متأنية عادلة ليقرأها بتمعن يجد أن الفريقين قد خرجا راضيين إلى حد ما رغم ما يعلن منهما، ففريق نعم حقق ما أراد من التصويت بأغلبية لنعم وتخطى أكبر عثرة أمامه وهى محافظة القاهرة، ولها أكبر نسبة تصويتية فى مصر، وفريق لا حصل على نسبة مرتفعة من الأصوات تجعله متحدثا باسم قطاع عريض من الشعب لا يمكن تجاهله.
أما الظاهر لنا من عدم رضا أحد الطرفين فما هى إلا مناورات سياسية وللسياسة فى الانتخابات حسابات أخرى غير معلنة.
فى طريق الوصول لـ"نعم" رأينا الكثير من التجاوزات لأسباب عديدة مختلفة، منها ما هو مخطط له ومدروس من عملية تعطيل التصويت بالساعات فى كثير من اللجان أو التصويت فى يوم واحد، رغم التمديد للمصريين فى الخارج لستة أيام، ومنها ما جاء عفويا كعادتنا، فضلا عن أن الاستفتاء قد تم تحت إشراف قضائى شابه بعض المؤاخذات، كما أن امتناع العديد من القضاة ربما أضر بفريق لا أكثر من الفريق الآخر، فقد حرمهم تواجد الكثير من القضاة الحياديين أو المؤيدين.
وبالعودة للنتيجة نفسها نجد أن الفريق الأول بقيادة جماعة الإخوان المسلمين وباقى حشود التيار الإسلامى فريقا محترف انتخابات يعلم جيدا أهدافه، وكيف يجمع الأصوات، لأن النتيجة النهائية لا تفرق بين صاحب الصوت وثقافته وفهمه ووعيه وإدراكه لقيمة بناء مؤسسات الدولة وآلية اختيارها، وأكاد أجزم أن خبراء الانتخابات فى الجماعة قد درسوا أخطاء انتخابات الرئاسة جيدا بالتخطيط لكيفية تفادى السقوط فى محافظات كبرى كالدقهلية والشرقية والمنوفية والقليوبية، وكيفية مواجهة الرفض الشعبى الكبير فى القاهرة، وأيضا كيفية الاستفادة من التأييد والحشد الكبير فى محافظات الصعيد كافة، وهى المحافظات التى أوصلت مرشح الجماعة لمقعد الحكم، والفريق الآخر اعتمد على الحشد الإعلامى أكثر من التواجد بين الناس خاصة فى القرى وباقى المحافظات، بينما للفريق الأول كوادر فى كل قرية وشارع وحارة وزقاق تتحرك بخطط وتكليفات وآلية واضحة كما أن للصوت النسائى لهذا الفريق دور كبير فى تجميع الأصوات فى الانتخابات بما فيها من سياسة طرق الأبواب.
نتيجة الاستفتاء أظهرت أن هناك قطاعا كبيرا من الشعب رافض له أيا كانت نسبتهم، وهذا القطاع إما رافض لفكر الإخوان أساسا والخوف من سطوتهم وسيطرتهم على كل مفاصل الدولة، فهو يعارضهم على طول الخط أو رافض لبعض المواد فى مشروع الدستور.
وسنجد هذه النسبة قد زادت بشكل كبير فى العاصمة القاهرة التى يجب أن نقف أمامها بعض الشىء، لأننا لا نستطيع أن نتهمها بأنها مع الفلول أو أن تأثرها بإعلام التيار المدنى والليبيرالى أكبر من تأثير التيار الإسلامى والقاهرة إذا تكلمت يجب أن يسمع الجميع ويقرأ بعيدا عن نتيجة الاستفتاء فهى أم الثورة وحاضنتها وبدون القاهرة لن تنجح ثورات، ولن تقم لها قائمة وغالبية أصوات القاهرة مثقفة متفاعلة مع الحدث وتختلف اختلافا جذريا عن طبيعة الصوت فى الريف وفى باقى محافظات مصر التى من السهل التعامل معها، والتأثير المباشر فيها سواء بالحشد والعطاء أو جذب الأصوات.
العجيب أنه رغم الإقبال الكبير على التصويت وبسببه تم التمديد لمدة أربع ساعات إضافية، إلا أن نسبة 31 بالمائة فقط ممن لهم حق التصويت قد تمكنوا من الوصول للصناديق فى المرحلة الأولى وهى نسبة لا تكفى للتعبير عن إرادة أمة فى دستورها، كما أن الفريق المؤيد دائما ربما لم يقرأ مسودة الدستور، ولم يأخذ من وقته ليفهم أسباب اعتراض الطرف الآخر ليلتقى معهم بل يضعهم دائما فى خانة التخوين.
الحقيقة الثابتة أن هذا الاستفتاء بلا شك قد فرق بين المصريين وهذه خطيئة كبرى فى حق مؤسسة الرئاسة التى ذهبت للاستفتاء وهى على يقين من التصويت بنعم ولسان حالها يقول للمعارضين (أعلى ما فى خيلكوا اركبوه)، ولا نستطيع أن نتهم كل من صوت بلا أنه من الفلول أو مغيب عن الوعى أو منزوع عنه الوطنية، فهل ينتبه الرئيس ومستشاروه لخطورة هذا الوضع لمحاولة احتوائه أم أن ضغوط قيادات الجماعة والاستقواء بباقى التيار الإسلامى ستستمر حتى النهاية تحت سياسة البلد بلدنا والريس تبعنا والدستور لا مؤاخذه دستورنا، ومجلس النواب اللى هيتولد ولدنا واللى مش عاجبه يشرب م البحر.
د. هانى أبو الفتوح يكتب: نتيجة الاستفتاء وكلمة القاهرة
الخميس، 20 ديسمبر 2012 09:27 م