فى الوقت الذى كانت تتجه فيه أنظار العالم إلى الولايات المتحدة لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمنافسة الشرسة بين باراك أوباما وميت رومنى والذى فاز فيها الأول واحتفظ برئاسة الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات قادمة، كان هناك حدث "جل" لا يقل أهمية عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى النصف الشرقى من العالم وهو المؤتمر العام رقم 18 للحزب الشيوعى الصينى الحاكم منذ عام 1949 وحتى الآن، لاختيار سكرتير عام جديد للحزب وأعضاء لمكتبه السياسى تمهيدا لاختيار رئيس جديد للجمهورية الصينية خلفاً للرئيس الحالى هوجينتناو.
وكما هو معروف ومتبع سيصبح نائب رئيس الجمهورية "شى جينبينغ" سكرتيرا عاما للحزب الشيوعى ومن ثم رئيسا للبلاد فى مارس 2013 خلال اجتماع الجمعية الوطنية الشعبية ( البرلمان).
لن أخوض فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأسباب فوز أوباما وأسباب هزيمة رومنى لأنى أتصور أنها واضحة ومعروفة لأغلب الناس.
ولكن ما يهمنى فى المقام الأول هو المقارنة بين ديمقراطية أمريكا وديمقراطية الصين، والدولتان هما من أكبر القوى الموجودة فى العالم حاليا.
المقارنة هنا بين ديمقراطية حقيقية وديمقراطية زائفة، بين شعب لا يعرف فى آخر اللحظات من سيكون رئيسه القادم، وبين شعب يفرض عليه الرئيس من الحزب الحاكم القابع على السلطة منذ أكثر من ستين عاما.
بين دولة يوجد بها تعددية سياسية وحزبية وحق كل مواطن فى الترشح للرئاسة، ومناقشات ومناظرات بين مرشحى الرئاسة، وبين دولة لا يستجرى أى مواطن أن يعلن عن حقه فى الترشح للرئاسة أو المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية فى البلاد.
لا أختزل الديمقراطية فقط فى إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشهد بها العالم، ولكن إذا نظرنا إلى كلا القوتين العظمتين نجد أن الولايات المتحدة مازالت هى الدولة الديمقراطية الأولى فى العالم من حيث وجود تداول حقيقى للسلطة، ووجود معارضة محترمة وواعية، واحترام للعقيدة وحرية الرأى والتعبير، ووجود ثقافات وجنسيات متعددة داخل المجتمع الأمريكى يتعايشون مع بعض (بالرغم من بعض الحوادث التى أعتقد أنها فردية وليست ممنهجة والتى أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر).
نجد على الجانب الآخر أن نظام الحكم السائد فى الصين هو نظام سلطوى مغلق ومسيطر على كل تفاصيل الحياة، وحزب أوحد يفرض سيطرته على الحكومة والجيش والشرطة ووسائل الإعلام.
وبالرغم من أن دستور الصين الشعبية ينص على أن الحقوق الأساسية للمواطنين تضم: حرية الرأى، وحرية الصحافة والحق فى المحاكمة العادلة، وحرية الدين، وحق الانتخاب، وحقوق الملكية، إلا أن الحريات الأساسية مقيدة بإحكام.
فلا وجود لحرية الرأى والتعبير فهى معدومة، ولا تداول للسلطة إلا وفقا للقواعد التى وضعها الحزب الشيوعى وهى تغيير الرئاسة كل عشر سنوات وتغيير القيادة أى الجيل الحاكم كل عشرين سنة.
وسجل الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الصين ليس جيدا للغاية ولا يبشر بأنه سيتحسن، فالحكومة تقوم بقمع المظاهرات، وتعتقل الناشطين وأصحاب الفكر والرأى الذين يشكلون – وفقا لرؤيتها - تهديداً محتملاً للاستقرار الاجتماعى، وخير مثال على ذلك أحداث الميدان السماوى (تيانانمن) فى عام 1989 الذى خرج فيه الآلاف من العمال والطلاب للمطالبة بالحرية والديمقراطية، وقيام الجيش الصينى بارتكاب مذبحة بشعة سقط خلالها العديد من القتلى والمصابين.
بالإضافة إلى تضييق الخناق على المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنى، والانخراط فى عدد متزايد من عمليات الاختفاء القسرى والاحتجاز التعسفى، وإقامة مراكز احتجاز سرية معروفة باسم "السجون السوداء" وفقا لتقارير منظمة هيومان رايتس ووتش، والتضييق على الحريات الدينية فى إقليم التبت وكذلك فى إقليم شينجيانج ذى الأقلية المسلمة، واعتقال المئات لفترات طويلة دون محاكمة، وإجبارهم على الاعتراف باستخدام طرق غير مشروعة كأساليب التعذيب، وإعدام عدد من الأشخاص أكثر من أى دولة أخرى وبنسبة 72 بالمئة من إعدامات العالم فى سنة 2009.
وكان من أشهر الناشطين الصينيين الذين تم اعتقالهم هو الكاتب والناشط الحقوقى الصينى ليو تشياوبو الذى فاز بجائزة نوبل للسلام لعام 2010، وبعد ذلك الحكم بسجنه 11 عاماً نتيجة للاتهامات المنسوبة إليه بالقيام بأعمال "تخريب" تنبع من دوره فى صياغة وتداول "ميثاق 80" وهى عريضة متداولة على الإنترنت تطالب بجعل حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون فى صميم النظام السياسى الصينى.
وتفرض الحكومة الصينية رقابة مشددة على الخطاب السياسى والمعلومات وما يتم نشره على شبكة الإنترنت، ففى عام 2005 صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود" جمهورية الصين الشعبية فى المرتبة 159 (من أصل 169 دولة) فى المؤشر السنوى العالمى لحرية الصحافة.
وقد قامت السلطات الصينية باعتقال أكثر من مائة ناشط لتتجنب الانتقادات والمظاهرات قبل انعقاد المؤتمر الوطنى العام وعلى رأسهم المعارضة الصينية ماو هنغفنغ التى تتخذ من شنغهاى مقرا لها.
بالإضافة إلى فضائح الفساد المتورط فيها كبار المسئولين الصينيين الذين يشغلون مراكز مرموقة بالحكومة والأقاليم، فوفقا لهيئة مكافحة الفساد الصينية فقد تمت متابعة أكثر من ستمائة وستين ألفا من المسئولين قضائيا لانتهاكهم للقوانين على مدى السنوات الخمس الماضية منذ عام 2007، وعلى رأس هؤلاء رئيس الوزراء وين جياباو التى كشفت التقارير والمعلومات عن امتلاكه وعائلته لثروات طائلة تبلغ مليارين دولار.
إن التنين الصينى ذا القوة البشرية الجبارة التى تتجاوز المليار نسمة والذى يتمتع بتفوق اقتصادى كاسح يجعله ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وينافس بقوة الولايات المتحدة صاحبة المركز الأول - مازال بعيداً كل البعد عن أى تفوق سياسى أو نجاح ديمقراطى، فهو قزم سياسى بين الكبار.
ولقد أثبتت الصين بالفعل تميزها وقدرتها على التقدم على المستويين الاقتصادى والتكنولوجى، ولكن آن الأوان لأن تفتح الصين نوافذها للديمقراطية والحرية بعد سنوات من الاضطرابات الاجتماعية، والفضائح السياسية، والانتكاسات الديمقراطية وغضب عام من الفساد وهوة متسعة بين الأغنياء والفقراء.
على القيادة الصينية الجديدة التى ستتولى زمام الأمور الثورة على الماضى والتحرر من شركه وقيوده، وتحقيق تحولات جوهرية وجذرية على طريق هدم سيطرة الحزب الشيوعى منفردا على السلطة وإقامة حياة سياسية سليمة بتعددية حزبية وتداول حقيقى للسلطة واحترام لحقوق الإنسان وإطلاق للحريات.
