فى زحام المشهد السياسى المرتبك عن قصد أو نتيجة الاحتكاكات السياسية المتتالية والتى يتسبب فيها النظام بأطروحاته التى تخلو غالبا من أى نوع من اللياقة السياسية أو المواءمة على أحسن الفروض، نجد أننا نوضع بكل وضوح وعمد فى مآزق دستورية وقانونية خطط لها بعناية لوضعنا فى حرج موقف أن تختار بين السيئ والأسوأ، حيث يراهن النظام الذى يجلس على قمة تيارات الإسلام السياسى فى مصر أن التيار الوطنى سوف يرضخ حتما من الضغط الشعبى الذى خيل له أن الصراع بين الدين وأعدائه أو على أحسن الفروض بين الشريعة ومنتقديها...
إن ما فات النظام هنا بل وكل السياسيين الإسلاميين أن الشعب المصرى العادى ينظر إلى هذه الثورة بتوجس شديد، وينتظر أن يتحقق منها أى من شعاراتها والتى لم يكن منها طبعا هذا الاستقطاب الواضح الذى يؤسس له الرئيس وجماعته حينا وباقى جماعات الإسلام السياسى أحيانا أخرى، فبينما انتظر الشعب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وجد نفسه أمام أن يختار إما أن يكون إخوانيا وتحت ظل أحد هذه التيارات، وإما أن يكون مصريا وبالطبع الإجابة بالنسبة الغالبة تفضل أن يكونوا مصريين، هذا على الجانب الفكرى والاجتماعى، أما الجانب الآخر فلم ينتظر المصريون من هذه الثورة أن تخرج علينا بدستور دبر بليل، يجعل المحتاجين متسولين وليسوا أصحاب حقوق، وبدلا من إطلاق الحريات فنجده يكبلها ويخفض من سقفها، أما العدالة الاجتماعية فنجده ينصب نفسه محتسبا على هذا الشعب، متعاليا عليه، لتنتفى مع هذا الدستور البائس شعارات الثورة الثلاثة وهى وما زالت العيش والحرية والعدالة الإجتماعية، أما الأنكد والأمر.. أنه لأول مرة فى تاريخ دساتير مصر والعالم تتاح بمبدأ الشرعية الجنائية بنص أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فى الدستور، مما يمكن للقاضى أن يستند لبعض المواد لابتداع جرائم شرعية لم ينص عليها قانون العقوبات!!!
وبينما كان الدستور يحاك بليل وأعضاء لجنته غير الشرعيين واحطياطيوهم المصوتون يسابقون الزمن، وكأنهم يهربون من العدالة، كان الرئيس على شاشة التليفزيون يضيف إلى موهبة الخطابة موهبة أخرى، وهى الحديث لمدة أكثر من الساعة، دون أن يقول شيئا، إلا أنه أشاع جوا من الارتياح والفرحة من الواقع السياسى، وكأنه رئيس سويسرا بالإضافة إلى جو الدفء والحنان الواضح بالأحضان والمشاعر المتدفقة، أما حل المشهد السياسى فكان حاسما، وقال إن هذا الارتباك سوف ينقضى لما بتاع التشريع ياخد تشريعه!!!
إنه من المحزن من كل بد، أن يكون التحول الديمقراطى فى مصر لمصلحة التنظيم على حساب الدولة، لتتحول مصر إلى قبيلة تتحكم فى مقدراتها تنظيمات سرية موازية، يكون الفصل فيها للتناحر الفقهى، والمزايدة على حساب القانون والعدل، ويذوب الفكر فيها لحساب التطرف والجهل، بينما تقمع الحريات لصالح التسلط والقهربينما تصر الجماعة وأنصارها على تصوير المشهد، أنه عداء لدين الله وشريعته متناسيين أن من أهم شرائع الله.. تحريم الكذب!!!!